الحرف التقليدية الفلسطينية: جهود محلية تحاول إنعاش القطاع
عربي
منذ يومين
مشاركة
شهدت مدن الضفة الغربية توقفاً شبه كامل للنشاط الحرفي التقليدي خلال حرب الإبادة، وتحت وطأة خطة الضم الإسرائيلية، إذ وصل عدد السياح إلى أرقام صفرية، وفق بيانات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية. هذا الشلل أدى إلى إغلاق معظم المشاغل الحرفية، خصوصاً في بيت لحم وبيت ساحور، اللتين تُعدان محطتين أساسيتين للسياحة الدينية والحجاج المسيحيين على مدار العام. قبل الحرب، بلغ عدد المشاغل في المدينتين 545 مشغلاً، كانت النسبة الكبرى منها تعمل في الحفر على خشب الزيتون، لكنها اليوم مغلقة بالكامل. يقول أسامة استيتي، مدير عام الحرف السياحية في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، لـ"العربي الجديد"، إن قطاع الحرف التقليدية تضرر بشكل كبير جراء الحرب، إذ غاب السياح تماماً، وتعذر التصدير إلى الخارج، وتفاقمت مضايقات الاحتلال اليومية والحواجز التي تعيق حتى السياحة الداخلية. هذا الواقع دفع الحرفيين للبحث عن أعمال أخرى، ما يُهدد بقاء هذه الحرف التي تُعد منتجاً عائلياً، فإذا لم تُتوارث فستندثر. ويشير استيتي إلى أن ما يعانيه هذا القطاع اليوم يأتي ضمن سلسلة أزمات متلاحقة منذ خمس سنوات، بدأت مع جائحة كوفيد. تُعتبر الحرف التقليدية جزءاً لا يتجزأ من عناصر التراث الثقافي غير المادي الفلسطيني، والمهددة دوماً تحت الاحتلال الإسرائيلي. ومن أبرز هذه الحرف الحفر على خشب الزيتون، إذ يؤكد استيتي على "قدسية شجرة الزيتون ودلالاتها الدينية والثقافية لدى الشعب الفلسطيني"، وتشتهر بها مدينتا بيت ساحور وبيت لحم، إلى جانب صناعات حرفية أخرى مثل الخزف والزجاج التي تُعرف بها مدينة الخليل. ويضيف استيتي أن "فلسطين معروفة بالحرف المرتبطة بالسياحة الدينية، فهي أرض مقدسة وعنوان للديانتين المسيحية والإسلامية، وحرفها ذات وجود تاريخي وأثري راسخ، خصوصاً الحفر على خشب الزيتون الذي يُعد الأهم إقليمياً وعالمياً"، مذكّراً بأن بيت ساحور صُنفت من قبل مجلس الحرف العالمي "المدينة الحرفية الأولى في العالم عام 2020"، كما نالت الخليل التصنيف نفسه عام 2019. تعمل وزارة السياحة على دعم المنتج السياحي وتسويقه وتطويره في فلسطين بوصفه أحد عناصر الجذب في بلدٍ يتميز بتاريخه العريق. ويوضح استيتي أن "الحرف التقليدية لا تختلف عن الحرف السياحية إلا من حيث الإقبال، فالثانية هي الأكثر طلباً من الزائرين، ويجب المحافظة عليها وتطويرها لصنع تجربة ناجحة للسائح تتيح له التعرف على المكونات الثقافية الفلسطينية كافة". تضم اللائحة الوطنية لعناصر التراث الثقافي غير المادي أكثر من 86 عنصراً وفق تصنيفات وزارة الثقافة الفلسطينية، بينها 28 حرفة تقليدية. أما وزارة السياحة فقد حصرت الحرف السياحية في 14 حرفة رئيسية، منها التطريز الفلاحي، الذي يوضح استيتي أنه "يتضمن 28 غرزة مستوحاة من التراث الثقافي والاجتماعي الفلسطيني منذ أقدم العصور حتى اليوم، وقد تطور لكنه حافظ على طابعه وهويته". وتشمل الحرف الأخرى الشمع والفخار والقش والجلد والبسط والصابون، وجميعها منتجات مرغوبة سياحياً وتُستخدم أيضاً في البيوت والزينة والهدايا. قبل الحرب، كانت 80% من هذه الصناعات تُصدر إلى الخارج، خصوصاً إلى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بينما تُباع 20% منها محلياً. حالياً، تعمل الجهات المعنية بالمنتج السياحي على تطوير هذه الحرف لتصبح جزءاً من الاحتياجات اليومية للمواطن الفلسطيني — في الأثاث والمطبخ، لا في الزينة فقط — مع ترويجها رقمياً، وإشراك الحرفيين في مهرجانات عالمية مثل مهرجان أوزبكستان للصناعات التقليدية ومهرجان سانتافي في الولايات المتحدة، إضافة إلى بازارات عيد الميلاد المجيد حول العالم. في مدينة بيت ساحور، المصنفة مدينةً حرفيةً عالميةً والواقعة ضمن محافظة بيت لحم، والمعروفة بـ"مدينة الرعاة" نسبة إلى البشارة بميلاد السيد المسيح فيها، تتجلى أزمة القطاع بوضوح. فالمدينة التي كانت تستقطب الحجاج المسيحيين، باتت شبه خالية، تفقد شيئاً فشيئاً مكوناتها السياحية، خصوصاً مشاغل الصناعات اليدوية من خشب الزيتون (290 ورشة) والصدف (18 ورشة) والتطريز (6 ورش) وورشتين للشمع والفسيفساء. في بيت ساحور، تأسس مسار فلسطين التراثي عام 2013 بمبادرة من اتحاد مؤسسات أهلية عاملة في مجال السياحة المجتمعية. من بين مشاريعه دعم الحرف التقليدية، وهي اليوم حاجة ماسّة أكثر من أي وقت مضى. يقول جورج رشماوي، المدير العام للمؤسسة، إنهم "خصصوا 60 منحة لمؤسسات وأفراد ومزودي خدمات سياحية، قيمة كل منها 20 ألف دولار، بدعم من البنك الدولي، وكانت الصناعات الحرفية جزءاً أساسياً من المنح". كما دُعِمَ 17 حرفياً من أصل 40 مشروعاً في مجالات الفسيفساء والسيراميك وخشب الزيتون، بالتعاون مع جامعتي بيت لحم وبيرزيت. ويضيف رشماوي: "نعمل على دعم هذه الصناعات التي تشكل تراثنا وهويتنا، ومن الضروري تسويقها خارجياً وتصديرها في ظل ضعف الطلب المحلي. فهي صناعات أساسية تشغّل عدداً كبيراً من الأيدي العاملة، ما يساعدهم على الصمود والاستمرار رغم الظروف الصعبة". في خضم ذلك، وُلدت فكرة تأسيس جمعية كنوز في بيت ساحور في أيلول/سبتمبر 2024، لدعم الحرفيين الذين اضطروا إلى إغلاق مشاغلهم، ما يهدد بانقراض الحرف التقليدية. يقول خضر هواش، عضو مؤسس في مجلس إدارة الجمعية، لـ"العربي الجديد": "نشأت الجمعية بهدف تطوير الحرف التقليدية والحفاظ على وجودها واستمراريتها، وخدمة الحرفيين المتضررين من الحرب الذين فقدوا فرص الاستمرار". ويضيف: "نعمل حالياً مع مؤسسات دولية لتدريب طلاب جامعة بيرزيت في كلية الفنون على صناعة خشب الزيتون وتصميم منتجات جديدة، ونطور آليات التسويق للحرفيين، ونستعد لإطلاق منصة رقمية لتسويق منتجاتهم". هواش، وهو أحد الحرفيين القدامى، كان يدير مع أخيه مشغلاً يعمل فيه عشرة عمال، لكنه اليوم يكتفي بعاملين فقط يتناوبان معه خلال الأسبوع. تعلم الحرفة في الثانية عشرة من عمره ونقلها إلى ابنه، قبل أن يؤسس جمعية كنوز للحفاظ على هذه الصناعة التي تُعد من أقدم الحرف الفلسطينية، إذ تعود إلى القرن الرابع الميلادي.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية