لندن: طوابير مكاتب البريد تظهر كلفة الأعياد على المواطنين والموظفين
Arab
3 days ago
share
في الأيام الأخيرة التي تسبق عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة، تتحول زيارة مكاتب البريد البريطانية في لندن إلى تجربة مرهقة لكثير من المواطنين. طوابير طويلة تمتد داخل الفروع، وزمن انتظار قد يتجاوز نصف ساعة، بينما لا يوجد خلف النوافذ سوى موظف واحد أو اثنين لإدارة طيف واسع من الخدمات من إرسال الطرود إلى المعاملات المالية. مشهد بات مألوفاً في ذروة موسم العطلات، بيد أنّه هذا العام يبدو أكثر حدّة، إذ يكشف فجوة متزايدة بين حجم الطلب والقدرة التشغيلية المتاحة. لا يمرّ ازدحام الطوابير بصمت، بل هناك تذمّر مسموع ونظرات قلق وأشخاص يراقبون الوقت خشية ضياعه. بعض الزوار يغادرون قبل إنجاز معاملاتهم، فيما يحاول آخرون التكيّف مع الانتظار الطويل. هذا الضغط اليومي لا يعكس مجرد طوابير انتظار عابرة، بل واقعاً تشغيلياً بات يؤثر مباشرةً على تجربة المستخدمين داخل الفروع. يزداد المشهد تعقيداً حين تتعطل الأجهزة داخل مكاتب البريد، سواء أنظمة الدفع أو الطباعة أو أجهزة الخدمة الذاتية، ما يؤدي أحياناً إلى توقف نافذة كاملة عن العمل. كل عطل تقني وإن بدا محدوداً، يضاعف زمن الانتظار ويعيد ترتيب الطابور ما يزيد من حالة التوتر، خصوصاً في موسم ترتفع فيه وتيرة إرسال الطرود والمعاملات المرتبطة بالسفر والأعياد. أربعة أضعاف العمل في السياق، يقول دانيال وهو ساعي بريد تحدث لـ"العربي الجديد"، إنّ موسم الأعياد يفرض ضغطاً غير مسبوق على العاملين في توزيع الطرود، مشيراً إلى أن حجم العمل يرتفع إلى نحو أربعة أضعاف مقارنة بالأشهر العادية. ويوضح أن كثرة الطرود تدفع الإدارة إلى الاستعانة بمساعدين إضافيين، فيما يختار بعض العاملين العمل خلال هذه الفترة بسبب الإكراميات التي يحصلون عليها من الزبائن. ويضيف أن عقود العمل الأساسية للموظفين تقتصر على ست ساعات يومياً منذ نحو خمس سنوات، في سياسة وصفها بأنها مقصودة، موضحاً أن ساعات العمل الإضافية حتى سقف 40 ساعة أسبوعياً تُحتسب بالأجر نفسه للساعة العادية، على أن يبدأ احتساب أجر أعلى فقط عند تجاوز هذا الحد. وبحسب قوله، تقتصر أيام العطلة الرسمية خلال فترة الأعياد على يومَي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من ديسمبر/كانون الأوّل. ويكتسب هذا المشهد بعداً إضافياً في ضوء ما كشفه ساعي بريد عن اعتماد عقود عمل لا تتجاوز ست ساعات يومياً، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كانت محدودية الكوادر داخل الفروع تعكس خيارات إدارية تتعلق بإدارة الكلفة، أكثر مما هي استجابة ظرفية لضغط موسمي. الأرقام تتحدث: تراجع رسمي في جودة خدمات البريد تضع البيانات الرسمية هذا الواقع في سياقه الزمني الأوسع. إذ تظهر أرقام هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية تراجعاً في جودة خدمات البريد خلال العام المالي 2024–2025، فلم تُسلَّم سوى نحو 77% من الرسائل ذات الأولوية في يوم العمل التالي، مقارنة بهدف يبلغ 93%، كما انخفضت نسبة استكمال جولات التوزيع اليومية إلى أقل من 88% وهو مستوى أدنى بكثير من المعايير المفروضة. هذا التراجع يبدو أكثر وضوحاً عند مقارنته بالسنوات السابقة. قبل جائحة كورونا، ولا سيّما في عامَي 2018 و2019، حين كانت نسب الالتزام بمواعيد التسليم أعلى بكثير، واقتربت في بعض الفترات من تحقيق الأهداف التنظيمية بالكامل. حتى خلال عام 2021، ورغم الاضطرابات الواسعة، ظل الأداء أفضل من المستويات المسجلة حالياً. غير أن السنوات الأخيرة شهدت انخفاضاً تدريجياً، بات يظهر بوضوح خلال مواسم الذروة، حين تُختبر قدرة الخدمة على تلبية الطلب المرتفع. تشير بيانات البرلمان البريطاني إلى أن شبكة مكاتب البريد تضمّ نحو 11,638 فرعاً في أنحاء البلاد، معظمها يُدار عبر وكلاء مستقلين ما يجعل تعزيز أعداد الموظفين أو تحديث البنية التقنية خلال فترات الضغط تحدياً عملياً ومالياً. ومع اتساع الاعتماد على هذه الفروع لتقديم خدمات مالية وإدارية إضافية، يتضاعف العبء على الموارد المتاحة داخلها. وعد بالبقاء في المقابل، تؤكد إدارة مكاتب البريد التزامها بالحفاظ على حضورها في الشوارع التجارية البريطانية، وتعلن الحفاظ على شبكة تضم ما يقرب من 11,500 فرع جزءاً من خطتها الاستراتيجية لتوفير الخدمات الأساسية للمجتمعات المحلية، ولا سيّما في وقت تتراجع فيه خدمات أخرى مثل فروع المصارف والمتاجر. تصريحات حديثة للرئيس التنفيذي لمكاتب البريد، نيل بروكلهيرست، تشدّد على أن شبكة الفروع، "لن تذهب إلى أي مكان"، معتبراً أن مكاتب البريد باتت تشكل شرياناً حيوياً للمجتمعات المحلية، ولا سيّما مع إغلاق آلاف من فروع المصارف والمتاجر خلال السنوات الأخيرة. وتأتي هذه التصريحات في سياق أوسع من التحولات في الخدمات المالية. فمنذ عام 2015، أُغلق نحو 6,500 فرع مصرفي في مختلف أنحاء المملكة المتحدة، في حين لا يزال نحو 2.6 مليون بالغ يعتمدون على النقد في معظم تعاملاتهم اليومية. ووفق بيانات حديثة، ارتفع حجم عمليات الإيداع والسحب المنفذة عبر نوافذ مكاتب البريد بنسبة 18% منذ عام 2019، بينما ارتفعت القيمة الإجمالية لهذه العمليات بنسبة 43%، لتتجاوز 42.5 مليار جنيه إسترليني. وتزامن ذلك مع بدء عقد جديد لمدة خمس سنوات بين مكاتب البريد وهيئة الوصول إلى النقد، يهدف إلى توسيع خدمات المصارف عبر الفروع البريدية، في إطار خطة حكومية لزيادة عدد مراكز الخدمات المصرفية من 200 إلى 350 مركزاً بحلول نهاية الدورة البرلمانية الحالية. وفي هذا السياق، افتُتح مؤخراً المركز المصرفي رقم 200 في بلدة بيليريكاي بمقاطعة إسيكس، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لسدّ الفراغ الذي خلّفه انسحاب المصارف التقليدية من الشوارع التجارية. غير أن هذا التوسع في الأدوار والخدمات، بحسب مراقبين، يضيف ضغطاً إضافياً على فروع تعاني أصلاً من نقص الكوادر وتعطل الأجهزة، ما يفسر التناقض القائم بين الوعود الرسمية بتعزيز دور مكاتب البريد والتجربة اليومية للمواطنين داخل الفروع المزدحمة. ويبقى كبار السن، الفئة الأكثر تأثراً بهذا الواقع. الوقوف لفترات طويلة يشكل عبئاً جسدياً واضحاً على من يعانون مشكلات صحية أو صعوبات في الحركة، في ظل محدودية أماكن الجلوس وغياب مسارات أولوية في عدد من الفروع. وبالتالي يدفع هؤلاء ثمن هذا التراجع على أرض الواقع، باعتبارهم من أكثر الفئات اعتماداً على الخدمات البريدية التقليدية. ومع اقتراب الأعياد، تبرز الحاجة إلى إجراءات تشغيلية تراعي واقعهم، سواء عبر تعزيز الكوادر خلال فترات الذروة أو تحسين جاهزية الفروع، لضمان ألّا يتحول الازدحام إلى عائق دائم أمام الحصول على خدمة عامة أساسية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows