
عربي
منذ هروبه من دمشق فجر الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي بمساعدة من الروس، ومصير بشار الأسد يُطرح للتداول الإعلامي والسياسي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالعلاقة ما بين روسيا التي منحته "لجوءاً إنسانياً" مع عائلته، وبين الإدارة الجديدة في سورية التي كما يبدو تضع مسألة تسلّم بشار الأسد وأركان حكمه الأمنيين والعسكريين ضمن الأولويات. وقال نائب مدير إدارة روسيا وشرق أوروبا في وزارة الخارجية السورية أشهد صليبي إن الرئيس السوري أحمد الشرع طالب نظيره الروسي فلاديمير بوتين بتسليم بشار الأسد بشكل واضح ومتكرر، أثناء الزيارة التي قام بها الشرع إلى موسكو الأربعاء الماضي. وقال الصليبي، في تصريحات لقناة "الإخبارية السورية"، مساء الجمعة الماضي، إن "الجانب الروسي أبدى تفهماً تجاه تحقيق العدالة الانتقالية في سورية"، مشيراً إلى أنه "جرى الاتفاق مع روسيا على وضع آليات قانونية جديدة للتعاون في ملف المطلوبين والملفات العالقة"، مؤكداً أنه "بُحث ملف المطلوبين من رؤوس المجرمين الأمنيين والعسكريين المقيمين حالياً في موسكو"، ولكنه لم يخض بالتفاصيل.
طه عبد الواحد: لن تسلّم موسكو الأسد أو أحد أفراد عائلته على الأقل ما دام بوتين في السلطة
بشار الأسد في حماية الروس
وكان بشار الأسد وأركان حكمه، خصوصاً الأمنيين والعسكريين، قد فروا فجر الثامن من ديسمبر الماضي بطرق مختلفة عندما كانت الفصائل العسكرية السورية المعارضة له في ذلك الحين تتجه من حمص إلى دمشق، لتُعلن في صباح ذلك اليوم نهاية حكم عائلة الأسد الذي استمر 54 سنة. ووفق التفاصيل المنشورة، نقل الروس بشار الأسد وبعض أفراد عائلته واثنين من مستشاريه الماليين بمدرعة إلى مطار دمشق الدولي قبل منتصف ليل السابع ـ الثامن من ديسمبر الماضي، فاستقل طائرة إلى قاعدة حميميم الروسية ومنها إلى موسكو حيث منحه الرئيس الروسي "لجوءاً إنسانياً". وبحسب تقرير نشرته صحيفة دي تسايت الألمانية قبل أيام، يعيش بشار الأسد في موسكو "حياة تجمع بين الرفاهية المفرطة والعزلة الكاملة"، وأنه تحت "حماية مباشرة من الكرملين". ووفق تقارير إعلامية من موسكو، تملك عائلة الأسد نحو 20 شقة فخمة موزعة على ثلاثة طوابق في ناطحة سحاب وسط موسكو.
وبحسب تقرير الصحيفة الألمانية يقضي بشار الأسد ساعات طويلة مع ألعاب الفيديو، ويزور المراكز التجارية في موسكو بين حين وآخر، بينما يقيم شقيقه ماهر في فندق خمس نجوم. ونفى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي صحة الأنباء عن تعرض الأسد لمحاولة تسميم في موسكو. وقال خلال لقاء مع ممثلي وسائل إعلام: "منحنا اللجوء لبشار الأسد وعائلته لأسباب إنسانية بحتة. لا يواجه أي مشكلات في العيش في عاصمتنا، ولم تحدث أي حالات تسمم". وكانت روسيا قد تدخلت بشكل مباشر في سبتمبر/ أيلول من عام 2015، إلى جانب بشار الأسد ضد المعارضة السورية، وشنت على مدى نحو تسع سنوات حملات قصف جوي أدت إلى مقتل وإصابة آلاف من السوريين، فضلاً عن تدمير هائل طاول مدناً وبلدات.
وتشير المعطيات إلى أن موسكو لا تنوي تسليم بشار الأسد للحكومة السورية الجديدة، وترى أن المطالبة به من قبل دمشق "أمر غريب"، بحسب توصيف النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي دميتري نوفيكوف. وزعم البرلماني الروسي قبل أيام أن الأسد "كان في الماضي قائداً منتخباً وفقاً للتشريعات السورية"، مشيراً في حديث مع وسيلة أنباء محلية إلى أنه "قد يتعرض للتصفية في حال إعادته إلى سورية". وقال إن "العديد من الشخصيات السياسية السابقة من دول مختلفة توجد داخل الأراضي الروسية، بما في ذلك الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش"، مضيفاً: "لو سلكت روسيا هذا الطريق سيعني تناقضها مع مبادئ حقوق الإنسان".
وجزم المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن روسيا "لن تسلّم الأسد أو أحد أفراد عائلته على الأقل ما دام بوتين في السلطة". وتابع: "المسألة ليست متعلقة بالأسد وأمواله في روسيا، بل مرتبطة بهيبة فلاديمير بوتين وسمعة بلاده في العالم. لن يقوم بوتين بأي إجراء بحق الأسد يوحي لحلفائه بأنه شريك غير موثوق به ويمكن أن يتخلى عن الأصدقاء في صفقات". وأعرب عن اعتقاده بأن نظرة بوتين لبشار الأسد "لا تحمل احتراماً"، مضيفاً: "لقد أحرج الروس كثيراً منذ عام 2016 في المحافل الإقليمية والدولية بسبب وعوده الكاذبة في ما يخص العملية السياسية قبل سقوطه". وبرأي عبد الواحد "ربما يتم تسليم بعض الضباط المتهمين بارتكاب مجازر للحكومة السورية"، مشيراً إلى أنه "ربما تبحث روسيا أيضاً في موضوع الأموال التي سرقها هؤلاء الضباط من سورية" مع الحكومة السورية الجديدة. والى جانب الأسد وعائلته وشقيقه ماهر، يُعتقد أن عشرات ضباط النظام البائد العسكريين والأمنيين وصلوا إلى روسيا بعد الثامن من ديسمبر الماضي، بطرق مختلفة، ومن بينهم سهيل الحسن الذي كان يُنظر إليه على أنه "رجل روسيا" في سورية، إضافة إلى كمال حسن الذي كان رئيس شعبة المخابرات العسكرية وكان يُوصف بـ"رجل المهمات القذرة".
محمد صبرا: روسيا لن تتعاون مع الجهود الدولية لمنع الإفلات من العقاب
مطلوبون وتمرّد الساحل
وبحكم المؤكد وجود وزير دفاع النظام علي عباس، ورئيس أركانه عبد الكريم إبراهيم في روسيا، إضافة إلى قحطان خليل الذي كان يرأس جهاز المخابرات الجوية وهو الجهاز الذي كان الأكثر فتكاً بالسوريين. وأدى عدد من أركان النظام البائد الفارين إلى روسيا، وفي مقدمتهم محمد جابر، دوراً في محاولة التمرد العسكرية في مارس/ آذار الماضي، في الساحل السوري والتي أفضت إلى مقتل عدد كبير من المدنيين أثناء التصدي لها، وإجهاضها. وأبدى الخبير القانوني محمد صبرا، في حديث مع "العربي الجديد"، اعتقاده بأن "روسيا بوضعها الحالي لن تتعاون مع الجهود الدولية لمنع الإفلات من العقاب"، مضيفاً: "روسيا عضو دائم في مجلس الأمن وتقع عليها التزامات قانونية بموجب الميثاق، إلا أنها دولة تنتهك القانون الدولي". وتابع: "هي (روسيا) متهمة أصلاً بارتكاب جرائم حرب، سواء في سورية أو في أوكرانيا، وهناك مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق فلاديمير بوتين".
