
عربي
أظهرت إجراءات حكومية متتابعة، كان آخرها ما ورد في قانون الموازنة العامة لعام 2026، أن هدر الغاز في السوق الداخلية الجزائرية تحول إلى وجع رأس حقيقي للسلطات، بعد أن بات يهدد صادرات البلاد من الغاز، أحد أعمدة اقتصادها الرئيسة. وتعد الجزائر بلداً غازيّاً بامتياز، إذ تمتلك احتياطات مؤكدة من الغاز التقليدي تقدر بنحو 4500 مليار متر مكعب، ما يضعها في المرتبة العاشرة عالمياً والرابعة عربياً، بينما تصل احتياطاتها من الغاز الصخري إلى 20 ألف مليار متر مكعب، لتصنفها الوكالة الدولية للطاقة الثالثة عالمياً بعد الصين والأرجنتين. ويستهلك أكثر من 95% من الغاز الجزائري لإنتاج الكهرباء، رغم أن الطاقة الإنتاجية اليومية (28 ألف ميغاواط) تفوق ذروة الطلب (20 ألف ميغاواط)، ما يعكس حجم الهدر في الاستخدام المحلي للطاقة.
تحرك حكومي
في قانون الموازنة العامة الجزائري للسنة المقبلة، وردت تدابير جديدة تضمنتها أربع مواد في هذا النص، تهدف إلى دفع قطاع الطاقات المتجددة، خصوصاً الشمسية والهيدروجين. وجاء في المادة 99 من مشروع قانون المالية الجزائري لسنة 2026، أن نفقات الشركات المخصصة للاستثمارات المتعلقة بتطوير الهيدروجين وعمليات التشجير وإعادة تشجير الغابات، وكذا مشاريع إنتاج الطاقات المتجددة وتثمينها، تكون قابلة للاقتطاع من النتائج المالية الخاضعة للضريبة. وبررت الحكومة هذا الإجراء بتشجيع الشركات على الاستثمار في هذه الأنشطة من خلال المزايا الجبائية التي سيتم منحها، والمتمثلة في إمكانية اقتطاع النفقات المخصصة في إطار أداء تلك الأنشطة، المقدرة بـ5% من الربح الخاضع للضريبة من السنة المعنية. أما المادة 126 من المشروع فنصّت على أن استيراد سخّانات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية ذات الاستعمال المنزلي، يصبح خاضعاً لرسوم جمركية نسبتها 15% بدلاً من 30% المطبّقة عليها حالياً، أي إنها تُخفّض بواقع 50%.
وفي عرض أسباب إدراج هذه المادة، ورد في المشروع أن سخّان المياه الذي يعمل بالطاقة الشمسية يستخدم أساساً لإنتاج الماء الساخن الصحي، فهو يستعمل الطاقة الشمسية المتجددة بدلاً من الغاز الطبيعي، مما يساهم في التقليل من التبعية للطاقة الأحفورية والتقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وبحسب الحكومة الجزائرية، فإن سخانات المياه الشمسية لا يتم تصنيعها محلياً في الوقت الراهن بسبب انخفاض الطلب عليها في السوق، حيث لا تزال الأجهزة الأخرى التي تعمل عموماً بالغاز الطبيعي أكثر تنافسية نظراً إلى التسعيرة المدعّمة للغاز الطبيعي. وشددت الحكومة الجزائرية في عرضها لأسباب هذا التعديل على أنها تهدف إلى تقليل كميات الغاز الطبيعي التي تستهلكها الأسر، حيث سيتم العمل على ترقية استخدام سخّانات المياه الشمسية في إطار البرنامج الوطني للتحكم في الطاقة. وبحسب الوثيقة نفسها، تهدف السلطات إلى تجهيز أكثر من 100 ألف منزل فردي على الأقل بسخان شمسي بحلول العام 2035، مما سيساهم في خفض الاستهلاك التراكمي للغاز الطبيعي من قبل الأسر بـ135 مليون متر مكعب، أي ما يعادل 5 مليارات دينار (39 مليون دولار).
واعتبر قانون الموازنة أن استيراد 100 ألف سخان مياه شمسي على الأقل مع تطبيق معدّل منخفض للرسوم الجمركية بـ15% بدلاً من 30% المطبقة حالياً، سيقلل من سعر اقتناء هذه الأجهزة بشكل ملحوظ وسيجعل تركيبها أكثر انتشاراً، ولا سيما من طرف الأسر. وتضمنت المادتان 127 و128 إجراءات تتعلق بإعفاء استيراد أجهزة التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين من الحقوق الجمركية بالكامل. أما المادة 128 فتضمنت إخضاع كل المكوّنات التي تدخل في صناعة الألواح الشمسية للمعدل المخفّض للحقوق الجمركية عند الاستيراد، والمقدّر بـ5% فقط.
رؤية واقعية
يقول بوخالفة يايسي، رئيس تجمع الطاقات الخضراء الجزائري، وهو تنظيم مستقل، إن "تحليل المواد الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2026 يظهر أن السلطات قامت بجهد واضح من أجل ترقية الطاقات المتجددة في البلاد"، موضحاً أنّ المشروع قد تضمّن أربع مواد (99، 126، 127 و128) مخصّصة لدعم الطاقات المتجددة والهيدروجين. يضيف خبير الطاقات المتجددة، بوخالفة يايسي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المادتين 127 و128 سيكون لهما أثر مباشر على القطاع الصناعي من خلال تخفيض الرسوم الجمركية على الألواح الشمسية الكهروضوئية والإعفاء من الحقوق الجمركية بالنسبة لأجهزة التحليل الكهربائي، في حين تستهدف المادتان 99 و126 تنشيط سوق الطاقات المتجددة عبر اعتماد تخفيض بنسبة 50% من الحقوق الجمركية على السخانات الشمسية ومنح ائتمانٍ ضريبي أقصاه 5%". يشير يايسي إلى أن "هذه المواد تعبّر عن رؤية فنية واقعية، لأنها تركز على إجراءات قابلة للتطبيق فوراً في الميدان، وتستجيب لحاجات الصناعة والسوق معًا، بعيدًا عن الطروحات النظرية أو المشاريع المؤجلة".
يعتبر الخبير أن "مشروع قانون المالية لسنة 2026 يمكن أن يدفع قدماً قطاع الطاقات المتجددة في الجزائر، إذ يطلق مساراً إيجابياً نحو انتقال طاقوي مقترن بإزالة الكربون من الاقتصاد الوطني". ويوضح الخبير الطاقوي يايسي، في هذا السياق، أن مشروع قانون المالية الجديد سيسمح بتوفير إمكانياتٍ هامة للشركات الوطنية من أجل الاستثمار في مشاريع الطاقات المتجددة، كلٌّ بحسب قدراتها وإمكاناتها التقنية والمالية، كما يفتح المجال أمام المتعاملين الخواص والمؤسسات الصناعية لدخول هذا السوق الواعد والمشاركة في جهود التحول الطاقوي.
وأضاف أن كل واحد غيغاواط من الكهرباء المنتجة من مصادر شمسية يُدمج في الشبكة الوطنية، يمكن أن يوفر للبلاد ما بين 500 إلى 600 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً، وهي كميات كانت تُستهلك لإنتاج الكهرباء بالاعتماد على حرق الغاز الطبيعي. وختم يايسي تصريحه بتأكيد أن استثمار الجزائر في الطاقات المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية، يمثل فرصة استراتيجية لتوفير كميات معتبرة من الغاز الطبيعي سنوياً، سواء لتلبية احتياجات السوق الداخلية، ولا سيما القطاع الصناعي، أو لتوجيهها نحو التصدير الخارجي دعماً للاقتصاد الوطني.
إجراءات سابقة
وعلى مدار الأشهر الماضية، توالت تدابير حكومية جزائرية تهدف إلى تقليل هدر الكهرباء في السوق الداخلية، استهدفت الأسر وحتى الشركات. في هذا السياق، سبق للوكالة الحكومية لتطوير استخدام الطاقة وترشيدها أن بادرت بتقديم مساعدات مالية للأسر تُقدّر بـ50 ألف دينار (ما يقارب 400 دولار) لتغيير مكيفات الهواء القديمة بأخرى جديدة توفّر استهلاك الكهرباء. كما أطلقت الوكالة أيضًا برنامجًا يستهدف الشركات العامة والخاصة بدعمٍ مالي قدره 225 ألف دينار (ما يقارب 1800 دولار)، لاستعمال طلاءات عاكسة على أسطح المباني الخدماتية والإدارية، لزيادة العزل الحراري وتقليل هدر الكهرباء في التكييف والغاز في التدفئة، إضافة إلى مبادرةٍ سابقة أيضاً للسخانات الشمسية الموجهة للأسر بمساعدة مالية تُقدّر بنحو 500 دولار. كما أطلقت السلطات برنامجاً لتزويد المدارس الابتدائية في عموم البلاد والمساجد أيضاً بأنظمةٍ للطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء، والاستغناء عن شبكة الكهرباء الحكومية لشركة سونلغاز.
تهديد للصادرات
أظهرت بيانات رسمية لوزارة الطاقة أن الاستهلاك الداخلي للغاز عرف، على مدار السنوات العشر الأخيرة، نمواً من 5% إلى 7% سنوياً، مع استهلاكٍ بلغ نحو 40 مليار متر مكعب قبل عشر سنوات. ويشير تقرير الطاقة لسنة 2023 لوزارة الطاقة والمناجم (حالياً أصبحت وزارة المحروقات)، إلى حالةٍ من التساوي بين صادرات البلاد الغازية وما تستهلكه داخلياً، بأكثر من 52 مليار متر مكعب. وينتشر استهلاك الغاز محلياً في الجزائر بشكلٍ كبير، خصوصاً في التدفئة المنزلية بالنظر إلى سعره الزهيد المدعوم من طرف الدولة. وتنتج البلاد حالياً ما يفوق 140 مليار متر مكعب من الغاز، وتعيد ضخ أكثر من 35 مليار متر مكعب في الآبار لتحسين الاسترجاع والحفاظ على مستويات الإنتاج.
ومنذ سنوات تواجه الصادرات الجزائرية من الغاز عقباتٍ في زيادة حجمها، بالنظر إلى شيخوخة الحقول الكبرى، خصوصاً حقل حاسي الرمل الذي يُعد الأكبر في أفريقيا، رغم مساعي شركة النفط الوطنية "سوناطراك" لزيادة إنتاجيته بمشاريع وتقنيات جديدة على غرار مشروع "بوستينغ" فضلاً عن تأخر الاستثمارات على مدار العقد الماضي. وسبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن وجّه بضرورة بلوغ صادرات غاز بـ100 مليار متر مكعب، وبإنتاج لا يقل عن 200 مليار متر مكعب. وينتظر أن تدعم الجزائر إنتاجها بـ3 آلاف ميغاواط من الكهرباء تُضخ في الشبكة الوطنية بفضل 20 محطة شمسية كهروضوئية يجري تنفيذها حالياً، اثنتان منها تدخلان مرحلة العمل قبل نهاية العام الجاري بطاقة 200 ميغاواط لكل منهما.

أخبار ذات صلة.

إسرائيل تتعرف على هوية جثة رهينة إضافية
الشرق الأوسط
منذ 4 دقائق