هل اقتربت العودة؟
Arab
1 week ago
share
لا يوجد رقم عالمي ثابت مُعترف به لأعداد العائدين إلى بلدانهم بعد انتهاء الحروب، وبعد سقوط الأنظمة، التي تسبّب بهجرة ملايين المواطنين. لكن هناك شبه إجماع على أنّ أكثر العائدين عدداً كان في إسبانيا والسودان بعد انتهاء الحرب الأهلية فيهما، لكنها لم تتجاوز مئات الآلاف من العائدين. في سورية يبدو الوضع مختلفاً تماماً، وبالتالي تبدو الأرقام مختلفة ومتصاعدة إلى درجة أنها قاربت ثلاثة ملايين عائد بعد سقوط نظام الأسد. ينقسم هذا الرقم الكبير إلى قسمين: أوّلهما مليون ومائتي ألف لاجئ عادوا من تركيا ولبنان والأردن وأوروبا، وحوالى مليونين من السوريين الذين جرى توصيفهم بأنهم نازحون هُجِّروا من بيوتهم ومن مناطق سكنهم من مدن دمشق وريفها وحمص وحماة وحلب وأريافهم إلى الشمال السوري وإدلب. تبدو أعداد العائدين جديرة بالاهتمام، وتحمل مؤشّراً عميقاً ومُرضياً يعبّر عن الرغبة العارمة للسوريين بالعودة إلى وطنهم الأم. لكن ماذا عن الملايين من السوريين الآخرين؟ ماذا عن أعداد جديدة تتدفّق نحو لجوءٍ جديد؟ وماذا عن عشرات الآلاف الذين ينتظرون أجوبة على طلبات لجوئهم المُعلّقة بقرارات مُتشابهة من قبل الدول المُستقبلة للاجئين بعد سقوط النظام؟ حصّة النساء والفتيات من غياب قدرتهن على اتخاذ قرار العودة من عدمه، هي الأكبر تقول لمى إنها فور سقوط النظام زارت دمشق لمدّة أسبوعين، رأت خلالهما أهلها الذين حُرِمت رؤيتهم لعشر سنين متواصلة. انتابتها خلال زيارتها مشاعر متناقضة، ما بين الحنين إلى المدينة وما بين الفرح برؤية أهلها بعد طول افتراق، لكنّها في الوقت نفسه كانت تفكّر في طفلتها التي تركتها هناك مع والدها، والمُصابة بالتوحّد، والتي تستفيد من برنامج علاج مكثّف، متوازن، والأهم أنّه مترافق مع برنامج سلوكي وغذائي ورياضي يصعب الحصول عليه في سورية، مع ضرورة الإشارة إلى وجود مختصّين طبيين ونفسيين في سورية، بالإضافة إلى عدد قليل جداً من المراكز الصحية المختصّة، التي لا تتعدّى كونها صفوفاً خاصة في بعض رياض الأطفال، أو في مدارس خاصة. لكن ينبغي هنا الإشارة الى النقطة الأكثر أهمية، وهي أنّه في ألمانيا، حيث تعيش لمى، يوجد برنامج علاجي مجاني بالمطلق مع امتيازات خاصة لطفلتها وللوالدين وللأسرة عموماً، وبجردة حساب أولية أيقنت لمى أنّها ستكون عاجزة مادياً عن إلحاق بطفلتها بأي مؤسّسة لرعايتها في سورية. تتعدّد أسباب عدم العودة، وكذلك تتعدّد أسباب العودة، كما العادة تكون حصّة النساء والفتيات من غياب قدرتهن على اتخاذ قرار العودة من عدمه هي الأكبر. فجأة، قرّر رب إحدى الأسر السورية تسفير زوجته وبناته الأربع إلى سورية. بتصرّف منفرد ألغى إقاماتهن وبرّر تصرّفه، قائلاً: صار عنا بلد يشبهنا! كان يقصد حرفياً أنّ إلغاء إقامات بناته منحه الاطمئنان بأنّ الطفلات بعد عودتهنّ سيكنّ ضمن دائرة القيم والوصاية عليهنّ استناداً إلى بنية المجتمع السوري الرافض لقيم هولندا. تبقى العودة إلى الوطن حلماً، وإن بدت إمكانية تحقّقها ضربًا من المستحيل في رمشة عين، تحولّ الأمان الممنوح في دولة اللجوء إلى بعبع ينبغي الفرار منه حرصاً على قواعد التربية "المُتشدّدة"، التي تُخالف قيم المجتمعات الأوروبية. تقول لين، البنت الكبرى، إنّها تحلم بأن تتمكّن يوماً من رفع دعوى قانونية على والدها لأنّه حرمها المكان الذي عاشت فيه وأحبّته واحترمها واحترمت قيمه وبقيت محافظة على إرث عائلتها الاجتماعية. قالت لين إنّها حالياً تشعر بالاختناق، الجميع يتصرّف معها بوصاية لا تفهم مبرّرًا لها، وبخاصة جدها لأمها الذي يردّد على أسماع لين وشقيقاتها بأنّهن أمانة لديه ريثما ينهي والدهم إقامته ويعود للالتحاق بهنّ. تتناقض الرغبات مع واقع بالغ الاهتراء، مُستنزف وعاجز (ولو مؤقّتًا) عن منح أفراده الحماية الحقيقية والخدمات المطلوبة والاستقرار المادي والمعنوي. ما بين التناقضات الكبيرة والموانع الكثيرة تبقى الرغبة في العودة أكبر من المتعة بقضاء رحلة سياحية مؤقّتة في ربوع الوطن، كما تبقى العودة إلى الوطن حلماً، وإن بدت إمكانية تحقّقها ضربًا من المستحيل.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows