
عربي
شهدت الصين خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي تراجعًا جديدًا في أسعار السلع الاستهلاكية، ما يعكس التحديات المستمرة التي تواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم في سعيه لتحفيز الإنفاق المحلي وسط التوترات التجارية المتصاعدة مع الولايات المتحدة. وتأتي هذه الأرقام لتؤكد الصعوبات البنيوية التي تعانيها بكين، من تباطؤ سوق العقارات إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وهي عوامل تقوّض الثقة الاستهلاكية وتحدّ من النشاط الاقتصادي.
وواصلت أسعار السلع الاستهلاكية في الصين تراجعها الشهر الماضي فيما تسلّط الأرقام الرسمية الضوء على المعركة التي يواجهها القادة في مسعاهم لإعادة إطلاق الإنفاق المحلي في ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم على وقع الحرب التجارية مع الولايات المتحدة. وقضت بكين السنوات الأخيرة وهي تحاول التعامل مع مجموعة من القضايا التي خيّمت على النمو والنشاط الاستهلاكي، بما في ذلك التراجع الذي تشهده سوق العقارات وارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب.
وفاقم ذلك الخلاف مع واشنطن منذ تولى دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة وأطلق حرب رسوم جمركية على العالم تركّزت تحديدًا على بكين. ودفعت الضبابية الناجمة عن ذلك المستهلكين الصينيين لترشيد نفقاتهم. وأظهرت بيانات الأربعاء بأن مؤشر أسعار المستهلك الذي يعد مقياسًا رئيسيًّا للتضخم تراجع بنسبة 0,3 % بين عام وآخر في أيلول/سبتمبر.
وشكّل الرقم الصادر عن المكتب الوطني للإحصاءات تحسّنًا ضئيلًا في آب/إغسطس، ولكنه جاء أسوأ من نسبة 0,2 % التي توقعها استطلاع أجرته بلومبيرغ. كما يأتي بعد يوم على إشارة تقرير صندوق النقد الدولي الأخير بشأن توقعات الاقتصاد العالمي إلى "ضعف في الطلب المحلي" في الصين، في انعكاس للتوقعات الأوسع على مستوى آسيا في ظل الحرب التجارية الأميركية.
وأضاف صندوق النقد الدولي أن "إعادة التوازن" إلى الاقتصاد الصيني عبر إجراءات مالية تستهدف الإنفاق الاجتماعي والعقارات قد تساعد في مكافحة الضغوط الانكماشية. وبينما ينظر المستهلكون بإيجابية إلى انكماش الأسعار، يهدد هذا الأمر الاقتصاد الأوسع، إذ تميل العائلات إلى تأجيل عمليات الشراء على أمل تراجع الأسعار أكثر. وأظهرت أرقام المكتب الوطني للإحصاءات بأن مؤشر أسعار المنتجين الذي يقيس تكاليف المنتجات قبل دخولها مرحلة البيع بالجملة أو التجزئة، تراجع بنسبة 2,3% الشهر الماضي، بما يتوافق مع توقعات بلومبيرغ والتحسن من آب/أغسطس.
منذ اندلاع الحرب التجارية بين واشنطن وبكين عام 2018، إثر فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رسومًا جمركية واسعة على السلع الصينية، دخل الاقتصاد الصيني مرحلة من عدم اليقين أثّرت على قرارات المستهلكين والمستثمرين. كما ساهمت القيود التي فرضتها جائحة "كوفيد-19" لاحقًا في زيادة الضغوط على الطلب المحلي، في حين ما زال قطاع العقارات، الذي يمثل ركيزة أساسية للنمو، يعاني أزمة ثقة وديونًا متراكمة.
ويأتي التراجع الأخير في الأسعار في وقت أشار فيه صندوق النقد الدولي ضمن تقريره الأخير حول آفاق الاقتصاد العالمي إلى "ضعف في الطلب المحلي" في الصين، معتبرًا أن إعادة التوازن الاقتصادي عبر سياسات مالية موجهة نحو دعم الإنفاق الاجتماعي والقطاع العقاري قد تكون خطوة ضرورية لمواجهة الضغوط الانكماشية.
أظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاءات في الصين أن مؤشر أسعار المستهلكين تراجع بنسبة 0.3% على أساس سنوي في أيلول/سبتمبر، مسجلًا انخفاضًا أكبر من التوقعات التي بلغت 0.2% وفقًا لاستطلاع أجرته وكالة بلومبيرغ. ورغم أن هذا التراجع يعدّ أقل حدة مقارنة بشهر آب/أغسطس، يبقى يثير القلق بشأن ضعف شهية الاستهلاك واستمرار الميل نحو الانكماش.
في المقابل، انخفض مؤشر أسعار المنتجين – الذي يقيس تكاليف السلع قبل البيع بالجملة أو التجزئة – بنسبة 2.3%، بما يتماشى مع التوقعات، وهو ما يشير إلى استمرار تراجع الضغوط السعرية في قطاعات الإنتاج والتصنيع. ويرى اقتصاديون أن استمرار انخفاض الأسعار قد يشكل تهديدًا للنمو، إذ يدفع المستهلكين لتأجيل الشراء بانتظار مزيد من التراجع، ما يخلق حلقة انكماشية يصعب كسرها من دون تدخل حكومي قوي يعيد الثقة إلى السوق الداخلية.
يمثّل تراجع الأسعار الأخير مؤشرًا جديدًا على هشاشة الطلب المحلي في الصين، وعلى محدودية تأثير السياسات الحكومية الهادفة إلى تحفيز الإنفاق في ظل التحديات البنيوية العميقة التي يواجهها الاقتصاد. وبينما يبدو أن المستهلكين الصينيين يستفيدون موقتًا من انخفاض الأسعار، قد يضرّ استمرار هذا المسار بالنمو على المدى الطويل، ما يستدعي تحركًا استباقيًّا من بكين لتفادي الدخول في دوامة انكماشية تهدد طموحاتها الاقتصادية العالمية.
(فرانس برس، العربي الجديد)

أخبار ذات صلة.

الشرع وزيارة الضرورة
العربي الجديد
منذ 8 دقائق