الجوع في غزة... سوء التغذية ينخر أجساد آلاف الأطفال
Arab
5 days ago
share
دخل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيّز التنفيذ قبل أكثر من 70 يوماً، إلا أن الاحتلال يكرر خروقه قتلاً وتجويعاً، ويتعنت في إدخال الأغذية الأساسية والأدوية، ويواصل إغلاق المعابر. تهدّد الأمراض الناجمة عن سوء التغذية الأطفال في قطاع غزة الذين عاشوا ويلات العدوان الإسرائيلي على مدار عامين متواصلين، ما ينذر بإزهاق المزيد من الأرواح بفعل الحصار المُطبق الذي تفرضه سلطات الاحتلال على القطاع، بعد مرور أكثر من شهرين على اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وانتهج الاحتلال سياسة إغراق أسواق غزة بالسلع غير الأساسية والكماليات، بينما امتنع عن إدخال الأغذية الأساسية التي تحتوي على الفيتامينات والبروتينات، ما تسبب في ازدياد أعداد الإصابات بأمراض سوء التغذية بين الأطفال، خصوصاً من الفئة العمرية دون 5 سنوات. ويزيد الانهيار شبه الكامل للمنظومة الصحية المخاطر على حياة هؤلاء. وأعلنت لجنة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعومة من الأمم المتحدة، الجمعة، أنّ المجاعة في قطاع غزة انتهت، غير أنّ الوضع ما زال حرجاً، ولا سيّما أنّ السواد الأعظم من سكانه ما زال يواجه مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي وسط ظروف كارثية، وحذّرت اللجنة من خطر مجاعة مستجدّة في القطاع المنكوب، في حال استئناف الحرب ووقف إدخال المساعدات، الأمر الذي ما زال يمثّل تحدياً كبيراً. وأفادت منظومة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" بتسجيل نحو تسعة آلاف و300 حالة سوء تغذية حاد بين الأطفال دون سن الخامسة في غزة خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، محذرةً من تفاقم الوضع الإنساني مع دخول فصل الشتاء وشحّ المواد الغذائية. وقالت المنظمة الأممية في وقت سابق، إن مستويات سوء التغذية المرتفعة "تعرّض حياة الأطفال للخطر"، مشيرةً إلى أن الشتاء يزيد مخاطر الأمراض ونسب الوفيات لدى الفئات الأكثر ضعفاً، وأن فحوص التغذية أظهرت ارتفاعاً حاداً في حالات العجز الغذائي في ظل نقص المواد الأساسية وارتفاع أسعار الأغذية الحيوانية المصدر، ما يجعلها خارج متناول غالبية سكان القطاع. يمنع الاحتلال إدخال الأغذية التي تضم الفيتامينات والبروتينات، ومستويات سوء التغذية المرتفعة تعرّض حياة أطفال غزة للخطر على أحد أسرّة قسم سوء التغذية في مستشفى الرنتيسي للأطفال في مدينة غزة، يرقد الطفل زين الدين هاني قزعاط (3 سنوات) يتصل بيده اليُمنى أنبوب وريدي "كانيولة"، وقد بدت ملامح النحول واضحة على جسده الصغير بفعل الأعراض الناجمة عن سوء التغذية، وتجلس والدته إلى جانب سريره تتحسس رأسه بين الفينة والأخرى لمتابعة درجة حرارته التي تنخفض لوقت قصير ثم تعاود الارتفاع بعد فترة. قبل أكثر من أسبوعين، ظهرت انتفاخات جلدية على جسد زين الدين، وتقول والدته صديقة قزعاط بصوت يمتزج بالأسى لـ"العربي الجديد": "توجهت به حينها إلى مستشفى أصدقاء المريض للاطمئنان على حالته، وكان تشخيص الأطباء للحالة أنه يُعاني من نقص في البروتينات، وقرروا تحويله على قسم سوء التغذية في مستشفى الرنتيسي للأطفال. بعد إجراء الفحوص اللازمة تبيّن أنه يعاني من سوء تغذية حاد نتيجة نقص البروتينات والفيتامينات والكالسيوم، ما دفع الأطباء إلى إبقاء زين الدين تحت المتابعة. منذ تسعة أيام وهو منوّم في قسم سوء التغذية بهدف إعطائه جرعات علاجية مناسبة تتلاءم مع حالته الصحية المتردية، وبعد أيام قليلة ظهرت على جسده التقرحات الجلدية". وتبيّن أن الأطباء أوصوها بضرورة إطعام زين الدين أغذية صحية خالية من المواد الحافظة، مثل الدواجن واللحوم والأسماك والخضراوات. وتقول: "لا أستطيع شراءها بسبب ارتفاع أسعارها وتردي حالتنا المعيشية. يُضاف إلى ذلك الحليب العلاجي والأدوية التي يتلقاها، فالحليب العلاجي الذي يتوفر في المستشفى لا يتوفر في الصيدليات". إلى جانب زين الدين، يرقد الرضيع معين محمد المصري (8 أشهر)، وتقول والدته إيناس المصري لـ"العربي الجديد": "ظهرت على ابني أعراض مرضية عدة، أبرزها السخونة الشديدة والتهابات الصدر، إضافة إلى أعراض أخرى، وتوجهت به إلى مستشفى الرنتيسي، وكان تشخيص الأطباء أنه يعاني من سوء تغذية، وقرروا له المبيت في القسم. كان وزن طفلي لا يزيد عن ستة كيلوغرامات، ولا يستفيد من الطعام الذي يتناوله، لذا قرر الأطباء له حليباً علاجياً خاصّاً يحتوي على الفيتامينات، وحالته الصحية تتحسن حالياً بشكل طفيف، لكنه يحتاج إلى تغذية خاصة، مثل الفواكه والقرع والجزر، ولا أستطيع توفيرها بسبب تردي الحالة المعيشية لزوجي. نناشد كل الضمائر الحية دعم أطفال غزة الذين يتجرعون ويلات الحصار الإسرائيلي المطبق، والذي يمنع إدخال المكملات الغذائية والحليب والأغذية المخصصة للأطفال". لم تكن الطفلة سوزان أيمن فرج (سنتان) أفضل حظاً من سابقيها، فهي تعاني من أزمات صحية عدّة منذ الولادة، تفاقمت مع مرور الأيام، وتقول والدتها أمل عوض: "تظهر على سوزان أعراض عدّة أبرزها السخونة والإسهال وهزلان الجسد بشكل عام، وتوجهت إلى مستشفى الرنتيسي، وتم إجراء الفحوص اللازمة لها، فتبيّن أنها تعاني من سوء تغذية حاد". وتوضح لـ "العربي الجديد"، أن طفلتها تتواجد في قسم مبيت سوء التغذية منذ أكثر من ثمانية أيام، وقبل الإصابة كان وزنها عشرة كيلوغرامات، وبسبب سوء التغذية خسرت أربعة كيلوغرام، وأصبح وزنها ستة كيلوغرامات فقط. وتتابع: "هناك تحسن طفيف في حالتها الصحية كونها تتناول الحليب العلاجي وبعض المكملات الغذائية أخيراً، لكنها ستحتاج لاحقاً إلى اللحوم الطازجة، وخصوصاً الحمراء منها، ولا يستطيع زوجي شراءها بسبب تردي أوضاعنا المعيشية". من جهتها، تُخبر أريج القفند والدة الطفلة راضية القنفد (تسعة أشهر) أن طفلتها تعاني منذ الولادة من أزمات صحية متراكمة، وفقدت البصر في عينها اليسرى، وتعرضت لضعف كبير في جسدها نتيجة الإصابة بسوء التغذية. وتذكر أريج لـ"العربي الجديد" أن الأطباء قرروا ضرورة تنويم طفلتها داخل القسم من أجل متابعة حالتها بعدما ظهرت عليها أعراض أمراض سوء التغذية، وهي تحتاج إلى تناول اللحوم الحمراء والفواكه، كما تحتاج إلى الأسماك والبيض، وكلها غير متوفرة، أو أسعارها باهظة. من جانبه، يحذر رئيس قسم التغذية في مستشفى الرنتيسي للأطفال، الطبيب أحمد بصل، من الارتفاع المتواصل في حالات سوء التغذية الحاد بين أطفال قطاع غزة، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "الوضع لا يزال خطيراً رغم مرور فترة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار".  ويوضح بصل أن "سوء التغذية الحاد يعني فقدان الطفل ما بين 60 إلى 80% من وزن جسمه، ما يسبب تدهوراً حاداً في وظائف الأعضاء، وتشمل الأعراض ظهور الماء تحت الجلد، وتساقط الشعر، وضمور الدماغ، وصغر حجم الرأس، وفشل عضلة القلب في ضخ الدم الكافي، كما يؤدي سوء التغذية إلى تراجع وظائف الكبد والكلى، وضعف المناعة، والإصابة بالإسهال والالتهابات المتكررة وانتفاخ الأطراف". ويبيّن الطبيب الفلسطيني أن أخطر تداعيات سوء التغذية يتمثل في التأخر العقلي والإدراكي وتأخر النمو، مشيراً إلى أن بعض الوفيات الأخيرة بين الأطفال كانت نتيجة تجمع السوائل تحت الجلد وتلف الكبد. وحول أعداد الحالات اليومية، يؤكد أن قسم سوء التغذية في مستشفى الرنتيسي يستقبل ما بين 5 إلى 10 حالات جديدة يومياً، بينما يبلغ معدل المبيت الشهري نحو 30 حالة، ما يعكس استمرار تفاقم الأزمة الصحية. ويشدد بصل على أن "الأساسيات الغذائية لم تدخل القطاع، والأسواق امتلأت بالكماليات مثل المشروبات الغازية والشوكولاتة، فيما غابت البروتينات الحيوية كاللحوم والدواجن والبيض، إضافة إلى نقص حاد في الحليب والمكملات الغذائية اللازمة للأطفال. بعض الشحنات التي دخلت كانت فاسدة أو غير صالحة للاستهلاك أيضاً. الفئات الأكثر عرضة لسوء التغذية تتراوح أعمارها بين بضعة أشهر وسنوات عدة، ومعظم الحالات التي تأتي إلى المستشفى تنتمي إلى العائلات الفقيرة". ويتابع: "أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية شملت طيلة فترة الحرب التي استمرت لعامين، ولا يزال الوضع متواصلاً رغم ما يُسمى اتفاق التهدئة، وأعداد المصابين ليست قليلة. ندعو إلى إدخال الأغذية الأساسية بدلاً من الكماليات، ونطالب المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لدعم أطفال غزة الذين يعيشون في بيئة غير صالحة للحياة، بلا بنية تحتية أو كهرباء، مع ضرورة الفصل بين الاعتبارات السياسية والاحتياجات الصحية العاجلة للأطفال".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows