
عربي
قضى الأسير الفتحاوي المحرّر أيمن الشرباتي 27 عاماً خلف قضبان السجون الإسرائيلية، منها عامان في العزل الانفرادي، التي غادرها بعد تجربة قاسية لا تخلو من شعور بالانتصار المعنوي، إذ تحقّقت حريته بفضل صفقة تبادل رعتها المقاومة الفلسطينية.
يستعيد الشرباتي تفاصيل الحياة خلف القضبان، ومشاعر الفقد والانتظار، واللحظة التي تبدّد فيها اليأس مع "طوفان الأقصى"، ويتحدّث عن أطفاله الذين تركهم قبل نحو ثلاثة عقود، ليجدهم رجالاً ونساءً، ويقول لـ"العربي الجديد": "أتنفّس الهواء بحرية للمرّة الأولى منذ ربع قرن، ومشاعري متضاربة بين الفرحة والدهشة. كنت أعيش داخل السجن بين الأمل واليأس، لكن الأمل ظلّ أقوى استناداً إلى عدالة قضيتنا. قبل طوفان الأقصى، كانت أجواء الإحباط واليأس تسيطر على معظم الأسرى، وكانت إدارة السجون تمارس سياسة ممنهجة للقتل البطيء عبر الإهمال الطبي والعزل الطويل. ولكن بعد أسر عدة جنود إسرائيليين، تبدّل المشهد كلياً، إذ شعرنا بأن هناك من يقاتل من أجلنا، ويدفع الثمن لاستعادة حريتنا، فعاد الأمل إلى الزنازين، وأحيا الروح داخل كل أسير".
يضيف: "أعاد طوفان الأقصى إلينا الإيمان بأن الحرّية ممكنة. تلك اللحظة كانت بمثابة انبعاث جماعي للأمل بعدما ساد الإحساس بأن العالم نسي الأسرى الفلسطينيين، وأن ملفهم لم يعد أولوية لدى أحد. قضيت عامين في العزل الانفرادي هما الأصعب في حياتي، فالعزل أقسى أنواع العقاب، لأن الجدران لا ترحم، والوقت لا يتحرك. لكن العزل لم يكسرني، بل زادني يقيناً بأن الحرية تستحق الصبر، وداخل تلك العزلة، وجدت ملاذاً في كتابة عشرات القصص القصيرة والخواطر التي كنت أحتفظ بها بين طيات كتبي القليلة. الكتابة كانت وسيلتي للبقاء حياً".
يتابع: "عندما اعتقلت كان لدي طفل اسمه علاء وطفلة لم تولد بعد اسمها يارا. اليوم، أنهى علاء الماجستير في القانون الدولي، وهو يُكمل الدكتوراه حالياً، وأصبحت يارا أماً لطفل. كان ذلك أعظم شعور عشته في حياتي، والفضل في هذا يعود إلى زوجتي التي تحملت عبء الحياة وحدها، وللمجتمع الفلسطيني الذي لم يتخلَّ يوماً عن عائلات الأسرى، بل ظلّ غلافاً اجتماعياً يحميها من الانكسار".
ويؤكّد الشرباتي أن "غزّة دفعت ثمناً باهظاً من أجل حرية الأسرى، وعملية طوفان الأقصى لم تكن حدثاً عسكرياً فقط، بل لحظة وعي وكرامة. نحن مدينون لغزّة بالكثير، إذ أثبتت أن الشعب الفلسطيني مستعدٌّ لدفع أغلى الأثمان من أجل كرامته، ومن أجل الحفاظ على حقه في الحياة بحرية. كانت غزّة البوابة التي عبرت منها الحرية إلى آلاف الأسرى، وما تحقق في الصفقة ليس نهاية المطاف، بل بداية طريقٍ يجب أن يستكمل بالوحدة والمصالحة".
ويصف فترة الحرب على غزّة بأنها "كانت الأسوأ على الإطلاق بالنسبة إلى الأسرى، فمنذ بدايتها، تمارس سلطات الاحتلال سياسات انتقامية بهدف نزع الإنسانية عن الأسير الفلسطيني، تشمل اقتحامات متكررة، وحرماناً من الزيارة، وتضييقاً في الغذاء والعلاج، وسط غياب كامل لأي متابعة دولية لانتهاكات الاحتلال. ملف الأسرى يحتاج إلى تحرك جاد، وأن لا يقتصر على الصفقة الأخيرة، وعلى المنظّمات الحقوقية، الفلسطينية والعربية، المطالبة بتحويل الانتهاكات إلى قضية رأي عام عالمي".
ويستطرد: "لم أشعر بالإبعاد أو الغربة في القاهرة، فالاستقبال في مصر كان حافلاً، وهي المكان الطبيعي للعبور من الأسر إلى الحياة، والدفء الذي لمسته جعلني أشعر أنني في وطني الثاني، ومحاط باحترام كبير من الأهالي والسلطات على حد سواء، حتى شعرتُ كأني أعرف هؤلاء المستقبلين، وأوجّه الشكر لكل الوسطاء على جهودهم الصادقة في إنجاز الصفقة، وإخراجنا من ظلمات السجن إلى نور الحرية".
وبعد سنوات العزلة، لا يرى الشرباتي نفسه غريباً، بل مقبلاً على الحياة بشغف. ويقول: "أخطط لاستكمال ما بدأته داخل السجن من كتابة قصص قصيرة وخواطر وأغنيات للأطفال، وأتمنّى أن أعتمر وأحج بيت الله، وأن أزور القدس حرّاً، وأن أطوف العالم سياحةً لأعوّض السنوات التي سُلبت مني، وأن أرى كل الأسرى خارج الزنازين. الحرّية ليست لي وحدي، بل لكل من ينتظر خلف القضبان، فقضيتنا واحدة، ومصيرُنا واحد، ولن يتحقق النصر إلا بوحدتنا".
وبصفته أحد أبناء حركة فتح، يوجّه الشرباتي رسالة مباشرة إلى السلطة الفلسطينية، داعياً إلى ترتيب البيت الداخلي للحركة بوصفها الركيزة الأولى للنظام السياسي الفلسطيني، وإذا صلحت، صلح البيت الفلسطيني كله، مشدّداً على أن "ترتيب أوراق الحركة هو المدخل للمصالحة الوطنية الشاملة، ولمواجهة التحدّيات المقبلة في ظل التحوّلات الكبيرة في المنطقة".
ويكشف الشرباتي عن محاولات ممنهجة في السجون الإسرائيلية لاستهداف رموز الحركة الأسيرة، وفي مقدمتهم القيادي مروان البرغوثي، ويروي أن وزير الأمن المتطرّف إيتمار بن غفير ظهر في مقطع مصوّر في أثناء زيارته زنزانة البرغوثي، واتخذ أسلوباً استعراضيّاً في مخاطبته، بينما مُنع ظهور صوت القائد مروان في المقطع.
ويقول: "رد أبو القسام بكبرياء على بن غفير، مؤكداً أن الفلسطينيين لم يولدوا عبيداً، وأنهم ليسوا قتلة أطفال، وسيستمرون في النضال حتى التحرر وإقامة دولتهم. ما أفسد مشهد الاستعراض، وجعلهم يقررون قطع ما قاله من ردّ".
ويصر الأسير المحرّر على أنّ السجن لم ينل من عزيمته، وأنه غير نادم على المقاومة، ويقول: "لو عاد بي الزمن لما تراجعت عن خيار المقاومة. سنظل مقاومين حتى يوم الدين. مشاعري حالياً مختلطة، ولا أدري هل أفرح بالحرية، أم أحزن على فراق الرفاق وتركهم خلفنا في الأسر. قطعتُ على نفسي عهداً أن لا أنساهم، وأن أعمل على تخفيف معاناتهم، ولن أخذلهم أبداً، وعلى الكل الفلسطيني بدء ثورة تصحيح تختفي فيها تكون الخلافات تماماً".

أخبار ذات صلة.

إسرائيل تتعرف على هوية جثة رهينة إضافية
الشرق الأوسط
منذ 9 دقائق