Arab
في خطوة لإعادة بناء العلاقة بين الإدارة السورية وأبناء الساحل السوري بعد أشهر من التوتر الذي تلا أحداث مارس/آذار الماضي (عنف طائفي ومواجهات عسكرية بين فلول من نظام الرئيس السابق بشار الأسد وقوات الأمن التابعة للإدارة السورية الجديدة)، التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، أمس الأول السبت في قصر الشعب بدمشق، وفداً واسعاً من وجهاء وأعيان محافظتي اللاذقية وطرطوس غربي سورية، بحضور محافظ اللاذقية محمد عثمان ومحافظ طرطوس أحمد الشامي. وأكد الشرع خلال اللقاء أن سورية تدخل مرحلة جديدة تقوم على الشراكة مع الشعب، وترسيخ الاستقرار، وبناء دولة تقوم على القانون والمواطنة، مشدداً على أن الدولة لا تحمل أي نزعة إقصائية أو ثأرية تجاه أي مكوّن، وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع السوريين. واعتبر أن العبث بالخطاب الطائفي يشكل خطراً حقيقياً على وحدة البلاد، مؤكداً أن سورية وطن واحد غير قابل للتقسيم، وأن الساحل السوري مؤهل ليكون نموذجاً وطنياً متقدماً في التعايش والسلم الأهلي.
مطالب وجهاء الساحل السوري
وقالت شخصيات حضرت اللقاء مع الشرع، إن ممثلي الساحل قدموا جملة من المطالب، أبرزها تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين في الدم السوري والإفراج عن الموقوفين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء. بالإضافة إلى مطالب إعادة المفصولين إلى أعمالهم وصرف مستحقات المتقاعدين والعسكريين المسرّحين، وتحسين الواقع المعيشي والخدمات الأساسية، خصوصاً الكهرباء والاتصالات وحصر السلاح بيد الدولة وتجريم الخطاب الطائفي. كما طالب البعض بدعم القطاعات الصحية والتعليمية وعودة النازحين وإغلاق المخيمات. ووفق الرئاسة السورية، أكد الشرع في اللقاء أن الساحل السوري يحظى باهتمام خاص ضمن خطط الدولة، مع التوجه لإطلاق مشاريع استثمارية كبرى في الموانئ والزراعة والصناعة، بما يساهم في خلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة، مؤكداً أن التنمية هي الطريق الأهم لترسيخ الاستقرار والسلم الأهلي.
وحمل اللقاء الذي حضره، وفق مصادر "العربي الجديد"، 220 شخصاً من وجهاء محافظتي اللاذقية وطرطوس من مختلف الطوائف، رسالة واضحة من الشرع للسوريين العلويين في الساحل، مفادها أن الدولة الجديدة لا تنظر إليهم كخصوم، بل شركاء، بعد أن استغلهم النظام السابق وحوّلهم إلى وقود لحروبه، محذراً في الوقت نفسه من محاولات فلول النظام إعادة إحياء التجييش الطائفي وزرع الخوف والانقسام.
إعادة الثقة
في هذا الصدد قال المحامي علي نصور، وهو من مدينة جبلة جنوبي اللاذقية، لـ"العربي الجديد"، إن اللقاء "خطوة أولى لإعادة الثقة بين الحكومة وأهالي الساحل، وهو لقاء إيجابي من حيث المبدأ". واعتبر أنه "كان من المفروض أن يحدث (اللقاء) قبل مدة طويلة لأن الانقسام أصبح حاداً جداً اليوم، ولا بد من خطوات عملية من الدولة لتطمين الناس وإعطائهم إحساساً بعدم الإقصاء". وأضاف نصور أن "المطلوب هو تجريم ومعاقبة الخطاب الطائفي، وإصدار عفو للأشخاص الذين يريدون الانخراط في العمل لكنهم متخوفون"، موضحاً أن ذلك "أفضل من تركها بأياد تستغل خوفها وضعفها في أمور لا يريدها أهالي الساحل".
واللافت أن اللقاء جاء عقب تصريحات للشرع في منتدى الدوحة 2025، الأسبوع ما قبل الماضي، أكد فيها أنّ السوريين العلويين أكثر المُتضرِّرين من النظام السابق. كما جاء اللقاء بعد أحداث أمنية وتوتر شهده الساحل السوري خلال احتفالات ذكرى إسقاط نظام بشار الأسد قبل أيام وبروز دعوات الشيخ غزال غزال، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سورية والمهجر، والتي دعا فيها إلى الإضراب العام لمدة خمسة أيام. كما دعا غزال في وقت سابق إلى اعتصامات ضدّ الحكومة السورية الحالية عقب التوتر الأمني الذي حصل في مدينة حمص في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (أعمال عنف طائفية استهدفت أحياء في حمص، على خلفية أعمال انتقامية بعد جريمة قتل).
ميس فارس: السوريون العلويون لديهم مطالب من السلطة الحالية لا يمكن استمرار تجاهلها
ورأت الناشطة الحقوقية في اللاذقية، ميس فارس، وهي شقيقة أحد ضحايا أعمال العنف التي اندلعت في مارس/آذار الماضي بالساحل السوري، أن "السوريين العلويين لديهم مطالب من السلطة الحالية لا يمكن استمرار تجاهلها". وأوضحت لـ"العربي الجديد"، أن أبرز هذه المطالب "تحويل جميع المعتقلين إلى المحاكمة وإخراج الأبرياء فوراً وإعادة جميع الموظفين الذين فصلوا، وعقد مصالحة وطنية بين أهل الجبل والمدينة والاعتراف بشهداء الطرفين"، إلى جانب "إخراج الفصائل المتطرفة من قرية قرفيص وزاما وبسطوير في ريف جبلة، واستبدالهم بعناصر أمن للحكومة السورية"، فضلاً عن "إعادة الرواتب لجميع المتقاعدين العسكريين نسبة إلى الدستور الذي ينص على أحقية الموظف بتقاعده".
وشددت فارس على أن "أهالي الساحل السوري خرجوا باعتصامات سلمية ليس بسبب دعوة غزال، وإنما بسبب تراكم الأخطاء وعدم الاستجابة لمطالبهم المحقة وعدم مواجهة الخطاب الطائفي الذي بدأ يتصاعد نحوهم". وقالت إن "الرئيس أحمد الشرع يؤكد أهمية الوحدة الوطنية وسورية الموحدة، لكننا نسمع شتائم موجهة للطائفة خلال احتفالات النصر وهذا أمر غير مقبول، تجب مواجهته". وبعد مرور عام على إسقاط نظام الأسد، في الثامن من ديسمبر/كانون الثاني 2024، لا يزال الوضع الأمني في الساحل غير مستقر بالكامل، مع استمرار عمليات القتل بين الفينة والأخرى. ويعزو البعض السبب إلى عمليات انتقام طائفية، في حين تؤكد الحكومة السورية على لسان مسؤوليها، ولا سيما محافظ اللاذقية محمد عثمان، أن الدولة السورية تقف على مسافة واحدة من جميع المكونات والمواطنين، وسط عدة وعود أطلقت بالاستجابة لمطالب الأهالي.
مهيار بدرة: منطقة الساحل تحتاج لسحب البساط من دعوات الانفصال واللامركزية وتهدئة الأوضاع
من جهته اعتبر الناشط في مجال السلم الأهالي باللاذقية، ومؤسس مبادرة "ابن البلد"، مهيار بدرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "منطقة الساحل تحتاج لتحرك جدي من الحكومة السورية لسحب البساط من دعوات الانفصال واللامركزية وتهدئة الأوضاع". وأشار إلى أن الاجتماع الأخير جاء بهذا السياق، متوقعاً أن "تتحرك الحكومة السورية بشكل أكبر لترتيب الوضع الداخلي بعد نجاح الدبلوماسية في إلغاء العقوبات الأميركية، وأن يكون الساحل في صدارة الاهتمام". ورأى أن "استمرار التوتر والانفلات الأمني ليس في صالح أحد ويمكن معالجته وتوجيه رسائل طمأنة وتحقيق الكثير من المطالب لأهالي الساحل، ولا سيما دفع العجلة الاقتصادية التي تساهم أيضاً في تخفيف الأجواء المتوترة".
