عربي
باتت ورقة جثامين الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس في قطاع غزة أداة ضغط عليها وعلى الفلسطينيين عامة، نتيجة الممارسات الإسرائيلية المتصاعدة والتلويح بالتصعيد العسكري وعرقلة إدخال المساعدات وفتح معبر رفح البري. ورغم أن فصائل المقاومة الفلسطينية التزمت بتسليم الأسرى الأحياء دفعة واحدة، كما نصت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أنها واجهت معضلة في تسليم جثامين الأسرى الإسرائيليين الـ28، وهو ما أبلغته للوسطاء منذ اللحظة الأولى للاتفاق. وعلى مدار الأيام الماضية التي تلت تسليم الأسرى الأحياء، تمكنت "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة حماس، من تسليم 11 جثماناً لأسرى إسرائيليين لديها ولدى بقية الأذرع العسكرية، فيما لم تتمكن من استخراج بقية الجثث. وأصدرت "القسام" بياناً قبل أيام قال فيه: "لقد التزمت المقاومة بما تم الاتفاق عليه، وقامت بتسليم جميع من لديها من الأسرى الأحياء وما بين أيديها من جثثٍ تستطيع الوصول إليها، أما ما تبقى من جثث فتحتاج جهوداً كبيرة ومعداتٍ خاصة للبحث عنها واستخراجها، ونحن نبذل جهداً كبيراً من أجل إغلاق هذا الملف".
أحمد الطناني: السلوك الإسرائيلي الحالي يهدف إلى إعادة صياغة العدوان على قطاع غزة بأطر جديدة
تهديدات نتنياهو ضد غزة
في المقابل، تصاعدت وتيرة التهديدات الصادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء ائتلافه الحاكم والتلويح باستئناف الحرب وفرض عقوبات على القطاع وحركة حماس نتيجة عدم تسليم الجثث الإسرائيلية. ورغم أن الاتفاق نصّ على فتح معبر رفح وتدفق المساعدات إلى القطاع بوتيرة تتراوح ما بين 400 إلى 600 شاحنة يومياً إلا أن الاحتلال لم يلتزم بذلك، وأبقى على المعبر مغلقاً وعرقل وصول المساعدات بوتيرة كبيرة. ومع تواصل الاتصالات بين الوسطاء وحركة حماس من جهة والإدارة الأميركية من جهة أخرى يبدو المشهد حالياً مقتصراً على فرض الحكومة الإسرائيلية عدداً من الإجراءات العقابية على القطاع من دون تصعيد ميداني كبير. وسبق أن أصدر مكتب نتنياهو، أول من أمس الجمعة، تصريحاً أكد فيه ضرورة التزام حركة حماس بخطة ترامب وأن الوقت ينفد، عدا عن اتهامها بمعرفة أماكن وجود جثامين الأسرى الإسرائيليين لديها ومحاولة كسب الوقت.
ويقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن السلوك الإسرائيلي الحالي لا يهدف فقط إلى استمرار حالة الحرب الشاملة، بل يسعى إلى إعادة صياغة العدوان على قطاع غزة بأطر جديدة. ويضيف الطناني أن هذه الصياغة تأخذ أشكالاً متعددة، من بينها استخدام أسلحة الابتزاز الإنساني عبر التحكّم في معبر رفح، ورغم أي إدارة دولية أو شراكة مصرية، تفرض إسرائيل أن تكون هي صاحب القرار النهائي بشأن فتح المعبر أو إغلاقه لأنّها القوة المسيطرة أمنياً على القطاع. وبحسب الطناني، فإنه ومن خلال التحكّم بالممرات والمساعدات، تعمل إسرائيل على تثبيت دورها كصانع قرار في حجم المساعدات وتدفقها والجهات المستفيدة، بغضّ النظر عن الاتفاقات أو الاجتماعات الدولية، ما يجعل هذا الأسلوب ليس مجرد وسيلة ضغط إنساني، بل آلية لإعادة الاشتراط السياسي والأمني لكامل المسار المستقبلي في غزة.
ويشير إلى أن إسرائيل تعيد صياغة العدوان العسكري بحيث تُؤكّد حرية حركة الجيش داخل القطاع، معتبراً أن ما يحصل هو استغلال لملف الجثث كمدخل لشرعنة تحرّكات عسكرية أوسع، وتبرير عمليات برية وجوية تحت حجج فنية وأمنية تتعلق بتفكيك أنفاق ومنشآت تصنيع وطرق تهريب. وبالتالي، يمتد مفهوم نزع السلاح ليشمل أنفاقاً وبنى تحتية ومراكز تصنيع ووسائل تهريب، ما يبرر ضربات واسعة ويمنح الجيش حرية عمل أوسع داخل القطاع ومحيطه. ويؤكد الطناني أن هذه السياسات تهدف إلى ممارسة أقصى الضغط على المقاومة والوسطاء، وأيضاً على الجانب الأميركي، لفرض أجندة نقاش مسبقة تُقلّص من مساحة الحوار حول إعادة الإعمار أو استعادة حكم طبيعي في غزة. ويرى أن الموقف الأميركي يبدو متباهياً سياسياً مع إسرائيل لكنه ليس معجّلاً بفرض ضغوط قصوى، مبيناً أن الإدارة الأميركية تدرك صعوبات الوصول إلى جثث الأسرى نتيجة حجم الدمار في المواقع المحتملة.
مصطفى إبراهيم: من السابق لأوانه عودة الإبادة والحرب بشكلها السابق خلال الفترة المقبلة
مماطلة الاحتلال
من جهته، يقول الكاتب المحلل السياسي مصطفى إبراهيم إن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي هو مماطلة وتسويف تحت غطاء ملف الجثث الإسرائيليين الذي يدرك الطرف الأميركي والوسطاء حجم الصعوبات في استخراجها. ويضيف إبراهيم لـ"العربي الجديد" أن التهديدات الإسرائيلية تندرج في إطار الضغط على حركة حماس، إلا أن من السابق لأوانه عودة الإبادة والحرب بشكلها السابق خلال الفترة القليلة المقبلة في ظل الرغبة الأميركية في الحفاظ على حالة الهدوء. ويشير إبراهيم إلى أن الاحتلال يستخدم أدوات الضغط الخشنة على القطاع بذريعة استعادة الجثث، من خلال عدم إدخال الشاحنات بكميات كبيرة وعرقلة فتح معبر رفح والتلويح بالأدوات العسكرية. ويبيّن أن استعادة الجثث سيحتاج وقتاً طويلاً، نظراً لحجم الدمار الهائل والكبير الذي لحق بالقطاع خلال الإبادة على مدار عامين ويومين، مشيراً إلى أن هذا الملف لا يشكّل دافعاً رئيسياً لاستئناف الحرب خلال الفترة المقبلة. ويؤكد أن نتنياهو لا يستطيع العودة للحرب أو القصف الجوي والمدفعي الواسع من دون ضوء أخضر أميركي من ترامب، وهو أمر غير متوفر حالياً في ظل الرغبة في الحفاظ على حالة الهدوء على الأقل لحين انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق. ويبيّن أن نتنياهو يواجه مشكلات عدة أبرزها الرغبة في الحفاظ على الائتلاف الحكومي وعدم الذهاب للانتخابات خلال الفترة المقبلة، موضحاً أن نتنياهو سيحاول بكل السبل الموازنة بين طلبات الإدارة الأميركية وضغوط الحلفاء في حكومته.