بنوك غزة تعود إلى الحياة... فهل ستقدّم كل الخدمات المصرفية؟
عربي
منذ يوم
مشاركة
بعد مرور عامين على الحرب التي دمرت كل ملامح الحياة الاقتصادية في قطاع غزة المنكوب، بدأت بنوك غزة بالعودة إلى العمل تدريجياً، في خطوة مهمة للمواطنين الذين يعانون من أزمة سيولة خانقة وسوق سوداء فاقمت من معيشتهم. وتحوّل معظم القطاع المالي الذي شكّل لسنوات شريان الاقتصاد الغزّي إلى ركام بفعل القصف والتدمير والنهب، ولم يتبق سوى عدد من فروع المصارف التي يحتاج بعضها إلى إعادة تأهيل. وأبلغت سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي)، المصارف العاملة في قطاع غزة بالبدء في تقديم الخدمات المالية والمصرفية للجمهور اعتباراً من صباح أمس الخميس، وذلك وفقاً لجاهزيتها الفنية والتشغيلية. وقال بيان لسلطة النقد إن عملية إعادة تشغيل الفروع المصرفية ستتم بشكل تدريجي ومرحلي، حيث سيتم في المرحلة الأولى تشغيل عدد محدود من الفروع وفق جاهزيتها، على أن يتم الإعلان تباعاً عن الفروع الأخرى التي ستدخل الخدمة وفقاً لخطط إعادة التأهيل. وأغلقت البنوك والمؤسسات المصرفية في قطاع غزة أبوابها في اليوم الأول للعدوان في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولم تفتحها حتى خلال فترات الهدن نتيجة غياب الأمن والظروف الميدانية المعقدة وما تسببت فيه حرب الإبادة التي شنّتها دولة الاحتلال على القطاع. وكان يعمل في القطاع 11 مصرفاً محلياً وأجنبياً، فضلاً عن بنكين محليين غير معترف بهما يتبعان للحكومة التي كانت تديرها حركة حماس. سوق سوداء خلال فترة الحرب، لم تؤدِّ سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي) دورها الرقابي والإشرافي بالشكل المطلوب، الأمر الذي فتح المجال أمام السوق السوداء لتتحكم في حركة الأموال وتفرض سطوتها على عمليات السحب والتحويل والصرف، بعمولات تجاوزت 52% على سحب الأموال من الحسابات البنكية. هذه النسبة الصادمة جعلت كثيرين يفقدون مدخراتهم، واضطر التجار والمواطنون إلى التعامل بشروط مجحفة فرضها واقع الانهيار المالي. وعادت أزمة النقد لتتجلى مجدداً في الأسابيع الأخيرة، مع انتشار العملات القديمة والتالفة في الأسواق، بعد أن بدأ تجار محليون بجمعها وتصديرها إلى إسرائيل مقابل تحويل قيمتها إلكترونياً، ما أدى إلى تراجع الكميات المتوفرة من النقد المحلي وتفاقم أكبر لأزمة السيولة. وحسب تقرير التقييم السريع والمؤقت للأضرار والاحتياجات، الذي أعده بشكل مشترك البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن العدوان الإسرائيلي أدى إلى انهيار شبه تام للقطاع المالي والمصرفي في غزة، نتيجة لتدمير الفروع والمكاتب الإدارية والصرافات الآلية ومراكز البيانات المالية. وذكر التقرير أن إعادة بناء هذا القطاع الحيوي ستتطلب نحو 42 مليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، ستخصص لإعادة تأهيل البنية التحتية وتوسيع المدفوعات الرقمية والخدمات المالية ومعالجة نقص السيولة والحفاظ على تدفق التحويلات المالية إلى جانب إصلاح شامل للنظام النقدي بعد انتهاء الحرب وإزالة الأنقاض. وقال مصدر مطلع داخل سلطة النقد لـ"العربي الجديد" إن حجم الدمار الذي لحق بالمؤسسات المصرفية "فاق كل التوقعات"، مشيراً إلى أن الفرق الفنية التابعة لسلطة النقد وضعت تصوراً أولياً لإعادة تأهيل شبكة الفروع والصرافات الآلية، لكن التحدي الأكبر هو الوصول لتفاهمات مع سلطات الاحتلال بهذا الجانب. ولفت المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن أي تحرك فعلي لاستئناف العمل المصرفي لن يكون ذا جدوى ما لم تُحل مشكلة السيولة أولاً. الثقة المفقودة من جهته، أكد المختص في الشأن الاقتصادي عماد لبد، أن نحو 95% من البنية المصرفية في غزة خرجت عن الخدمة بفعل الدمار الكلي أو الجزئي الذي طاول المقار الإدارية والخزائن والمستودعات المالية. وقال لبد في حديث لـ"العربي الجديد": "التقارير تقدّر تكلفة إعادة تأهيل المباني والمعدات المصرفية بنحو 14 مليون دولار، بينما تجاوزت خسائر إغلاق البنوك وتوقف النشاط المالي وتجميد الائتمان 300 مليون دولار، ما يعني أن إعادة الإعمار المالي يتطلب استجابة عاجلة وخطة مدروسة تتناسب مع حجم الكارثة". وأوضح أن إعادة إنعاش القطاع المالي في غزة لا يمكن أن يتحقق دون خطة شاملة لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والمصارف، بعد أن تآكلت بفعل سنتين من الغياب الكامل والاضطرار للتعامل مع قنوات غير رسمية وخسائر كبيرة للعملاء. وأشار لبد إلى أن الخطوة الأولى في هذا المسار تتمثل في تأمين السيولة النقدية وضمان عودة التدفقات النقدية إلى السوق بشكل منتظم عبر القنوات الرسمية، بجانب إعادة تأهيل مقرات البنوك وتجهيزها بالبنية التحتية التكنولوجية الحديثة، خصوصاً مع الحاجة إلى إدخال أنظمة دفع رقمية متطورة لتقليل الاعتماد على النقد الورقي، ضمن خطة الشمول المالي التي دعت إليها سلطة النقد منذ سنوات. وفي ظل بدء عودة الحركة التجارية تدريجياً ودخول الشاحنات إلى القطاع، فإن سرعة إعادة تشغيل البنوك تمثل شرطاً أساسياً لإحياء الاقتصاد الغزي، وضمان دوران رأس المال وتسهيل التعاملات التجارية، فبدون نظام مالي قوي ومستقر ستظل غزة رهينة الفوضى النقدية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية