Arab
تواصل السلطات الليبية إطلاق مبادرات وإعلانات تؤكد اهتمامها المتنامي بحماية النساء من العنف الرقمي، في وقت يحتفظ فيه مجلس النواب بمشروع قانون مناهضة العنف ضد المرأة داخل أدراجه منذ سنوات، من دون توضيح أسباب تأخير إقراره.
وأعلنت وزارة الدولة لشؤون المرأة في حكومة الوحدة الوطنية، أخيراً، أنها تسلمت من المفوضية الوطنية للانتخابات تقريراً يرصد 85 ألف حالة عنف إلكتروني استهدفت المرشحات للانتخابات البلدية التي أجريت خلال العام الحالي. ورغم إقرارها بـ"صعوبة صحة هذا الرقم"، إلا أن الوزارة اعتبرت أنه يمنح صورة "واضحة وشفافة" لحجم التحدي، وأن العنف الرقمي ضد النساء لم يعد مجرد إساءات عابرة، بل صار "أداة منظمة" لعرقلة مشاركة النساء وإسكات أصواتهنّ.
وأكد بيان الوزارة أن ما تضمنه التقرير يشكل "محطة مفصلية" تكشف حجم الجهد المبذول لحماية المرأة المرشّحة وتمكينها من خوض العمل السياسي بثقة وأمان، مشيراً إلى أن غياب البيانات لسنوات طويلة حجب القدرة على فهم حقيقة الانتهاكات التي تواجهها النساء في الفضاء الرقمي. وكشف أن التقرير بات وثيقة أدخلت قضية المرأة إلى دائرة الحقائق الموثقة، ما يحثّ على أهمية اعتبار حماية المرأة مسؤولية مشتركة بين الجهات الحكومية والمؤسسات الحقوقية والرموز الوطنية ووسائل الإعلام.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة الدولة لشؤون المرأة عزمها على تنظيم مؤتمر دولي في يونيو/ حزيران 2026، لبحث تداعيات "الاستهداف الرقمي الإجرامي للنساء في الفضاء الافتراضي"، في خطوة تدلّ على رغبة حكومية في ترسيخ حضور الملف ضمن الأولويات البحثية والمؤسسية. وتزامن إعلان الوزارة مع فعالية نظمها ديوان مجلس النواب في بنغازي بعنوان "الأمن الرقمي حق وليس امتيازاً". وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نظم المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان التابع لمجلس النواب حواراً موسعاً ناقش خلاله "أشكال الابتزاز الإلكتروني"، وانتهى بتوصيات دعت إلى تطوير التشريعات، ورفع مستوى الوعي الرقمي، وتوفير قنوات آمنة لضحايا العنف الإلكتروني.
وعلى الرغم من هذا الاهتمام، يظل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الإطار التشريعي الفعلي الذي تعتمد عليه الجهات الحكومية، وهو ما تستند إليه الأجهزة الأمنية في ملاحقة جرائم الابتزاز والاختراق والتشهير، بينما يستمر غياب قانون "مناهضة العنف ضد المرأة" المنظور أمام مجلس النواب منذ عام 2018، من دون أي تفسير أو توضيح.
تُرحّب الناشطة الحقوقية، خيرية بركات، بجهود المفوضية العليا للانتخابات في الكشف عمّا تتعرض له النساء الساعيات للانخراط في العمل الانتخابي، مشيدةً باهتمام وزارة الدولة لشؤون المرأة بالتقرير وإصدارها بياناً بشأنه. وتستدرك في حديث خاص لـ"العربي الجديد" بالقول: "إنّ البيان يحصر المشكلة في نطاق المرشحات للانتخابات، لكن ماذا عن المرأة الناشطة والمدوّنة والمحامية وربة المنزل وغيرها؟".
وترى بركات في استناد الوزارة إلى تقرير المفوضية "دلالة على عدم امتلاكها أي قاعدة بيانات أو تصوّر واضح أو حتى مقاربة موضوعية لحجم الانتهاكات التي تتعرض لها النساء، ما يؤكد أن الخطوات المتخذة حتى الآن لا ترقى إلى المستوى المطلوب"، معتبرةً أن ما تعانيه الوزارة يعكس معاناة المؤسسات الرسمية كافة.
وتنتقد الناشطة الحقوقية إعلان وزارة الدولة عزمها على تنظيم مؤتمر دولي لحماية المرأة العام المقبل، من منطلق أنه "لا يعدو كونه فعالية تنتهي بانتهاء يومها"، تماماً كما حدث في مؤتمر بنغازي الذي عُقد أخيراً برعاية ديوان مجلس النواب. وتضيف: "السلطة التشريعية التي تنظم مثل هذه الفعاليات هي ذاتها لم تصدر حتى اليوم قانوناً ينتظره الشارع منذ سنوات لضمان حماية النساء من العنف". وفيما تصف بركات مواقف السلطات بـ"التناقض" الذي يفرغ الخطاب الرسمي من مضمونه، تلفت إلى أن المؤسسات الرسمية "تتحدث كثيراً عن حماية النساء، لكنها لا تُتبِع الحديث بإجراءات مُلزمة وقوانين رادعة".
وتستشهد بركات بآراء ناشطات حقوقيات يعتبرن أن المؤسسات الرسمية تتعامل مع قضايا المرأة بمنطق رد الفعل، لا بمنطق بناء السياسات، مشيرةً إلى أن ما يُطرح من مبادرات ومؤتمرات "غالباً ما يفتقر إلى خطة تنفيذية أو إرادة تشريعية حقيقية". وتؤكد أن العنف الرقمي "بكل ما فيه من تشهير وابتزاز وترهيب، لا يمكن مواجهته ببيانات وتصريحات، بل بقانون صارم وإجراءات واضحة. وفي ظل غياب قانون مناهضة العنف ضد المرأة ومؤسسات قادرة على تنفيذه، فإن الوضع سيبقى في مستوى المواقف الشكلية التي تمتص الغضب أكثر من سعيها إلى تغيير الواقع".
