
عربي
شكّل الدور الكبير الذي لعبته روسيا في سورية طوال السنوات الثمانين الماضية عموماً، ودورها السلبي خلال فترة الثورة السورية خصوصاً، أدوات تحكّم روسية في الكثير من القطاعات السورية، التي تُمكّن موسكو من تغيير الكثير من المعطيات على الأرض لصالح الحكومة السورية الانتقالية، أو ضدها، وذلك وفقاً لشكل العلاقة بين الطرفين. هذا الأمر دفع الإدارة السورية للتقارب مع روسيا ليتوّج ذلك بلقاء القمة بين الرئيسين السوري أحمد الشرع والروسي فلاديمير بوتين، مستفيدة من رغبة الروس في الحفاظ على موطئ قدم لهم في سورية، رغم كل المجازر التي ارتكبوها بحق السوريين والدمار الذي خلّفه الطيران الروسي خلال دعمه نظام بشار الأسد.
وتسعى الإدارة السورية من خلال التقارب مع موسكو لتثبيت الأمن الداخلي والحفاظ على وحدة الأراضي السورية بالدرجة الأولى، وذلك بسبب إدراكها حجم أدوات التحكّم التي يتمتع بها الروس في سورية. ففي منطقة الساحل السوري يستطيع الروس من خلال علاقاتهم بضباط نظام الأسد أن يحركوا أو يساعدوا على لجم أي تحرك لفلول النظام السابق، وكذلك الأمر في الجنوب السوري، حيث يتمتع الروس بعلاقات جيدة مع فصائل درعا والقنيطرة التي كانت تقاتل ضد الأسد كون موسكو دخلت وسيطاً في عمليات مصالحة واتبعت هذه الفصائل لها من خلال ما سمي اللواء الثامن. وكذلك الأمر في السويداء، فللروس علاقات جيدة مع المرجعيات الدينية فيها، إلا أن الأهم في موضوع الجنوب بالنسبة للحكومة السورية هو كسب الروس في موضوع التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي من أجل خلق حالة توازن مع الموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل.
وفي شرق سورية تمتلك روسيا علاقات جيدة مع معظم قيادات "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، كما تمتلك قاعدة عسكرية في مدينة القامشلي، ما يخوّلها لعب دور مهم لصالح الحكومة السورية في مفاوضاتها مع "قسد" في حال توافقها مع موسكو. كما أن التقارب مع موسكو ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن يضمن التصويت لصالحها أو على الأقل عدم استخدام حق النقض "الفيتو" حيال القرارات المصيرية التي تخص سورية. وإلى جانب الحفاظ على الأمن الداخلي ووحدة الأراضي السورية، هناك مصالح اقتصادية تتعلق ببعض القطاعات التي اعتمدت سابقاً على التكنولوجيا الروسية ويحتاج استمرارها إلى تفعيل اتفاقيات سابقة مع روسيا، بالإضافة إلى موضوع تسليح الجيش السوري الذي اعتمد لعقود سابقة على السلاح الروسي الصنع.
كل هذه الأسباب تجعل من زيارة الشرع إلى موسكو زيارة ضرورة، بعيداً عن موضوع تسليم بشار الأسد وأعوانه وعن المساهمة في تحقيق العدالة الانتقالية، وبعيداً عن الجوانب الإنسانية كالمطالبة باعتذار عما بدر من موسكو من انتهاكات في سورية خلال الفترة السابقة.

أخبار ذات صلة.

صحافة أوروبا بين نار المافيا وضغوط السياسة
العربي الجديد
منذ 41 دقيقة