
يشكل المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية المعارض في المغرب، والذي ينطلق اليوم على مدى يومين، محطة تنظيمية حاسمة في مستقبل الحزب الساعي إلى استرجاع المكانة التي كان يحتلها في المشهد السياسي قبل نكسة الانتخابات التشريعية في سبتمبر/ أيلول 2021، أو على الأقل الاستمرار في مقاومة تداعياتها. يومها مُني الحزب الذي قاد الحكومة المغربية لولايتين متتاليتين (تصدر الانتخابات في 2011 و2016) في سابقة في تاريخ المغرب، بهزيمة بعدما حلّ في المرتبة الثامنة، بـ13 مقعداً برلمانياً من أصل 395.
ويأتي مؤتمر الحزب اليوم، والذي يُعقد في مركب (مركز) الطفولة والشباب بمدينة بوزنيقة (جنوب الرباط)، في سياق سياسي استثنائي تتقاطع فيه الاعتبارات التنظيمية مع رهانات التموقع السياسي استعداداً لنزال الانتخابات التشريعية المقبلة في سبتمبر/ أيلول 2026. كذلك يشكّل لحظةً حاسمةً في تاريخ الحزب لجهة أنه سيُحدّد مستقبله ومدى تعافيه من نكسة الثامن من سبتمبر 2021. كذلك يتجه إسلاميو المغرب إلى مؤتمرهم في مرحلة دقيقة من تاريخ تنظيمهم، وسط تحديات داخلية وخارجية.
تحديات أمام "العدالة والتنمية"
وفي السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الأول بسطات (وسط البلاد)، عبد الحفيظ اليونسي، أن "العدالة والتنمية" يواجه ثلاثة تحديات بمناسبة المؤتمر الوطني التاسع "أولها تنظيمي يتمثل في مدى قدرة الحزب على الخروج من المؤتمر بتماسك تنظيمي يحضر فيه الجيل المؤسس وأيضاً شباب الحزب"، إلى جانب "مدى قدرة المؤتمر على بعث حيوية في امتدادات الحزب المجالية باعتبارها قوة الحزب انتخابياً".
عبد الحفيظ اليونسي: تحديات انتخابية ومالية تواجه "العدالة والتنمية" في مؤتمره
ويشير اليونسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن المعضلة الثانية التي تواجه الحزب خلال المؤتمر "تتعلق بمدى القدرة على تقديم تصور واضح لتحديات البلاد السيادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية"، إضافة إلى "القدرة على استعادة ثقة كتلته الناخبة من المحافظين والطبقة المتوسطة". أما التحدي الثالث للحزب، وفق اليونسي، فهو "تحد مالي وقانوني في العلاقة بالانتخابات المقبلة، أي ضمان تنافسية في الانتخابات والقدرة على تمويلها". كذلك يحصر أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، إسماعيل حمودي، في حديث لـ"العربي الجديد"، التحديات التي تواجه "العدالة والتنمية" ارتباطاً بمحطة المؤتمر وما بعده، في ثلاثة؛ "أولها تنظيمي يتعلق بتجديد كل هيئات الحزب على المستوى المركزي والترابي لإفراز قيادات المرحلة المقبلة". وبرأيه فهو "تحدٍّ أساسي، لأنّه سيعكس مدى تعافي الجسد الحزبي كله، وقدرته على تجديد بنياته للانطلاق من جديد".
إسماعيل حمودي: الانتخابات التشريعية المقبلة محطة فاصلة في مسار تعافي الحزب من أزمته
أما التحدي الثاني، فهو "سياسي مرتبط بقدرة الحزب على تحسين تموقعه السياسي، وتحديد حلفائه من خصومه". ويرى أن هذا التحدي هو "رهان يتوقف على أمرين: أولاً، وضوح رؤيته (الحزب) وخطه السياسي للمرحلة المقبلة، وثانياً وجود استعداد لدى الأطراف الأخرى من الأحزاب والمجتمع المدني والنخب، للانخراط إلى جانبه في بناء تمفصل جديد حول تحديات وأولويات المرحلة المقبلة". ويضيف حمودي أن التحدي الثالث "هو انتخابي، إذ إن مؤتمر الحزب يُعقد على بعد أزيد من سنة كاملة على الانتخابات التشريعية لسنة 2026". وبرأيه فهي "محطة فاصلة في مسار تعافي الحزب من أزمته، إذ ستشكل اختباراً له في ما يخصّ قدرته على تحقيق نتائج إيجابية تعيده إلى مركز الفعل السياسي والحزبي، بعدما تعرض لشبه طرد من المؤسسات المنتخبة في 2021".
حفيظ الزهري: الشأن الداخلي للحزب يعرف نوعاً من هيمنة حركة الإصلاح والتوحيد
بالنسبة إلى الباحث في العلوم السياسية حفيظ الزهري فإن "المؤتمر التاسع لـ"العدالة والتنمية" لن يكون مؤتمراً عادياً بحكم الرهانات الكبيرة المطروحة أمامه، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الخارجي". ويوضح أنه "على المستوى الأول يواجه إخوان بنكيران (رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران) تحدياً كبيراً يكمن في الحفاظ على وحدة الحزب واستمراريته في المشهد السياسي المغربي، وإعادته إلى سكة المنافسة على الحكم". وبرأي الزهري فإذ هذا الأمر "ليس سهلاً أمام التراجع الكبير على مستوى الشعبية بعد عشر سنوات من الحكم وما نتج عنها من انتقادات كبيرة وهزيمة لم تكن في الحسبان خلال انتخابات 2021 النيابية".
ويلفت الزهري إلى أن "الشأن الداخلي للحزب يعرف نوعاً من هيمنة حركة الإصلاح والتوحيد التي تحاول بسط سيطرتها على الحزب بعد تصفية تيار (رئيس الحكومة السابق) سعد الدين العثماني". وتحاول الحركة "الوصول إليه (الحزب) عبر استغلال حرب غزة للعودة للشارع وتوسيع القاعدة الجماهيرية، مستغلة في ذلك الجانب العاطفي والتضامني للمغاربة مع القضية الفلسطينية". ويبقى أكثر تحدّ مطروح أمام "العدالة والتنمية"، وفقاً للزهري، هو كيفية مواجهة "تراجع منسوب الثقة دولياً بالإسلاميين، خصوصاً بعد منع (حظر) جماعة الإخوان المسلمين في الأردن والعديد من دول الشرق الأوسط"، ما سيصعب الأمور على قيادة الحزب في نسج علاقات خارجية ضاغطة. ويرى الزهري أن حزب العدالة والتنمية "سيحاول الانكماش في انتظار مرور الحملة ضد جماعة الإخوان المسلمين وسيركز على العمل الداخلي لإعادة بناء الحزب وطنياً".
مقاربة موضوعية
من جهته، يؤكد رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية (المغرب)، رشيد لزرق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مؤتمر حزب العدالة والتنمية يواجه تحدياً كبيراً في صياغة مخرجاته النهائية، في ظل قرار الأردن حظر جماعة الإخوان المسلمين، إذ "يضع الحزب أمام معادلة صعبة بين التضامن مع الحركات الإسلامية والحفاظ على مكانته السياسية". ويقول إنه من المرجح أن تتسم مخرجات المؤتمر "بلغة أكثر حذراً وواقعية في التعامل مع التحولات الإقليمية والدولية، مع تركيز متزايد على القضايا الوطنية المغربية وتقليص الخطاب الأيديولوجي العابر للحدود". كذلك قد يتجه المؤتمر نحو "تبني استراتيجيات جديدة تؤكد استقلالية الحزب التنظيمية والفكرية عن الإخوان المسلمين". وقد تُطرح مبادرات "لإعادة تموضع الحزب ضمن المشهد السياسي العربي والإسلامي بما يتلاءم مع الظروف المتغيرة، مع التشديد على قيم الاعتدال والمشاركة السياسية ضمن الإطار المؤسساتي".
رشيد لزرق: الشخصنة المفرطة للعمل السياسي تعيق تطور الحزب
من جهة أخرى، يلفت لزرق إلى أن الحزب يواجه كذلك تحدي الخروج من دائرة الجماعة الملتفة حول شخص والتحول إلى مؤسسة حزبية حقيقية. ويوضح أنه "رغم الخطاب المؤسساتي الذي يتحدث عن المشروع والبرنامج، غير أن تصريحات قيادات الحزب وسلوكياتهم تنم عن انشغال مستمر بردّ الاعتبار لـ"إهانة العزل" (من قبل الملك محمد السادس في 2017) التي تعرض لها بنكيران "بفعل خدلان أصحابه، أكثر من الانشغال ببناء رؤية سياسية مؤسساتية بديلة". وبرأيه فإن "هذه الشخصنة المفرطة للعمل السياسي تعيق تطور الحزب وتجعله أسير صراعات شخصية وثأر سياسي، بدلاً من التركيز على تطوير خطابه وأدائه المؤسساتي". كذلك تعكس تصرفاته "تناقضاً بين الادعاء بالتجديد السياسي والاستمرار في نفس مربعات الولاء الشخصي والعاطفي للقيادة، ما يضعف قدرته على تقديم نفسه بديلاً سياسياً ناضجاً ومتجاوزاً لمنطق الجماعة المغلقة".
