آلان دي بينوا و"تقديس" حقوق الإنسان
Arab
2 days ago
share
منذ نهاية القرن الثامن عشر، ارتبطت حقوق الإنسان بفكرة التنوير، لتصبح اليوم إطاراً أيديولوجياً يفرض نفسه على حياة الدول والعلاقات الدولية، ويحوّل الحقوق إلى معيار لمساءلة المجتمع الدولي. في هذا السياق، يقدّم الباحث الفرنسي آلان دي بينوا في كتابه "ما وراء حقوق الإنسان.. للدفاع عن الحريات" (أركان للدراسات والأبحاث والنشر، 2025)، بترجمة فادي حنا، قراءة نقدية معمقة لهذه الأيديولوجية، مستعيناً بمجموعةٍ واسعةٍ من المفكرين مثل أنطونيو غرامشي من اليسار، وكارل شميت من اليمين، فضلاً عن تأثيرات مارتن هايدغر وفريدريش نيتشه وأوسفالد شبينغلر، ليضع القارئ مباشرةً أمام التساؤل المحوري: عن أي إنسان نتحدث، وأي حقوق يُقصد بها هذا الإطار النظري؟  تستعرض المقدمة المصادر الفكرية والفلسفية لليمين الجديد عموماً وفكره خصوصاً، ليكشف أن حقوق الإنسان، رغم مكانتها "المقدسة" والمعلنة بوصفها مسلماتٍ بديهيةٍ، تفتقر إلى أساس فلسفي متينٍ. فالحقوق المعلنة لا يمكن تبريرها منطقياً عبر الكرامة الذاتية أو الطبيعة البشرية، واستنادها إلى مبادئ أخلاقية مجردة يجعلها قابلة للتقلب وفق الأيديولوجيات والرؤى الفردية، لا وفق القواعد العقلانية أو الحقائق الموضوعية. حقوقِ الإنسان في سياق تطور القانون وبزوغ الفردية محور الفصل الأول الذي يبيّن كيف أن اعتناق الفردية في مجتمع السوق أدى إلى تجريد الإنسان من إنسانيته، وتحويلِ العلاقات الاجتماعية إلى عقود قانونية وتبادلاتٍ سوقية، في ظل هيمنة مصالح فردية على النسيج الاجتماعي. أما الفصل الثاني، فيتعمق في تناقضات الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان، مضيئاً غياب الإجماع النظري حول مفهوم الطبيعة البشرية، واستحالة استنباط الحقوق من الكرامة الذاتية أو الأخلاقية أو البيولوجية، ما يجعل الحقوق عرضةً لتأويلات متباينة تبعاً للمرجعيات الثقافية والسياسية، ويحوّلها إلى أداة أيديولوجية أكثر من كونها قاعدة قانونية أو أخلاقية ثابتة. ويركز الفصل الثالث على العلاقة بين حقوق الإنسان والتنوع الثقافي، مؤكداً الطابع الغربي لهذه الأيديولوجية، وتناقض عالميتها المزعومة مع التعددية الثقافية، إذ يوضح المؤلف كيف يمكن أن تتحول الحقوق إلى أداةٍ للهيمنة الثقافية والإمبريالية، مهددةً خصوصيات المجتمعات المحلية. رغم مكانة حقوق الإنسان إلا أنها تفتقر إلى أساس فلسفي متين وفي الفصل الرابع، يربط المؤلف بين السياسة والحرية والديمقراطية، موضحاً التناقض بين الحقوق الأخلاقية المفروضة عالمياً والديمقراطية الوطنية القائمة على المشاركة الاجتماعية، فحقوق الإنسان بطبيعتها أطرٌ أخلاقية وليست سياسية، بينما الديمقراطية مذهبٌ سياسي يُلزم المشاركة والمسؤولية، ما يجعل التوافق بينهما غير تلقائي، ويستدعي حلولاً سياسية دقيقة ضمن سياقات المجتمعات المختلفة. يبرز الكتاب أن تقديس حقوق الإنسان وتحوّلها إلى معيارٍ عالمي لمساءلة الدول لم يأتِ لتعزيز الحريات بالضرورة، بل لفرض أطر معيارية على المجتمعات. ويؤكد دي بينوا أن الدفاع عن الحريات لا يمكن أن ينجح بالاعتماد على القانون أو الأخلاق فحسب، بل يجب معالجته سياسياً مع مراعاة التنوع الثقافي والاجتماعي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows