"ستارت-3"... ما مصير معاهدة الأسلحة الاستراتيجية؟
عربي
منذ 8 ساعات
مشاركة
مع استمرار العد التنازلي لانقضاء مدة معاهدة الحدّ من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت-3) بين أكبر قوتين نوويتين؛ روسيا والولايات المتحدة، في فبراير/ شباط المقبل، لا يزال الغموض سيد الموقف في ظل إحجام واشنطن عن قبول أو رفض المقترح الروسي بشأن الالتزام بالقيود العددية النابعة من المعاهدة لمدة عام آخر بعد انتهاء مدتها، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت القمة المرتقبة بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، في العاصمة المجرية بودابست، ستُفضي إلى انفراجة في هذه المسألة أم ستقتصر على تناول التسوية الأوكرانية. ونصّت المعاهدة الموقّعة في عام 2010 على تقليص عدد الرؤوس الحربية النووية لدى كل طرف إلى 1550، والصواريخ البالستية العابرة للقارات والصواريخ البالستية التي تُطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة إلى 700 قطعة، وعدد منصات الإطلاق والقاذفات الثقيلة إلى 800 قطعة. مصير ستارت-3 ورغم أن بوتين أعلن في فبراير 2023 عن تعليق العمل بمعاهدة ستارت-3، إلا أن بعضاً من أحكامها، بما فيها تلك المتعلقة بإجراءات الثقة، يسري مفعولها حتى فبراير 2026، فيما تكمن أهمية المعاهدة وخطورة إبطال مفعولها نهائياً في أنها تظل الاتفاقية الأخيرة التي من شأنها فرض قيود على القوة العسكرية للقوتين، المستحوذتين مجتمعتين على نحو 90% من الترسانة النووية العالمية. بيد أن النقاط المتعلقة بتعزيز إجراءات الثقة الرامية إلى الحفاظ على الاستقرار العالمي، تقتضي إخطار الطرف الآخر بعمليات إطلاق الصواريخ والنشر المكشوف للطيران الاستراتيجي، وهو ما حرم روسيا من إيداع قاذفاتها بحظائر خرسانية، وشكّل ثغرة لأوكرانيا لشن هجمات على عدة مطارات تحتضن طائرات استراتيجية بواسطة مسيّرات (FPV) (أي التي يديرها شخص على الأرض) مطلع يونيو/ حزيران الماضي، ما زاد من الشكوك في عزم روسيا نفسها لتمديد المعاهدة. فاديم ماسليكوف: أتوقع التوصل إلى اتفاق بشأن تمديد معاهدة ستارت-3 أو إبرام أخرى جديدة مع ذلك، يتوقع فاديم ماسليكوف، الأستاذ المساعد في قسم التحليل السياسي في جامعة بليخانوف الاقتصادية الروسية، أن يُتوصّل إلى اتفاق بشأن تمديد معاهدة ستارت-3 أو إبرام أخرى جديدة، مرجعاً ذلك إلى إدراك الطرفين مخاطر انطلاق حلقة جديدة من سباق التسلح بلا رقابة. ويقول ماسليكوف في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك احتمال كبير أن يُتوصّل إلى اتفاق بشأن تمديد ستارت-3 بصورة أو بأخرى، إذ إن الانهيار النهائي للمعاهدة ينذر بنشوب تداعيات من قبيل فقدان البوصلة في مسيرة تطوير الأسلحة الاستراتيجية، فيما سيؤدي التوقف عن التفتيش المتبادل إلى نشوب ما قد يراه كل طرف تهديداً، حتى لو كان في الحقيقة عارياً من الصحة، ما يعني أن كل طرف سيضع استراتيجيته العسكرية انطلاقاً من السيناريو الأسوأ لتطور الأحداث". ويحذّر من مغبة الانهيار النهائي للمعاهدة، مضيفاً: "سيشكل ذلك حافزاً لإطلاق برامج طويلة الأجل لتحديث وتطوير أسلحة فتاكة حديثة، ما يمهد لانطلاقة سباق تسلح جديد، لا سيما في مجال الأسلحة الاستراتيجية، بما فيها أسلحة فرط صوتية تعتمد على استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أو تُنشر في الفضاء". ويضيف ماسليكوف: "غياب معاهدة منظمة للرقابة على الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، سينهي عهد العلاقات المتفق عليها في مجال الاستقرار الاستراتيجي الذي دام لأكثر من نصف قرن، وسيؤدي إلى تفاقم حالة انعدام الثقة بل فوضى نووية ستُدخل العالم مرحلة غير قابلة للتنبؤ بلا قواعد متعارف عليها في مجال تطوير أسلحة الدمار الشامل، ما يعني أن أي أزمة إقليمية قد تتحوّل إلى كارثة عالمية". من جهته، يرى الأستاذ المساعد في قسم النظرية السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن معاهدة ستارت-3 قد عفا عليها الزمن، نظراً لتطوير أنواع جديدة من الأسلحة منذ إبرامها، معتبراً أن استمرارية مفعولها أصبحت لها في الفترة الأخيرة دلالات رمزية أكثر منها عملية. ويقول كوكتيش لـ"العربي الجديد": "نظراً لكونها آخر وثيقة تحدد معايير الاستقرار الدولي الاستراتيجي، أصبحت أهمية معاهدة ستارت-3 رمزية أكثر منها عملية، إذ إن كثيراً من أحكامها قد عفا عليها الزمن نظراً لتطوير أنواع جديدة من الأسلحة غير المشمولة بالنسخة الحالية من المعاهدة". وحول رؤيته لمدى واقعية تمديد المعاهدة قبل انقضاء مدتها، يشير إلى أنه "تستغرق عملية إعداد وتوقيع المعاهدات مثل ستارت-3 وقتاً طويلاً يصل إلى عام كامل، وإن كان يمكن إنجاز مثل هذا العمل على وجه السرعة في حال توفرت الإرادة السياسية، خصوصاً أن روسيا تقترح تمديد المعاهدة بنسختها السابقة لمدة عام، فالمطلب الأميركي بإشراك الصين في معاهدة جديدة ليس منطقياً، نظراً لكون ترسانتها النووية أقل كثيراً من مثيلتيها الروسية والأميركية". وكانت روسيا قد أصدرت في الأشهر الأخيرة سلسلة من الإشارات بخصوص إمكانية تمديد "ستارت-3"، إذ لم يستبعد بوتين عشية قمته مع ترامب في ولاية ألاسكا الأميركية في 15 أغسطس/ آب الماضي، احتمال التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن الرقابة على الأسلحة الهجومية الاستراتيجية. كما حذر بوتين خلال اجتماع عقده مع مجلس الأمن الروسي في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، من أن انتهاء سريان مفعول معاهدة ستارت-3 في فبراير 2026 سيعني اختفاء آخر اتفاقية في مجال القيود المباشرة على الأسلحة النووية والصاروخية، مؤكداً استعداد روسيا للالتزام بالقيود العددية على الأسلحة النابعة من المعاهدة، لمدة عام آخر بعد انتهائها. وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، هو الآخر، عن قناعته بأن تحقيق مبادرة بوتين المتعلقة بالالتزام بالقيود العددية على الأسلحة الاستراتيجية بموجب معاهدة ستارت-3 سيتيح تجنّب سباق التسلح. إلا أن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، نفى في كلمة أمام مجلس الدوما (النواب) الروسي في وقت لاحق أن تكون روسيا قد تلقت رداً رسمياً من الولايات المتحدة على مبادرة بوتين بشأن الالتزام بالقيود العددية على الأسلحة النابعة من "ستارت-3" لمدة عام، مؤكداً أنه لا يجرى الحديث عن تمديد المعاهدة في حد ذاتها. كيريل كوكتيش: معاهدة ستارت-3 قد عفا عليها الزمن نظراً لتطوير أنواع جديدة من الأسلحة إشارات وقنوات مغلقة وبموازاة الصمت الأميركي، أكد بوتين، في ختام زيارته إلى طاجيكستان في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أن روسيا تطور نماذج جديدة من الأسلحة وستعلن عنها قريباً، مشيراً إلى أن موسكو لا تتخوف من انتهاء سريان مفعول معاهدة ستارت-3. وفي معرض إجابته على سؤال حول ما إذا كانت روسيا تتلقى إشارات من الولايات المتحدة "عبر قنوات مغلقة" بشأن مصير المعاهدة، قال بوتين: "لنا اتصالات عبر قنوات وزارتي الخارجية الروسية والأميركية. هل تكفي عدة أشهر للتمديد؟ تكفي إذا كانت هناك إرادة حسنة". واعتبر أن تخلي الولايات المتحدة عن المعاهدة لن يشكل كارثة على روسيا، مضيفاً: "هذه ليست كارثة، لدينا مجال نمضي فيه، ولدينا أحدث أنواع من الأسلحة نطورها". يذكر أن تاريخ معاهدة ستارت-3 يعود إلى إبريل/ نيسان 2010، حين وقّعها الرئيسان الروسي السابق، دميتري مدفيديف، والأميركي الأسبق، باراك أوباما، وسط تحسن ملحوظ لم يدم طويلاً في العلاقات بين بلديهما، لتُبقي على ترسانتي البلدين عند مستوى أقل كثيراً مما كانت عليه الحال خلال الحرب الباردة (1947 ـ 1991) في الحقبة السوفييتية، كما مُدّدت المعاهدة لمدة خمس سنوات إضافية بعيد تنصيب الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، في بداية عام 2021.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية