
أثار إعلان الحكومة المصرية نهاية نظام الكوتا المطبّق على مصانع الأسمنت منذ 2021، جدلا بشأن دوافعه ونتائجه. وفيما اعتبر متابعون التحرك غير مجد لخفض أسعار واحد من أهم مواد البناء التي شهدت قفزة كبيرة في سعرها في الفترة الماضية، اعتبره آخرون كبحا لجماح أسعار الأسمنت المرتفعة وتفعيل طاقات الإنتاج المعطلة، في محاولة لضبط السوق وإعادة التوازن إلى قطاع يعاني من اختناقات متعددة.
القرار الذي أصدره نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة كامل الوزير، يمنح أكثر من 23 مصنعًا الحرية الكاملة في تشغيل تسعة خطوط إنتاج كانت متوقفة، مع السماح بتصدير الفائض، فيما ألزمت الوزارة الشركات بتحديد الحدين الأدنى والأقصى للأسعار على العبوات المطروحة في السوق. ويأتي هذا التغيير في وقت قفزت أسعار الأسمنت إلى مستويات قياسية تجاوزت 4200 جنيه للطن في يوليو/تموز 2025، مقارنة بنحو 2200 جنيه خلال الشهر نفسه من العام الماضي، كما صعد السعر بنحو 13% مقارنةً بشهر مايو، وهو ما مثّل ضغطًا إضافيًا على قطاع البناء المتباطئ والمستهلكين على حد سواء.
ورغم الأهداف المعلنة من القرار، أبدى العديد من اللاعبين في القطاع شكوكهم حيال إمكانية تنفيذه دون عوائق كبيرة. وأكد وكيل إحدى كبرى شركات الأسمنت، علي عبد الغني، أن الأسعار كانت قد بلغت ذروتها عند 4600 جنيه للطن قبل أن تتراجع إلى نحو 2200 جنيه بفضل زيادة المعروض (الدولار بنحو خمسين جنيها)، لكنه حذر من أن "هذا التراجع قد لا يدوم طويلًا"، لافتًا إلى أن "العودة لتشغيل الخطوط المعطلة لن تكون بهذه السهولة في ظل ارتفاع تكاليف الكهرباء وانخفاض إمدادات الغاز الطبيعي، خاصة بعد توقف الإمدادات الإسرائيلية".
وحذّر عبد الغني كذلك من أن بعض الشركات قد "تتذرع بمشكلات فنية أو أعمال صيانة لتفادي العودة إلى التشغيل الكامل"، خوفًا من تراجع الأسعار وتقليص هوامش الربح.
وقال في حديث لـ"العربي الجديد": "الشركات تبحث عن التوازن بين استدامة التشغيل والربحية، ولا أحد يريد الدخول في دوامة حرق الأسعار".
ويوافقه الرأي رئيس شعبة الأسمنت في اتحاد الصناعات، أحمد كريم، الذي يرى أن المشكلة لا تكمن فقط في المعروض، بل أيضًا في ضخامة التكاليف، لأن "عودة المصانع للعمل بطاقتها القصوى قد تؤدي إلى تخمة في السوق"، لكنه شدد على أهمية التنسيق بين العرض والطلب لتفادي انهيار الأسعار بشكل ضار.
تعطل خطوط إنتاج الأسمنت
وأشار رئيس الشعبة كذلك إلى أن بعض خطوط الإنتاج المعطّلة تحتاج إلى تأهيل تقني يستغرق وقتًا طويلًا، ما يعني أن تأثير القرار على الأسعار "لن يكون فوريًا"، مضيفا في حديثه لـ"العربي الجديد" أن تصدير الفائض يواجه هو الآخر "صعوبات تتعلق بالطلب الخارجي وارتفاع تكاليف الشحن في بيئة اقتصادية إقليمية غير مستقرة".
وفي المقابل، رأى أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية، في القرار فرصة لكسر الاحتكار وتحفيز المنافسة. "تشغيل الخطوط المتوقفة سيعني ببساطة زيادة المعروض، وهذا وحده كفيل بكبح جماح الأسعار وإنهاء ممارسات التحكم في السوق"، بحسب تعبيره. وأشار في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "المستهلك سيكون الرابح الأكبر إذا التزمت الشركات بالإنتاج والتسعير العادل".
لكن داخل القطاع، تسود توقعات أكثر تحفظًا. مسؤول تجاري بشركة أسمنت بني سويف، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لـ"العربي الجديد" إن السوق بدأت تشهد بالفعل تراجعًا في الأسعار إلى مستويات بين 3900 و4200 جنيه للطن لبعض الأنواع، وأضاف أن "إلغاء الكوتا سيساهم على الأرجح في تعزيز هذا الاتجاه، لكن أثره الكامل لن يظهر قبل عدة أشهر، خصوصًا في ظل ضعف الطلب بسبب تباطؤ تنفيذ المشروعات القومية".
ورحب المسؤول بقرار الوزارة الذي حدد سقفًا لتصدير 30% فقط من الإنتاج، معتبرًا أنه "سيمنع نزيف الفائض للخارج، ويضمن استقرار السوق المحلية". لكنه حذّر من أن التوسع في الإنتاج دون حسابات دقيقة قد "ينقلب على الشركات ذاتها، إن لم يترافق مع نمو في الطلب الفعلي". كجزء من حزمة الإجراءات المصاحبة، أكدت وزارة الصناعة أنها ستشرف مباشرة على عمليات التشغيل لضمان التزام المصانع بالقرار واستغلال طاقاتها الإنتاجية بشكل كامل.
كما أشارت تقارير حديثة إلى أن الزيادة المتوقعة في الإنتاج قد تؤدي إلى تهدئة في الأسعار، لكنها رهينة بتطورات أسعار الطاقة والخامات، والتي لا تزال تمثل عبئًا ثقيلًا على الشركات. ويرى خبراء أن التحدي الأكبر يكمن في التنفيذ الفني، لا في نيات السياسات، إذ إن بعض الخطوط المتوقفة تحتاج إلى صيانة أو إعادة تأهيل هندسي قبل أن تعود إلى الخدمة، وهو ما قد يستغرق من أسابيع إلى أشهر.
كما أن قدرة السوق الإقليمية على استيعاب صادرات إضافية من الأسمنت تبقى محل شك، في ظل ضعف الطلب في أسواق مثل ليبيا وسورية، واشتداد المنافسة من منتجين. يمثل قرار الحكومة بإلغاء نظام الكوتا تدخلًا مباشرًا لمحاولة إصلاح اختلالات سوق الأسمنت في مصر، لكنه يُسلّط الضوء في الوقت ذاته على هشاشة بيئة الإنتاج المحلي أمام تكاليف الطاقة، وتعقيدات سلسلة الإمداد.

Related News


