أحكام جائرة ونساء مظلومات
Arab
1 week ago
share
بحسب معجم المعاني، فإن لفظة "عنوسة" في اللغة العربية من الجذر عَنَسَ، الذي يعني طول المكث من دون زواج لمن أدرك سنّ الزواج، للرجل والمرأة على حدّ سواء. وقد كانت الكلمة في الأصل تصف الناقة القوية تامّة السنّ أو الصخرة الصلبة في الماء، وتستخدم لوصف الشخص الثابت القوي. غير أن المعنى الشائع المتداول للكلمة في الدول العربية كافّة اقتصر على تفسير سلبي أقرب إلى الشتيمة، خُصَّت به المرأة غير المتزوجة، وذلك انسجاماً مع المنطق الذكوري السائد الذي يستسهل وضعها في دائرة الاتهام ووصمها بصفة "عانس"، كما لو كانت مصابةً بإعاقة ذهنية أو مرض جلدي مُعدٍ يوجِب تفاديها والابتعاد عنها قدر الإمكان، لأنها نموذج للفشل والعجز والخيبة. ولن يتردّد أحد من أصحاب هذا المنطق المؤسف بوصفها بـ"البايرة"، وكأنها بضاعة كاسدة لا أمل في الخلاص منها، وذلك في سياق تشييء المرأة. بطبيعة الحال، لن يصف المجتمع الرجل مهما تأخّر عن الزواج بالعانس أو بـ"الباير"، بل يضعه في مرتبة العازف عن الزواج بمعنى أنه صاحب القرار بالاستغناء، ولن يتعرّض، والحال هذه، لأيّ إدانة مجتمعية، بل يُنظر إليه باعتباره رجلاً حرّاً. قد ننصحه برقّة ولطف بالزواج تحقيقاً للاستقرار والسعادة والهناء، وإن ظلّ على موقفه، علينا احترام خياراته في الحياة، وعدم إزعاجه بالإلحاح والترغيب، وسيظلّ محتفظاً بمكانته في المجتمع غير منقوصة. غير أن المرأة غير المتزوجة، بغضّ النظر عن أسباب عدم زواجها، ستظلّ مثارَ سخرية واستخفاف مهما بلغ إنجازها المهني والأكاديمي. هناك علامات استفهام واستنكار وتعجّب ستظلّ تلاحقها وتنغصّ عليها حياتها وتضعها دائماً في دائرة التبرير. يحدث أن فتياتٍ مهذّباتٍ على قدر من الجمال يحلمن بالزواج والأمومة والاستقرار، غير أنهن يفشلن في العثور على الشريك المناسب، ويرفضن من يتقدّم لخطبتهن إذا لم تتوافر المشتركات والتوافق والانسجام وغيرها من العناصر التي تضمن استمرارية الحياة واستقرارها، وذلك بسبب وعيهن الذي يحول دون تهورهن وإقدامهن على زواج غير متكافئ لمجرّد إنجاز مهمة الزواج وتفادي "عار" العنوسة، ما سيؤدّي إلى طلاق محتوم بالضرورة ينجم عنه أضرار بالغة تمسّ الأولاد بالدرجة الأولى، فيؤثرن العزوف عن الزواج حمايةً لأنفسهن ودرءاً لمتاعب كثيرة هنّ في غنىً عنها. وثمّة نموذج ليس شائعاً لدينا كما هو في الغرب، غير أنه موجود في مجتمعاتنا، لنساء سويّات غير معقّدات كما يحلو لبعضهم تصنيفهن، غير أنهن لا يرغبن في الزواج ولا الأمومة من حيث المبدأ، ولا يعتبرن أنفسهن مسؤولاتٍ عن حفظ النوع، ويفضلن حياةً بلا مسؤوليات أو ارتباطات، تماماً مثل الرجال العازفين عن الزواج أو "العوانس" على ذمة معجم المعاني، وذلك حقّهن، سواء اتفقنا معهن أو لم نتفق، وعلينا احترام قراراتهن واختياراتهن. وقد ثار جدل واسع في الأردن على أثر نشر دراسة الخبير الاقتصادي مفلح عقل (قيل إنها غير دقيقة) تفيد بأن نسبة ما يقرب من مليون امرأة أردنية فوق الخامسة والثلاثين من دون زواج، وتعزو الدراسة أسباب ذلك إلى ارتفاع تكاليف الزواج والبطالة والفقر والتحوّلات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثّر في قرارات الزواج المبكّر. ووصفت الجهات الرسمية على لسان المدير العام لدائرة الإحصاءات العامة الدراسة بأنها غير علمية ولا موضوعية. وقد توصّلت إعلامية عبقرية إلى حلٍّ لهذه الأزمة المخيفة، تمثّلت بخيار تعدّد الزوجات، عوضاً عن اقتراح تمكين المرأة غير المتزوجة وقبولها في المجتمع عنصراً فاعلاً بغضّ النظر عن وضعها الاجتماعي: عزباء، أرملة، مطلّقة، ما عرّضها لهجمة غير مسبوقة من ناشطات نسويات وجدن في طروحاتها إهانةً وتحقيراً وتقليلاً من شأن المرأة. وفي موقفهن كما أرى كثير من الوجاهة. وقد آن الأوان للكفّ عن إطلاق أحكام مجحفة شوهاء بحقّ مَن تسلك دربها في الحياة بالطريقة التي تعبّر عن قناعاتها وإرادتها الحرّة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows