Arab
أثار الحديث عن وثيقة تتضمن اتفاقاً تونسياً جزائرياً جدلاً واسعاً في تونس، رغم نفي الرئاسة التونسية صحتها ووصفها بالمفبركة. وتشير الوثيقة إلى تمكين الجيش الجزائري من التدخل لحماية نظام الرئيس قيس سعيّد، والتدخل العسكري لإعادة النظام العام والأمن في تونس في صورة حصول اضطرابات داخلية خطيرة أو تمرد أو محاولة انقلاب، كما تمنع تونس من إبرام أي اتفاق أو شراكة مع أي طرف أجنبي في المجالات الأمنية والعسكرية دون الرجوع إلى الجزائر، وفق نص الوثيقة المفترضة.
ونفى الرئيس التونسي صحة الوثيقة التي تداولتها صفحات التواصل الاجتماعي (فيسبوك) وبعض المنصات الإعلامية في الخارج، والتي تزعم وجود اتفاق بخصوص التعاون في المجال الدفاعي بين الجزائر وتونس، إلى جانب الحديث عن اتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي حول ملف الهجرة. وقال سعيّد، خلال لقائه رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري، الخميس، إن هذه "الوثائق مفتعلة ولا وجود لها إلا في الخيال المريض"، مشيراً إلى أن من قاموا بفبركتها "ما زالوا يتخبطون في غيّهم"، مضيفاً أن "الدولة لا تُدار بالتدوينات، وأن هؤلاء مكشوفون ومفضوحون".
وفي الوقت الذي يشكك فيه كثيرون بمدى صحة هذه الوثيقة، اتهمت عدة أطراف السلطات التونسية بالتفريط في السيادة الوطنية، مطالبة إياها بالرد والكشف عن حقيقة هذه الاتفاقيات. وقال الوزير السابق محمد عبو إن إمضاء اتفاق مشترك للتعاون في مجال الدفاع بين وزارتي الدفاع التونسية والجزائرية هو خبر أعلنته وكالة الأنباء الجزائرية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وتم نشر صور للتوقيع بين وزير الدفاع التونسي ونظيره الجزائري، لكن الوثيقة التي تم تداولها مؤخراً غير موقعة وقد تكون زائفة، مشدداً على أن أي اتفاق بهذا الحجم يجب أن يحظى بموافقة البرلمان التونسي.
من جهته، قال الوزير السابق محمد كورشيد إنه "اطلع على الوثيقة المسربة التي قيل إنها تتعلق بالاتفاقية العسكرية التونسية الجزائرية ليوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهي الاتفاقية التي لم تُنشر إلى الآن رسمياً، ولا أعتقد شخصياً بصحة ما ورد بها لأنها أكثر سوءاً من اتفاق الحماية الفرنسية سنة 1881، ولكننا شاهدنا اتفاقات مخجلة مع الاتحاد الأوروبي في حراسة الحدود". وأضاف أنه في ظل الغموض، لا بد للأصوات الحرة من البرلمانين من توجيه استدعاء لوزير الدفاع والاستماع إليه حول صحة الوثيقة المسربة، ومعرفة ما ورد في الاتفاق الحقيقي، ومعرفة لماذا لم يقع تكذيب رسمي للوثيقة المسربة.
وقال المستشار الأسبق للرئيس السابق منصف المرزوقي، أنور الغربي، إنها أخطر اتفاقية على حرية التونسيين وكرامتهم، خاصة أن مفردات الاتفاقية في اتجاه واحد وبين طرف غالب وطرف تابع. وأضاف: "أجد أن الضمانة الوحيدة للعودة على هذه الاتفاقية وأمثالها من الاتفاقيات المهينة لتونس هو تصويت البرلمان في أواخر مارس/آذار 2022 باعتبار كل إجراءات السلطة باطلة ولا تلزم الدولة التونسية حال عودة مؤسسات الدولة للعمل بشكل طبيعي".
وأكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، عدنان منصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما سُرّب ليس الاتفاقية، بل يبدو أنه مسودة أو مشروع اتفاق، لأنه لا يتضمن توقيعاً أو ختماً، وبالتالي شكلاً لا يمكن أن نطلق عليها تسمية اتفاقية، إنما مسودة سُرّبت وقد تشير إلى وجود مسألة ما، مبيناً أنه لو فرضنا صحتها فيمكن أن تكون مسودة تعطلت لسبب ما أو أنها لا تزال في مرحلة من النقاشات.
وأضاف أن اللقاء بين تونس والجزائر تم في شهر أكتوبر/تشرين الأول، ووُقّعت على إثره اتفاقات تعاون، لكن لا نعرف مضمونها، مشيراً إلى أن الجانب الجزائري سبق وأعلن عن زيارة وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي إلى الجزائر من 6 إلى 8 أكتوبر/تشرين الأول، وأن هناك تعاوناً في عدة مجالات، ولكن لم يتم الحديث عما ورد في الوثيقة.
ولفت إلى أنه رسمياً لم يُعلن عن اتفاق تونسي جزائري، ولم تمر الوثيقة المفترضة على البرلمان، ولم يقع أي تكذيب من تونس أو من الجزائر أو رد على المحتوى المسرب، وبالتالي فإن نقص المعلومات أدى إلى الجدل الحاصل، مؤكداً أن انعدام الشفافية جعل الإشاعة تنتشر، وأن المضمون قد يحتاج إلى تنسيب أو نقاش.
وبيّن أن على السلطات التونسية أن توضح بطريقة لا لبس فيها على ماذا تم الاتفاق تحديداً، مبيناً أن اكتفاء قيس سعيّد مؤخراً بجملة أو بتصريح قصير عن فبركة الاتفاقيات لا يعوض وجود بيان رسمي، سواء يصدر عن رئاسة الجمهورية أو وزارة الدفاع أو الخارجية، للرد على كل ما يقال عن مضمون الاتفاقية. وأشار إلى أن هذه السابقة ليست الأولى، فهناك تسريبات عن اتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول الهجرة، وهي اتفاقية فاعلة، لكن لا أحد يعرف تفاصيلها ولا بنودها، ولم تمر كذلك عبر البرلمان، وبالتالي فإن فكرة حصول اتفاقيات تُطبق مباشرة دون المرور عبر البرلمان وُجدت سابقاً. لكنه شدد على أنه من أجل رفع أي شكوك أو التباس، على السلطة مصارحة الشعب التونسي وإعلام الرأي العام بالاتفاقيات التي توقعها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية، مؤكداً أنه في حال صحة هذه الوثيقة فستكون سابقة في تاريخ تونس.
ويرى الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه لا بد من التعامل مع مثل هذه الوثائق بكل مسؤولية وجدية، بمعنى أن التسريب لا يعني الحسم والجزم في تحليل وقائع سياسية ومسائل مصيرية تهم البلاد والأمن القومي بهذه السهولة، موضحاً أن التعامل يجب أن يكون بكل جدية، وأن الوثائق المسربة تحتاج إلى مزيد من التوضيح.
وأضاف الصغير أن حالة القلق التي سببتها هذه الوثيقة مفهومة، لأنها تعود إلى غياب جهة رسمية يمكن التعامل معها في الدولة، خاصة بعد إيقاف عمل هيئة النفاذ إلى المعلومات، وبعد إجراءات 25 يوليو/تموز 2021، وبالتالي فإن صمت السلطة وكذلك الجهات الرسمية، سواء لنفي صحتها أو إبراز جديتها، يجعل حالة الشك تنتشر رغم نفي رئاسة الجمهورية، لكن ردها المقتضب والمضمن ضمن تصريح آخر لا يُعد رداً مباشراً.
وبيّن الصغير أنه كان لا بد من إعلام التونسيين بفحوى الاتفاقية، سواء المبرمة مع الجزائر أو مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إذ لا يملك التونسيون أي معلومات عن مثل هذه الاتفاقيات، وعادة ما تُسمع أو تُستقى بعض المعلومات عبر تسريبات من هنا وهناك أو من جهات أجنبية أو أوروبية، ما يعزز حالة القلق والخوف لدى التونسيين. ولفت إلى أن هذا الغموض يعزز حالة الشك، معرباً عن أمله في ألا تكون الاتفاقية مع الجزائر صحيحة من وازع وطني، لأن ما تضمنته خطير جداً ويمس الأمن القومي والسيادة الوطنية للبلاد، ولذلك يتوقع أن لا تكون صحيحة.
