Arab
تتجدد في تونس سنوياً أزمة التصرف بمادة المرجين الناجمة عن عصر الزيتون، وسط انتشار مصبّات عشوائية تنذر بكوارث بيئية تمتد آثارها لسنوات، خصوصاً مع تسرّب المرجين إلى المياه الجوفية بما تحتويه من مواد خطرة.
أذنت السلطات المحلية في محافظة سليانة شمال غربي تونس مؤخراً بفتح تحقيق ضد معاصر الزيتون المتورطة في سكب مادة "المرجين" الناتجة عن عمليات عصر الزيتون، في أحد الأودية المتصل بسد الأخماس، وهو أكبر سدود المنطقة. ودعت إلى تطبيق القانون بحزم ومعاقبة المخالفين، وذلك إثر قيام عدد من أصحاب المعاصر بالتخلص العشوائي من هذه المادة، على الرغم من مخاطرها على البيئة وجودة مياه السد.
والمرجين هي بقايا الزيتون بعد عصره، وهي مادة عضوية غنية بالمواد الغذائية، لكنها تحتوي على مركّبات سامّة (فينولات). ويؤدي التخلص منها بشكل عشوائي إلى حدوث تلوث بيئي خطير، وإلى تدمير التربة والمياه الجوفية.
وأعلنت السلطات أن اللجنة الجهوية لتفادي الكوارث ومجابهتها وتنظيم النجدة في سليانة، شرعت في تنفيذ تدخلات ميدانية، تمثلت بشفط مادة المرجين باستخدام معدات الدفاع المدني، وهو إجراء احتياطي لمنع تسربها إلى السد بفعل مياه السيلان، بالتوازي مع توفير ثلاث آلات لحفر خنادق وإقامة سواتر ترابية على حوزة الوادي، لمنع وصول الشاحنات والجرارات إليه مستقبلاً، مع تكثيف الدوريات الأمنية، خصوصاً الليلية، لردع مثل هذه التجاوزات.
لا تُعدّ حادثة سكب مادة المرجين بمحافظة سليانة، الأولى من نوعها، إذ تتجدد سنوياً أزمة التصرف بفضلات عصر الزيتون، ما ينذر بكوارث بيئية تمتد آثارها لسنوات طويلة. وتُعدّ تونس أكثر الدول المفرزة لنفايات المرجين، بوصفها رابع منتِج للزيتون عالمياً. وتكشف أرقام وردت بدراسة نشرها معهد الزيتونة (حكومي) أن الإنتاج الوطني من مادة المرجين بلغ 800 طنّ في السنة خلال الفترة بين عامَي 1990 و2024. وأظهرت الدراسة ذاتها أن المرجين يُعدّ من النفايات التي تتّسم بقيمة تلويثية عالية، تبلغ في المتوسط كمية الملوثات التي تفرزها مدينة يبلغ عدد سكانها 2,5 مليون نسمة، عن كل يوم عمل. كما ترتفع خطورته داخل المحافظات التي تنتشر فيها المعاصر بأعداد كبيرة في الوسط الحضري، على غرار مدن صفاقس وجرجيس ومنطقة الساحل.
وتعاني تونس نقصَ المنشآتِ والبنية التحتية اللازمة لمعالجة مادة المرجين، مثل محطات المعالجة أو مراكز التحويل، علاوة على ضعف الوعي البيئي بمخاطر المرجين وكيفية التعامل معه، إلى ممارسات عشوائية، مثل التخلص المباشر منه في الطبيعة أو مجاري الأودية.
يقول الخبير البيئي حمدي شبعان إنّ هشاشة أنظمة التصرف في المرجين تهدد صحة الإنسان وسلامة المحيط، مؤكداً أن تأثيرات المرجين على البيئة تتجاوز تأثيرات مياه الصرف الصحي المنزلي، بحسب دراسات علمية. ويرى أن تطور عدد المعاصر وإنتاج الزيت لم يواكبه تطور في طرق التصرف وتدوير نفايات العصر، ما يؤدي إلى زيادة المصبّات العشوائية لمادة المرجين، وتضرر مساحات واسعة جراء مخلفات المعاصر التي تُرمى في الطبيعة من دون أي معالجة، على الرغم من إمكانيات الاستفادة من المرجين المُعالج في استصلاح الأراضي الزراعية.
ويؤكد شبعان أن تدوير مخلفات معاصر الزيتون لا يزال ضعيفاً جداً، على الرغم من وجود أطر تشريعية تنظم هذا النشاط منذ العام 2013، داعياً إلى ابتكار أنظمة تصريف عصرية لمادة المرجين، تفادياً للآثار البيئية المدمّرة لقطاع الزيتون. وقد أظهرت التجارب وجود العديد من الطرق المبتكرة لتثمين المرجين، واستخدام جزء منه أسمدةً ومبيداتٍ حشريةً، عبر رشّه بين أشجار الزيتون بكمية وتركيز محدّدَين، ما يساهم في تحسين جودة زيت الزيتون، بحسب قوله. ويحذّر شبعان من أن "المرجين مادة ملوّثة يمكن أن تمتد آثارها لعشرات السنين، بسبب تركزها الشديد في باطن الأرض، وضعف الإمكانيات اللوجستية للدولة في التعامل مع الإشكاليات البيئية، وهو ما يتطلب إنشاء وحدة وطنية متخصّصة لمراقبة عملية تجميع مادة المرجين، وطريقة تخزينها، وبالتالي ردع المخالفين".
ووفقاً لبيانات رسمية، تُسكب مخلّفات المرجين في 125 مصبّاً موزعاً على كامل الأراضي التونسية، بطاقة استيعابية إجمالية تصل إلى 1.3 مليون متر مكعب، علماً أن 40% من هذه المصبّات تقع في منطقة الجنوب. وتنقسم المصبّات إلى ثلاثة أصناف، وهي مصبّات جماعية مبنية في أراضٍ حكومية، ومصبّات جماعية مبنية فوق أراضٍ خاصة، ومصبّات فردية يتصرف فيها أصحاب المعاصر.
وتُظهر دراسة أنجزتها وزارة البيئة التونسية لإعداد مخطط وطني للتصرف في مادة المرجين، امتدت على ثلاث مراحل بين عامَي 2007 و2013، وشملت 116 مصبّاً موزّعين على كامل محافظات البلاد، أن 53% من هذه المصبّات قائمة فوق طبقات جيولوجية ذات قابلية مرتفعة جداً لتسرّب المرجين إلى المياه الجوفية، وتلويثها، في حين أن 47% من المصبّات أُنشئت فوق طبقات جيولوجية ضعيفة أو متوسطة النفاذ لمادة المرجين إلى المياه الجوفية. وتشير الدراسة ذاتها إلى ضرورة إغلاق 38 مصباً عشوائياً، بسبب عدم مطابقتها للمواصفات وتهديدها للبيئة.
والعام الماضي، أفاد قسم العدالة البيئية والمناخية التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بأنه يتابع منذ انطلاق موسم جني الزيتون كيفية التعامل مع مادة المرجين. وأكد في بيانه حينها أن بعض المصبّات أصبحت تمثّل خطراً على البيئة والصحة، بدءاً من الروائح الكريهة وتلوث الهواء، وصولاً إلى الأضرار الجسيمة التي تسبّبها للتربة والثروة المائية، نتيجة تسرّب مادة المرجين بما تحتويه من مواد مركّزة وخطرة.

Related News
تفجير حمص: «داعش» يتبنَّى... ودمشق تتوعَّد
aawsat
27 minutes ago
انفجارات قوية في العاصمة الأوكرانية كييف إثر هجوم صاروخي
aawsat
31 minutes ago
إسرائيل تعترف بـ«جمهورية أرض الصومال»
aawsat
51 minutes ago