
يُصادف اليوم ذكرى خمسين عاماً على حرب 1975 في لبنان. يستعرض "العربي الجديد"، هنا، أبرز الأصوات النسوية التي تناولتها، ودوّنت تجاربها في إصداراتٍ عنها، كذلك يرصد آخر الأعمال الفنية والمسرحية والوثائقيات المُقامة حالياً، أو التي عُرضت خلال السنوات الماضية، عن تلك الحرب.
■ ■ ■
"دفاتر الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)"، لدلال البزري
"سوف تجد دائماً سبباً للكتابة عن الحرب. إنها تُقرّر حيوات الناس". هكذا تُقدّم دلال البزري لكتابها دفاتر الحرب الأهلية اللبنانية، الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" (216 صفحة بالقطع الصغير)، في سلسلة "مذكرات وشهادات". تؤكّد البزري أن هذه الدفاتر ليست سعيدة كما كانت عليه السنوات التي سبقت الحرب، "لكن مأساويتها محدودة، كما كانت الحرب الأهلية اللبنانية محدودة بجغرافيتها، لم تتجاوز الحدود اللبنانية؛ عكس الحرب السورية، ذات القعر اللانهائي، التي أشعلت شظاياها نيراناً كانت هامدة، قريباً منها وبعيداً عنها".
"طواحين الهوى"، لخمس عشرة كاتبة
يضمّ الكتاب مجموعة من القصص كُتبت بقلم 15 امرأة، من أهالي المفقودين والمخفيّين قسراً، خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، ولا يزال مصيرهم مجهولاً. والمشاركات في الكتاب، الصادر بثلاث لغات: العربية والإنكليزية والفرنسية، لسنَ أديبات ولا كاتبات، لكنهنّ قرّرن الكتابة والتعبير عن مواجعهن، وذلك بعدما خضعن لسلسلة من ورش عمل للكتابة الإبداعية على يد الكاتبة فاطمة شرف الدين، ونظّمها "المركز الدولي للعدالة الانتقالية"، بالتعاون مع "لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان".
"ألقيتُ السلاح: امرأة في خضمّ الحرب اللبنانية"، لريجينا صنيفر
في الرابعة والعشرين من عمرها، وبعد أن أمضت سنوات سبعاً من الالتزام في صفوف المليشيات اليمينية في لبنان، تكتشف ريجينا صنيفر، في سجون معسكرها الخاص، أهوال حرب الإخوة، فتتخلّى نهائياً عن العنف. وبعد مرور عشرين عاماً، تقرر سرد تلك السنوات التي أمضتها في ساحات الوغى، مقاتلةً ملتزمة. إنها بسردها لتجربتها هذه إنما تشهد كي لا يطوي النسيان عشرات الآلاف من شباب جيلها الذين دمّرتهم الحرب؛ كي لا يطوي النسيان الصرخة الصامتة التي أطلقتها أمّهات ظفر الموت بهنّ لطول ما انتظرن عودة أبنائهنّ.
■ ■ ■
عبد الحميد بعلبكي
ضمن معرض استذكاري عن الفنّان اللبناني الراحل، ويتواصل حتى سبتمبر/ أيلول، تُعرَض "جدارية الحرب" (زيت على قماش، 370 × 208 سم، 1977) في "متحف سرسق" ببيروت. العمل من وحي حرب السنتين، أول فصول الحرب الأهلية اللبنانية، ويستلهم أجواء لوحة بيكاسو الشهيرة "غيرنيكيا". وعنه تحدّث الفنّان الراحل مرّة بالقول: "لم أعُد أهتمّ بتحديد ما هو شرقي وما هو غربي، ولم تعُد مرجعيّة بهزاد والواسطي تهمُّني... من حيث المضمون التزمتُ الوضوحَ مع نفسي، ولم أكُن مهتمّاً بسؤال من الرابح ومن الخاسر، كان عملي يتحدّث عن الضحايا، والضحايا هُم الناس العاديّون".
ألفريد طرزي
يُعدّ طرزي (1980) من أبرز الفنّانين المُعاصرين الذين اشتغلوا على موضوعة الحرب، بدءاً من مطلع الألفية الجديدة. عند الثالثة من بعد ظُهر اليوم، يُفتتح في هنغار "أُمم للتوثيق" ببيروت، معرضٌ بعنوان "خمسون عاماً.. حافلة واحدة.. حروب كثيرة"، حيث يُشارك فيه طرزي، إلى جانب فنّانين آخرين، هُم: حسام البقيلي، ولميا جريج، وطلال خوري، الذين يُقدّمون مجموعة أعمال تجهيزية تدمج الأرشيف والصور والمحفوظات بتقنيات الفنّ المعاصر، وتتّخذ من التاريخ اللبناني الحديث إطاراً عامّاً لها، وعلى وجه التحديد سنوات 1975 - 1990.
أيمن بعلبكي
من الجيل الثاني لعائلة بعلبكي الفنية التي عايشت مراحل الحرب وما بعدها، بدءاً من والده فوزي وعمّه عبد الحميد. تحتضن "مؤسسة رمزي وسائدة دلول" في بيروت معرضاً لأيمن بعلبكي، بعنوان "لِم كلّ هذه الظلمة؟"، ويتواصل حتى الثامن عشر من الشهر الجاري. تصوّر لوحات الفنّان أبرز معالم المدينة خلال سنوات الحرب مثل "برج المرّ"، وفندق "الهوليدي إن"، ومطار بيروت، بالإضافة إلى المقاتلين، والحواجز. يستوحي الفنان عنوان معرضه من كتاب الروائية اللبنانية دومنيك إدّه، الذي نُشر عام 1999، وفيه تتأمّل الكاتبة ذكرياتها عن سنوات الحرب.
■ ■ ■
"شو منلبس"، ليحيى جابر وأنجو ريحان
بعروضها المستمرّة خلال هذا الشهر، في "مسرح مونو" و"كازينو لبنان"، لا تزال مسرحية "شو منلبس" (2024)، تأليف جابر وأداء ريحان، تُحقّق المزيد من الإعجاب في أوساط الجمهور والنقّاد على حدٍّ سواء. بأسلوب مونودرامي تعود إلى زمن الحرب، لتروي قصة عائلة شيوعية تعيش تناقضات الريف والمدينة، الالتزام والانقياد للمصلحة، المقاومة وقمع الحرّيات. يرصد العمل أحوال المجتمع حين تتحكّم فيه المليشيات والتحزّبات الأيديولوجية، كما ينتصر للمرأة التي تكون أولى الضحايا حتى في الأوساط التي تدّعي أنها تقدّمية، وأنها تخوض حرباً ضد الطبقية والطائفية.
"خيال صحرا"، لجورج خبّاز وعادل كرم
تدور أحداث المسرحية، التي عُرضت الصيف الماضي في "كازينو لبنان"، خلال هدنة قصيرة في الحرب الأهلية، حيث يلتقي قنّاصان من جبهتين متقابلتين على خطّ التَّماس في بيروت. خلال هذا اللقاء، يتبادلان القصص والأحلام، ما يكشف عن تشابه إنساني بينهما رغم اختلافاتهما الظاهرة. تُظهر المسرحية كيف أن كليهما ضحية وجلاّد في آنٍ واحد، وتعكس عبثية الحرب وانعدام الجدوى منه. تمزج "خيال صحرا" بين الكوميديا السوداء والدراما، وتُعدّ دعوة إلى التأمل في آثار الحرب، وتذكيراً بأهمية السلام والتعايش بين الناس.
"أبو وردة السانتا"، لعُليّة الخالدي
عُرضت المسرحية أول مرّة عام 2017 على خشبة مسرح "الجامعة اللبنانية الأميركية"، وهي مأخوذة عن عدّة نصوص لثلاثة كُتّاب: المصري ألفريد فرج (1929 - 2005)، والفلسطينية ميرا صيداوي، والسوري أنس غيبة. تدور أحداث العمل بين أربع شخصيات في رحلة: مصوّر حرب، ومغنّية، وصاحبة مكتبة، وأستاذ جامعي حزبي. الهدف من هذه الرحلة محاولة استعادة ذكرياتهم، إذ ترى المخرجة أن الحرب الأهلية اللبنانية "منسية" سهواً وعمداً، "فقد أصبحت اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تفترض أن هناك جانباً طائفياً، وأن هناك أغلبية وأقلية".
■ ■ ■
بودكاست "معبَر"
سلسلة صوتية وثائقية تتناول الحرب الأهلية اللبنانية من خلال شهادات وتجارب شخصية، مقدّمة بأسلوب يجمع بين التاريخ الشفهي والسرد الوثائقي. أُطلق البودكاست في مايو/ أيار 2022، ويتألف من 12 حلقة رئيسية، بالإضافة إلى حلقات خاصة، مستنداً إلى أكثر من 400 ساعة من المقابلات مع أكثر من 65 شخصاً. تتناول الحلقات مواضيع متنوعة مثل دور الإعلاميين خلال الحرب، وتجارب الصحافيين اللبنانيين والأجانب، وتأثير الحرب في الحياة اليومية والذاكرة الجماعية. يُقدم البودكاست باللغات العربية، الفرنسية والإنكليزية، وهو من إنتاج أنطوني طويل وسيدريك كايم.
"خطّ التماس"، لسيلفي باليو وفداء البزري
يُعرض الفيلم في "سينما متروبوليس"، عند الساعة السابعة ونصف مساء الجمعة المُقبل، ويلي العرض حوار مع المخرجة سيلڤي باليو. كذلك يُعرَض، ضمن معرض احكيلي" في "بيت بيروت"، عند الثالثة من مساء اليوم الأحد معرض "ما بين العوالم" المستوحى من الفيلم. في هذا العمل الفنّي تُمكن مشاهدة المجسّمات الظاهرة في الفيلم من قُرب. كذلك تغوص مؤلفة العمل، فداء البزري، في الذاكرة للتواصل مع أفراد عائلتها. يتواصل المعرض حتى نهاية يونيو/ حزيران.
فيلم "اعترافات الحرب اللبنانية"، لدنيز جبّور
يُقدِّم العمل شهادات حيّة لمقاتلين سابقين شاركوا في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، حيث يروُون تجاربهم الشخصية، ومشاعرهم، والندم الذي يرافقهم بعد مرور عقود على انتهاء النزاع. عُرِض الفيلم، الذي أنتجته دنيز جبّور، لأول مرّة في 13 إبريل/ نيسان 2024 في سينما "رويال" ببرج حمود، تزامناً مع الذكرى السنوية لاندلاع الحرب الأهلية. يُوفِّر مساحة آمنة للتعبير عن الألم والندم، في ظل غياب أي مصالحة وطنية حقيقية أو اعتراف رسمي من قادة الحرب بمسؤولياتهم. تُبرز الشهادات كيف أن الجراح بقيت مفتوحة.
