حديث الأمن مع القيادة السورية: مشاغل عربية ودولية تُحتّم التواصل
عربي
منذ 3 أيام
مشاركة

تشهد العاصمة السورية دمشق، خلال هذه الأيام، زحمة لقاءات سورية عربية، كما تسّجل لقاءات سورية دولية وسورية أممية، توجت أمس الجمعة، بلقاء سوري عراقي رفيع المستوى، في دمشق، في وقت رفع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني العلم السوري الجديد أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك، فيما رفعت بريطانيا، أول من أمس، عقوباتها عن 12 كياناً سورياً، بما فيها وزارتا الدفاع والداخلية، بانتظار الرفع الأميركي. بموازاة ذلك، تم الكشف أمس، عن عقد لقاء سوري روسي رفيع المستوى، حمل أيضاً عنواناً أمنياً استخبارياً، في العاصمة الأذربيجانية باكو، ما يعكس رغبات أطراف عدة في التواصل الأمني مع القيادة السورية الجديدة، ومعرفة توجهاتها المقبلة، وجسّ نبضها بما يخص الأمن الحدودي والاستخباري العابر للحدود والإقليمي والدولي، وهو ما يأتي على وقع إعادة ترتيبات المشهد الإقليمي، وسورية في قلبه، إثر سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتحديات التي لا تزال تفرضها الاعتداءات الإسرائيلية في المنطقة، بالإضافة إلى التوجسات التي لا تزال حاضرة لدى بعض العواصم العربية وكذلك المجتمع الدولي من القيادة الجديدة في دمشق، علماً أن كلّ هذا الانفتاح يتطلب قرارات سياسية متعددة الأطراف، لترجمته على الأرض.

زيارة عراقية إلى دمشق

وزار وفد عراقي وزاري واستخباري دمشق، أمس، والتقى الرئيس أحمد الشرع. وجاءت الزيارة إثر لقاء جرى في الدوحة، في 15 إبريل/نيسان الحالي، بين الشرع ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، وهي الأولى بينهما، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كما جاءت على وقع رفض فصائل عراقية موالية لإيران، الانفتاح على دمشق.

وأعلن مكتب السوداني، أمس، أن بغداد أرسلت وفداً إلى دمشق لدراسة إمكانية إعادة تشغيل أنبوب النفط العراقي الذي ينقل الخام عبر سورية إلى موانئ البحر المتوسط. وذكر أن مباحثات الوفد العراقي برئاسة رئيس جهاز الاستخبارات الوطني حميد الشطري، تشمل "التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز الترتيبات المتعلقة بتأمين الشريط الحدودي المشترك من أي خروقات أو تهديدات محتملة، وتوسعة فرص التبادل التجاري"، كما تشمل "إمكانية تأهيل الأنبوب العراقي لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ المتوسط". وأكدت وكالة الأنباء العراقية (واع)، قبيل الزيارة، أن الوفد سيناقش دعم العراق لوحدة وسيادة الأراضي السورية، وحرصه على استقرار سورية باعتبار ذلك ضرورة لأمن العراق الوطني ولأمن المنطقة عموماً.

وكان السوداني شدّد، الأربعاء الماضي، على أهمية دعم أمن سورية واستقرارها، مؤكداً على ضرورة عدم التدخل في شؤون سورية الداخلية، والعمل من أجل تحقيق الأمن والسلام في عموم المنطقة. كما اعتبر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، قبل أيام، أن دعم استقرار سورية مهم لكل من العراق وأوروبا.

ناريكشين: الاجتماع مع المسؤول الروسي بباكو كان ودياً

وتواصل "العربي الجديد"، مع مصدر مسؤول عراقي على إطلاع بمجريات الزيارة، وقال إن "الوفد العراقي ضم بعض وزراء الحكومة العراقية"، مؤكداً أن وزيراً عراقياً سلّم القيادة السورية دعوة الشرع إلى بغداد لحضور القمة العربية المقبلة المقررة في 17 مايو/أيار المقبل. كما أكد أن ملفات الحدود، ومخيم الهول شرق سورية حيث تحتجز الآلاف من عائلات تنظيم "داعش"، والإرهاب، والتعاون الأمني، وتبادل المطلوبين، وإعادة فتح المنافذ الحدودية بين البلدين، تصدرت المباحثات، وأن زيارة الوفد العراقي بعد دمشق، ستكون إلى بيروت.

وكانت وزارة الداخلية السعودية، أعلنت أنها استضافت وفداً أمنياً سورياً، بين 14 و16 إبريل الحالي، "في إطار جهود المملكة في دعم حكومة الجمهورية العربية السورية، لتحقيق الأمن والاستقرار في سورية"، بحسب الوزارة. ويوم الأربعاء الماضي، بحث رئيس هيئة الأركان الأردنية المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي في دمشق، مع وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، آفاق التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، وفق موقع القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، حيث أكد الحنيطي أهمية مواصلة التنسيق والعمل المشترك لمواجهة التحديات المختلفة التي تشهدها المنطقة والإقليم من خلال تسخير الإمكانات والقدرات التي تمتلكها القوات المسلحة الأردنية في مختلف المجالات، وبشكل يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار خاصة في ظل التحديات التي تشهدها المناطق الحدودية، لتعزيز الأمن الوطني للبلدين الشقيقين.

ولم يقتصر التواصل الأمني مع دمشق على الدول العربية الجارة، حيث كشف رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرغي ناريشكين، أمس، أنه عقد "اجتماعاً بناءً وودياً" مع ممثل لأجهزة الاستخبارات السورية، الأسبوع الماضي في باكو. ووصف ناريشكين اللقاء، وفق وكالة تاس، والذي جرى على هامش مؤتمر حول أفغانستان، بالودود. وكانت صحيفة نيويورك تايمز، نشرت قبل أيام مقابلة مع الشرع، لمح خلالها إلى إمكانية حصول دمشق على دعم عسكري من روسيا مستقبلاً، كما أشار إلى أن الأسلحة السورية تاريخياً مصدرها الاتحاد السوفييتي السابق. واعتبر في المقابلة، أن "أي فوضى في سورية ستلحق الضرر ليس فقط بالدول المجاورة، بل بالعالم بأسره".

إلى ذلك، رفع وزير الخارجية السوري أحمد الشيباني أمس، العلم السوري الجديد، أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك، بصفته أرفع مسؤول سوري من السلطة الجديدة يزور الولايات المتحدة، والمقر الأممي، علماً أن وفداً من المسؤولين السوريين (وزير المالية محمد يُسر برنية وحاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر حصرية) سافر إلى الولايات المتحدة خلال الأسبوع الحالي، لحضور اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، واجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك. ولم يتضح بعد ما إذا كان مسؤولو إدارة الرئيس دونالد ترامب سيلتقون بالشيباني خلال الزيارة.

في غضون ذلك، كشفت واشنطن مجدداً، أول من أمس، عن أنها قد تخفف العقوبات على سورية إذا اتخذت القيادة السورية وحكومة دمشق خطوات في بعض الملفات، بحسب كبير مسؤولي مكتب شؤون الشرق الأدنى بالخارجية تيم ليندركينغ، خلال مشاركته بندوة للمجلس الوطني للعلاقات العربية الأميركي. وأكد أن العقوبات على سورية مستمرة، ولكن ثمة إمكانية لتقديم مرونة "في حال أظهرت السلطة الانتقالية في دمشق تغييراً، فنحن نبحث عن فرصة لبناء الثقة". وأوضح أن توفير معلومات موثوقة عن الأميركيين المحتجزين أو المفقودين في السجون السورية، يعد من المتطلبات الأساسية لواشنطن "المصممة والحازمة" أيضاً على منع إيران وحزب الله اللبناني، من إعادة توطيد وجودهما في سورية، وأنها تطلب ضمانات بهذا الشأن. ودعا دمشق إلى مواصلة جهودها في مكافحة الإرهاب وضرورة التخلص من الأسلحة الكيميائية واعتماد مبادئ عدم الاعتداء على الدول المجاورة، مطالباً بعزل "المقاتلين الأجانب" من المناصب الحكومية.

الوفد العراقي ضم بعض وزراء الحكومة العراقية

وحول طبيعة الزيارة العراقية، رأى الباحث فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن العلاقات السورية العراقية تبدو في الوقت الحالي باهتة، أو أنها علاقات الأمر الواقع بحكم الحدود المشتركة بين الطرفين، والتخوفات الأمنية لديهما، خصوصاً من الجانب السوري. وأعرب عن اعتقاده بأن هناك عدم ثقة بين الطرفين، خصوصاً بشأن الأمور الأمنية، وذلك بسبب تورط المليشيات العراقية في سورية خلال الفترة الماضية، ودعم الحكومات العراقية للنظام السوري السابق بشكل أو بآخر. ورأى أن العلاقات حالياً تحكمها الضرورة بسبب الحدود المشتركة، ووجود لاجئين سوريين في العراق، وأيضاً معتقلين عراقيين مرتبطين بداعش في سورية. وأضاف أن التنسيق الأمني يتركز على نشاط "داعش" في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) حيث يدرك العراق أن ملف التنظيم سيكون في الفترة المقبلة بيد الحكومة السورية، وهم يسعون للتنسيق مع القيادة السورية على هذا الصعيد. ويضاف إلى ذلك، وفق رأيه، التنسيق المشترك لمكافحة التهريب عبر الحدود.

وجدّد علاوي قوله إن المشكلة الأساسية هي عدم وجود ثقة بين الطرفين، وهو ما يؤخر عملية التنسيق، معرباً عن اعتقاده بأن الفترة المقبلة ستشهد تنسيقا أمنياً فقط عبر الحدود، إلا إذا حدث تطور إيجابي في العلاقات خلال القمة العربية، إذا حضرها الشرع، ما قد يمهد لانطلاقة أوسع في العلاقات.

ترتيب العلاقات مع القيادة السورية الجديدة

وعلى صعيد أوسع نطاقاً، أعرب المحلل السياسي غازي دحمان، لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن هذه اللقاءات، ليست منسقة، بل تتم وفق الاعتبارات الخاصة بكل بلد. وأضاف دحمان أنه لدى الدول العربية المجاورة لسورية، لبنان والأردن والعراق، مخاوف وتوجسات أمنية، تسعى إلى حلّها مع الحكم الجديد في دمشق، وباتجاه ترتيب العلاقة المستقبلية في كل المجالات، بعد عقود من حكم آل الأسد، حيث شاب العلاقة مع هذه الدول خلال الفترة الماضية، الكثير من التوترات، ونشأت أوضاع غير صحية على الحدود، مثل تهريب المخدرات، وانسياب حركة المسلحين، بينما تتجه الحكومة في دمشق إلى اتخاذ توجهات جديدة مغايرة، وهو ما يرتب تكثيف اللقاءات من أجل إعادة ترتيب العلاقات، انطلاقاً من حلّ المشكلات الأمنية، وصولاً إلى المجالات الأخرى، السياسية والاقتصادية.

من جهته، رأى العميد فايز الأسمر، المنشق عن جيش نظام الأسد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "مما لا شكّ فيه أن الوضع والتحديات الأمنية الداخلية والخارجية (إسرائيل والفلول وبقايا مليشيات إيران وحزب الله) تأخذ حيّزاً كبيراً من اهتمامات القيادة السورية الجديدة، ودول الجوار، لأن الاستقرار الميداني والأمني في سورية سينعكس بصورة إيجابية على دول الجوار، وعلى الإقليم ككل". وأضاف: "لذلك نرى في الفترة الأخيرة وفوداً أمنية وعسكرية عربية وصديقة تزور دمشق من أجل البحث مع القيادة السورية والحكومة الانتقالية في ملفات التنسيق الأمني وتبادل المعلومات الاستخبارية ومكافحة المنظمات والأعمال الإرهابية والتركيز بشكل خاص على سلامة وأمن الحدود ومنع تهريب المخدرات والسلاح والبشر عبر الحدود الطويلة مع دول الجوار". وبرأيه، فإن "مدلول هذه اللقاءات يؤشر بالطبع على مدى اهتمام دول الجوار باستقرار وأمن سورية، إضافة إلى التباحث مع القيادة السورية في الملفات المختلفة ذات الاهتمام المشترك".

رشيد حوراني: اللقاءات تأخذ الطابع الأمني والعسكري

وبشأن الاجتماع السوري الروسي تحديداً، اعتبر الخبير في العلاقات الروسية، طه عبد الواحد، لـ"العربي الجديد"، أنه "في أغلب الظن فإن المسؤولين الأمنيين، الروسي والسوري، بحثا جملة قضايا تتعلق بالتنسيق الأمني الاستخباري بين البلدين، إذ لدى روسيا، كما عدد من الدول الأخرى، مخاوف بشأن المقاتلين الأجانب ضمن صفوف الجيش وقوات الأمن التابعة للسلطات السورية الجديدة، وهناك عدد من هؤلاء إما مواطنون روس في جمهوريات ضمن روسيا الاتحادية، مثل داغستان والشيشان وغيرهما، أو مواطنون من جمهوريات آسيا الوسطى". وأعرب عن اعتقاده بأن ناريشيكن طرح خلال المحادثات مع المسؤول الأمني السوري، مسألة مصير هؤلاء ومدى قدرة السلطات السورية على ضبطهم ومنعهم من الانتقال إلى مناطق أخرى، لاسيما إلى روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى، لممارسة أي نشاط يصنّف في تلك الدول على أنه "تطرف أو عمل إرهابي". ولم يستبعد أن ناريشكين بحث مع المسؤول الأمني السوري إمكانية التنسيق في هذا الملف، إضافة إلى ملفات أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر، استماعه من محاوره السوري، بشأن تقديراته حول الوضع الأمني داخل سورية، وطرح في هذا السياق بعض التقديرات الروسية. واعتبر أن "هذا اللقاء يشكل خطوة إضافية على درب إعادة رسم العلاقات بين موسكو ودمشق بعد سقوط نظام الأسد".

من جهته، قال الباحث في مركز "جسور" للدراسات، رشيد حوراني، إن اللقاءات والاجتماعات مع القيادة السورية تأخذ الطابع الأمني والعسكري، وتتميز بسمة رئيسية هي سعي الحكومة السورية إلى الحفاظ على المكتسبات التي تحققت. وأضاف حوراني في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماعات تحصل مع أطراف مختلفة، ومنها ما يتعلق بالأمن الدولي ومنها ما يتعلق بالأمن القومي لبعض البلدان. وقدّم مثالاً الأردن، الذي قال إن "النقاشات معه قد تكون تناولت مسألة تهريب المخدرات وتأمين الحدود الأردنية بالتعاون مع الجانب السوري، إضافة إلى موقف الدولة الجديدة من نشاط جماعة الإخوان المسلمين التي قد تشكل تهديدا بالنسبة للأردن". أما بالنسبة إلى اجتماع أذربيجان، فقد يكون الروس، وفق رأيه، أوصلوا رسالة عن طريق أذربيجان نظرا لرفع سقف المطالب السورية أمام روسيا، مضيفاً أنه "على الأرجح، فإن الجانب الأبرز في تلك اللقاءات وخصوصاً مع العراق وفي أذربيجان، هو مسألة الخلفية الجهادية للرئيس (السوري أحمد الشرع) والمقاتلين الأجانب التي تتخوف منها الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل، والعمل على إيجاد ضمانة لضبطهم وتطمين من يتخوف منهم".

 

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية