Arab
تعيش حركة حماس التي تأسست في 14 ديسمبر/كانون الأول عام 1987، على وقع أزمة وجودية تهدد مستقبلها ومصير حكمها في قطاع غزة، نتيجة لحرب الإبادة الإسرائيلية التي اندلعت عقب عمليتها الكبرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتداعياتها المستقبلية في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار. ويبدو مستقبل الحركة في ذكرى تأسيسها الـ38، غير واضح المعالم من الناحية القيادية والمستقبلية، خصوصاً في أعقاب اغتيال غالبية قيادتها السياسية في غزة؛ إلى جانب اغتيال رئيسا الحركة إسماعيل هنية ويحيى السنوار، فضلاً عن نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري.
ورغم استبعاد المراقبين فكرة "اندثار" حركة حماس تماماً، إلّا أن برنامجها السياسي الذي يستند إلى المقاومة المسلحة يواجه أزمة حقيقية أمام إصرار الاحتلال الإسرائيلي على نزع سلاحها وسلاح غزة، وتحويل غزة إلى منطقة خالية من العمل المقاوم والعسكري.
في الأثناء، قال الناطق باسم الحركة حازم قاسم إن "ما تمرّ به الحركة والمقاومة عامّة، والقضية الفلسطينية كلها، هو المرحلة الأكثر خطورة وحساسية في طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي"، موضحاً أن هناك عدواناً إسرائيلياً واسعاً على كل المكونات الفلسطينية حيثما وُجدت؛ عدوان واسع على غزة، وحرب على الضفة الغربية سواء عبر الهجوم على المخيمات والمدن هناك أو عبر الاستيطان، إضافة إلى حرب على هوية القدس باعتبارها رمز القضية الفلسطينية.
وأضاف قاسم لـ"العربي الجديد" أنّ هذا الهجوم "يستهدف القضية الفلسطينية برمّتها والوجود الفلسطيني بهدف إنهائه تماماً"، لافتاً إلى أن الاحتلال قام بحرب إبادة ضد قطاع غزة ويقول إنه سيجتث حركة حماس، ويفعل الشيء نفسه في الضفة الغربية والقدس. وأشار إلى "أننا شهدنا محاولات مشابهة لاجتثاث القوى والفصائل الفلسطينية، مثل ما جرى في لبنان قبل أكثر من أربعين أو خمسين عاماً، ورأينا كيف حاول الاحتلال إنهاء الفصائل، لكن تلك القوى بقيت موجودة، وحركة حماس خير شاهد على ذلك".
ولفت إلى أن المرحلة المقبلة "ستكون تأثيرات الحرب حاضرة فيها بقوة في قرارات الحركة وسياساتها ورسم استراتيجياتها المقبلة، فلا يمكن إغفال حجم الحرب على الشعب الفلسطيني، ولا يمكن إغفال حجم الفرص الكامنة في هذه المواجهة العظيمة التي حدثت خلال العامين الماضيين"، وشدد على أن الحركة ستحاول دائماً إيجاد مقاربات سياسية تراعي حجم الكارثة التي حلّت بالشعب الفلسطيني بفعل حرب الإبادة، والفرص المتاحة أمامه لانتزاع حقوقه، من أجل رسم استراتيجية بالتوافق مع كل المكونات الوطنية.
أعمقُ تحدٍ وجودي
بدوره، قال الكاتب والباحث في الشأن السياسي ساري عرابي إنّ حركة حماس "تواجه اليوم أعمق وأقسى تحدٍّ وجودي منذ تأسيسها، رغم أن مسيرتها الطويلة شهدت سلسلة من المحطات القاسية والضربات التي تجاوزتها الحركة في مراحل سابقة". ورأى عرابي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن ما يجعل اللحظة الراهنة مختلفة هو أن الحرب الشاملة على قطاع غزة أصابت قلب البنية التي راكمتها الحركة عبر عقود، وألحقت ضرراً واسعاً بمؤسّساتها وكياناتها التنظيمية والاجتماعية، الأمر الذي يجعل التحدي أكثر شمولاً وامتداداً من أي مرحلة مضت.
وأوضح أن حركة حماس "واجهت عبر تاريخها محطات كان يُظن أنها تهدّد وجودها، بدءاً من حملة الاعتقالات الواسعة عام 1989 التي طاولت الصفّ الأول المؤسِّس، مروراً بإبعاد مرج الزهور، وصولاً إلى سنوات القمع المزدوج في الضفة وغزة خلال فترة صعود مشروع التسوية وبناء السلطة الفلسطينية، ورغم قسوة تلك الظروف، نجحت الحركة في إعادة بناء نفسها وفي ترسيخ حضورها حتى أصبحت أحد أبرز الفاعلين الفلسطينيين".
إلّا أنّ ما يجري اليوم، كما يصفه عرابي، ليس مجرد تكرار لتجربة سابقة، بل اختبار وجودي بالغ القسوة يمسّ جوهر مشروع الحركة داخل غزة وينعكس على المجتمع الفلسطيني برمته، حسب تعبيره. وبحسب الكاتب والباحث في الشأن السياسي، فإنّ تقييم مستقبل الحركة لا يمكن ربطه حصراً بمسألة السيطرة على قطاع جغرافي أو بنية حكم إداري، لأنّ حماس لم تنشأ أصلاً بوصفها حركة سلطة، ولا ارتبط وجودها بشرط الحكم، فحضورها الأوسع يقوم على مشروعها المقاوم، وعلى شبكاتها الاجتماعية والسياسية الممتدة في الضفة الغربية والخارج وبين اللاجئين الفلسطينيين.
ويعتقد عرابي أن خسارة السيطرة الإدارية لا تعني انهيار الحركة، كما لا تعني انتهاء قدرتها على التأثير في المشهد الفلسطيني أو إعادة بناء نفسها من جديد، مشيراً إلى أنّ التحدي الوجودي الذي تواجهه الحركة لا يقتصر على غزة، بل يمتد إلى ساحات حضورها المختلفة؛ ففي الضفة الغربية تتعرض حماس منذ سنوات لعملية اجتثاث ممنهجة حالت دون قدرتها على إعادة تنظيم صفوفها، بينما تواجه في الخارج تضييقاً سياسياً وأمنياً وتشويهاً مستمراً وتصنيفات دولية تعيق عملها.
يعتقد عرابي أن خسارة السيطرة الإدارية لا تعني انهيار الحركة
وأكد أن الحركة ما زالت قادرة على التفكير بعقل موحّد وإنتاج رؤية تكاملية تتعامل مع تباين الظروف بين غزة والضفة والشتات، وهو ما يشكّل شرطاً أساسياً لعبورها هذه المرحلة، مبيناً أن الحركة معنية اليوم بإطلاق مراجعة واسعة تعيد من خلالها بناء هيئاتها، وترميم شبكاتها، وتحديد برنامج زمني يعالج استحقاقات المرحلة المقبلة.
واستبعد الباحث الفلسطيني في الوقت ذاته أن تتخلى الحركة عن جوهرها المقاوم أو تتحول إلى حزب سياسي خالص، لأنّ المقاومة، ليست خياراً تكتيكياً في مسار الحركة، بل جزءاً من هويتها ومن السياق الوطني الفلسطيني عموماً.
مخاطر ما بعد الإبادة
إلى ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر ناجي شراب إنّه لا يمكن القول إنّ الحركة تواجه الاندثار؛ "فهي حركة لها عمق جماهيري وامتدادات خارجية فلسطينياً وحتى إسلامياً، لكن، لا يمكن تجاهل تأثير الحرب على قدراتها العسكرية، فقد فقدت الكثير".
وأشار شراب لـ"العربي الجديد" إلى أن قوة الحركة بقوة غزة سكانياً واقتصادياً، وأن الدمار والخسائر البشرية نقطة ضعف أخرى، وهو ما يفرض على الحركة مراجعة شاملة، وسيعتمد مستقبلها على مدى تكيفها مع هذه التحديات سياسياً.
وأوضح أن معضلة حماس "مزدوجة من ناحية الحكم والبقاء، ومن ناحية أخرى الاحتفاظ بسلاحها وفي ضوء تداعيات الحرب، لا يمكن لها الاحتفاظ بسلاحها الكامل، ولذلك، وحفاظاً على الحكم والبقاء، يمكن أن تبدي مرونة في مسألة السلاح، مثل تسليمه أو تخزينه أو الاحتفاظ بسلاح خفيف أمني لليوم التالي، كما نرى الآن".
وتساءل شراب: "هل لدى حماس استعداد لتكرار نموذج أوسلو بصورة جديدة؟" مؤكداً أن حماس على مدار سنوات حكمها حققت لإسرائيل، بقصد أو دون قصد، تعميق حالة الانقسام وعدم قيام دولة، مبيناً أن إسرائيل، تريد حماس بوظيفة سياسية أمنية لحفظ الحدود. وأكد أن ما يعزّز هذه الفرضية هو "تعمق حالة الانقسام ورفض أي دور للسلطة"، مشيراً إلى أن هذا يمثل القاسم المشترك مع إسرائيل، مضيفاً: "هل نرى نموذجاً جديداً لسورية في غزة وتكرار نموذج أحمد الشرع؟ الاحتمال قائم، وما يبرهن على ذلك قنوات التواصل مع أميركا، والدور الذي تقوم به قطر، وعلى أهميته، فهو يقوم بالحفاظ على بقاء حماس".
ووفقاً لشراب فإنّ حماس تعتبر الآن عقدة سياسية وأمنية، وأمام سيناريو معقد تحتاج إلى تفكيكه، مذكراً بنموذج فتح وكيف انتقلت من الخيار العسكري إلى السياسي، مشيراً إلى أن الواقع السياسي الجديد لا يمكن تجاهله، ويبقى معه السؤال حول قدرة حماس على التكيف معه.
