
عربي
بعد نحو عشر سنوات على احتجازه في لبنان، قرر القضاء اللبناني اليوم الجمعة الإفراج عن هنيبال القذافي، نجل العقيد الليبي الراحل معمّر القذافي. وأفادت "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسمية اللبنانية بأن المحقق العدلي في قضية خطف وإخفاء الإمام موسى الصدر، القاضي زاهر حمادة، وافق على إخلاء سبيل هنيبال القذافي مقابل كفالة قيمتها 11 مليون دولار ومنعه من السفر. وجاء القرار بعد جلسة استجواب استمرت نحو ساعتين. ومنذ أن ألقي القبض على هنيبال القذافي في لبنان في ديسمبر/كانون الأول 2015، صار اسمه من بين أبرز الأسماء التي تتصدر العناوين المشتركة بين بيروت وطرابلس.
وخلال نحو عقد من الزمن، ظلت قصة هنيبال القذافي ترسم خيوطاً متشابكة بين السياسة والقضاء، محملة بظل إرث والده الثقيل، وتحديداً بقضية لا تزال تثير الجدل منذ أكثر من أربعة عقود، هي قضية اختفاء الإمام اللبناني موسى الصدر ورفيقيه، الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، في ليبيا عام 1978، التي باتت تشكل عقدة تاريخية في العلاقات اللبنانية الليبية.
تاريخ هنيبال القذافي
ولد هنيبال في طرابلس عام 1975، في مرحلة صعود والده إلى قمة السلطة، ونشأ داخل أسرة كانت تمسك بمفاصل الدولة الليبية، وتلقى تعليمه في الأكاديمية البحرية بالعاصمة، قبل أن يوفد إلى الخارج. وفي مطلع الألفية الجديدة، بدأ اسمه يبرز إلى جانب شقيقه الأكبر سيف الإسلام باعتباره أحد أبرز أبناء القذافي نفوذاً داخل النظام، إذ تولى قيادة إحدى الكتائب الأمنية التابعة لوالده، وترقى سريعاً حتى بلغ رتبة فريق عشية اندلاع ثورة فبراير 2011، التي شارك في قمعها ضمن صفوف القوات الموالية للنظام.
وبعد سقوط حكم والده ومقتله، غادر ليبيا مع أفراد من العائلة متنقلاً بين الجزائر وسلطنة عمان وسورية، حيث منح صفة لاجئ سياسي لدى نظام بشار الأسد. وفي ديسمبر 2015، قرر هنيبال كسر عزلته في دمشق والعبور إلى لبنان، لتبدأ مرحلة جديدة من حياته، إذ أوقفته السلطات اللبنانية على خلفية التحقيق في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، التي تُعتبر من أكثر الملفات حساسية في العلاقة اللبنانية مع ليبيا، إذ يُتهم العقيد الراحل معمر القذافي بإخفاء الصدر خلال زيارة رسمية كان يؤديها الأخير إلى ليبيا سنة 1978، ما أدى إلى قطيعة سياسية طويلة بين البلدين، وفتح سجالاً واسعاً حول مصيره ومكان دفنه. وبقي الملف منذ ذلك الحين مفتوحاً أمام القضاء اللبناني، وتوارثته أجيال من المحققين العدليين من دون الوصول إلى نتيجة حاسمة.
أوقفت السلطات اللبنانية هنيبال القذافي في عام 2015 على خلفية التحقيق في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه
وإثر اعتقال هنيبال، وجّه القضاء اللبناني إليه تهمة "كتم معلومات" عن مصير الصدر ورفيقيه. ورغم أنه لم يكن قد تجاوز العامين من عمره عند وقوع الحادثة، إلا أنه بقي في عهدة فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي، متنقلاً بين جلسات التحقيق من دون صدور حكم نهائي بحقه. وطوال السنوات الأولى من اعتقاله، لم تبد الحكومات الليبية المتعاقبة اهتماماً كبيراً بقضيته، رغم مناشدات متكررة من قبيلة القذاذفة، لكن مع دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله، وما رافق ذلك من تدهور صحي استدعى نقله إلى المستشفى أكثر من مرة، تصاعد الاهتمام الإعلامي والدبلوماسي بالقضية. وأصدرت وزيرة العدل في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، حليمة البوسيفي، تصريحات عدة دعت فيها إلى الإفراج عنه، معتبرة أن القضية يجب أن تحل في إطار قانوني متكافئ بين البلدين.
متابعة ليبية للملف
وفي يونيو/ حزيران 2023، أعلن المجلس الرئاسي تشكيل لجنة خاصة لمتابعة وضعه برئاسة البوسيفي، فيما أكد رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة في تصريحات صحافية أنه بحث الملف هاتفياً مع رئيس الوزراء اللبناني (حينها) نجيب ميقاتي، وأن اللجنة ستتوجه إلى بيروت لمتابعة الإجراءات. وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أصدرت وزارة العدل بياناً حمّلت فيه السلطات اللبنانية المسؤولية عن سلامته، مشيرة إلى مذكرة رسمية أرسلت منذ إبريل/نيسان الماضي تتضمن عرضا قانونيا لإنهاء القضية. كما تابعت منظمات حقوقية عدة، بينها "هيومن رايتس ووتش"، قضيته، ودعت إلى الإفراج عنه باعتبار أن استمرار احتجازه يخالف المعايير الدولية للمحاكمة العادلة. وفي يناير/كانون الثاني 2024، وجهت المنظمة بياناً جديداً إلى السلطات اللبنانية لتجدد مطالبتها بإطلاق سراحه، ثم عادت في أغسطس/آب الماضي، بعد زيارة ميدانية أجراها أحد باحثيها إلى مكان احتجازه لتؤكد موقفها السابق.

أخبار ذات صلة.

الشرع وزيارة الضرورة
العربي الجديد
منذ 25 دقيقة