رحيل رايلا أودينغا... كينيا أمام تحولات سياسية متوقعة
عربي
منذ 3 أيام
مشاركة
توفي رئيس الوزراء الكيني السابق رايلا أودينغا (من 2008 إلى 2013، وذلك في إطار حكومة ائتلافية تشكّلت بعد أزمة الانتخابات الرئاسية العنيفة عام 2007) إثر تعرضه لسكتة قلبية أثناء نزهة صباحية اليوم الأربعاء. وجاءت وفاة أودينغا في الوقت الذي كان فيه حزبه، الحركة الديمقراطية البرتقالية، على وشك الاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيسه، حيث من المقرر أن تُقام الاحتفالات في مومباسا الكينية. رايلا أودينغا والمعارضة السلمية رايلا أودينغا الذي رحل عن عمر ناهز الثمانين عاماً، هو أحد أبرز رموز النضال الديمقراطي في كينيا، وخاض مسيرة سياسية امتدت لأكثر من أربعة عقود، ظل خلالها صوتاً للمعارضة السلمية والإصلاح السياسي، ورمزاً للمقاومة المدنية ضد الاستبداد. وُلد رايلا أودينغا عام 1945 في مدينة ماسينو، غربي كينيا، لأسرة ذات ثقل سياسي، إذ كان والده جاراموغي أوجينغا أودينغا أول نائب لرئيس كينيا بعد الاستقلال (عام 1963) وأحد رموز الكفاح الوطني ضد الاستعمار البريطاني. وورث رايلا من والده روح التمرد على الظلم، لكنّه اختار طريق المعارضة السلمية والحوار الديمقراطي بدلاً من المواجهة المسلحة، ليغدو لاحقاً من أبرز دعاة التحول السياسي في شرق أفريقيا. كان أودينغا من أوائل السياسيين الذين تحدّوا نظام الحزب الواحد، مما جعله عرضةً للاعتقال أكثر من مرة خلال حكم الرئيس دانيال أراب موي (بين 1978 و2002)، كان أودينغا من أوائل السياسيين الذين تحدّوا نظام الحزب الواحد، مما جعله عرضةً للاعتقال أكثر من مرة، وقضى ما يقرب من ثماني سنوات في السجن بسبب نشاطه السياسي. ومع مطلع التسعينيات، أسهم في تأسيس أحزاب المعارضة التي قادت البلاد إلى اعتماد نظام التعددية الحزبية، منهياً عقوداً من الحكم الأحادي. سباقات رئاسية بلا نجاح خاض أودينغا خمسة انتخابات رئاسية (في أعوام 1997، 2007، 2013، 2017، و2022) من دون أن ينجح في الوصول إلى القصر الرئاسي، رغم حضوره الشعبي الواسع وشعبيته الكبيرة في أقاليم غربي البلاد والعاصمة نيروبي. وكانت انتخابات 2007 أكثرها جدلاً، إذ تسببت نتائجها المتنازع عليها في أعمال عنف دامية راح ضحيتها أكثر من ألف شخص. انتهت الأزمة بتشكيل حكومة وحدة وطنية عام 2008، تولّى فيها أودينغا منصب رئيس الوزراء في خطوة اعتُبرت آنذاك انتصاراً للدبلوماسية على الصراع. أما محاولاته اللاحقة للوصول إلى الرئاسة، خصوصاً في انتخابات 2022 أمام الرئيس الحالي ويليام روتو، فحظيت بمتابعة إقليمية ودولية كبيرة، بعدما دعمته قوى إصلاحية عديدة. لكنه خسر مجدداً بفارق ضئيل؛ حيث حصل ويليام روتو على 50.49% من الأصوات، بينما حصل رايلا أودينغا على 48.85%، وفضّل اللجوء إلى القضاء والوسائل القانونية للطعن في النتائج، مؤكداً تمسكه بالنهج الديمقراطي السلمي حتى آخر لحظة في حياته السياسية. وكان أودينغا قد وقّع اتفاقاً سياسياً مع الرئيس ويليام روتو في مارس/آذار الماضي أدى إلى مشاركة حزبه المعارض (الحركة الديمقراطية البرتقالية) في رسم السياسات الحكومية المهمة وتعيين أعضائه في مجلس الوزراء، بحسب وكالات أنباء، علماً أن هذا الاتفاق بقي غير رسمي بالكامل. وظل أودينغا يؤمن بأن التغيير الحقيقي يبدأ من صناديق الاقتراع لا من فوهات البنادق، ولذلك لقّبته الصحافة الكينية بـ"ضمير الديمقراطية ورمز المعارضة السلمية". ولم يكن زعيماً للمعارضة فقط، بل أصبح صوتاً ضميرياً لأفريقيا، ومثالاً نادراً للسياسي الذي يجمع بين الصلابة المبدئية والمرونة الوطنية، وفق مؤيديه. تبدّلات متوقعة برحيله، تفقد كينيا أحد أعمدتها السياسية الأكثر تأثيراً، وتفقد أفريقيا رجلاً ظلّ مؤمناً بأن الديمقراطية طريق طويل يستحق الصبر والتضحية. وترك رايلا أودينغا وراءه إرثاً من النضال السلمي، ورؤيةً لأفريقيا تؤمن بالاختلاف والتعدد، وتراهن على السياسة لا على السلاح. حسن إسحاق: برحيل أودينغا قد تعود المنافسة بين المعسكرات إلى الواجهة من جديد، خصوصاً داخل صفوف المعارضة التي كانت تستمد توازنها وتماسكها من شخصه وفي هذا السياق، يقول محرر موقع كينيا بالعربي، حسن إسحاق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "برحيل أودينغا، ستفقد كينيا شخصية تُمثّل صمام أمان سياسياً، وقد تعود المنافسة بين المعسكرات إلى الواجهة من جديد، خصوصاً داخل صفوف المعارضة التي كانت تستمد توازنها وتماسكها من شخصه". ويضيف أن الرئيس ويليام روتو كان يستفيد من وجود أودينغا شريكاً سياسياً في "معارضة متزنة"، خصوصاً بعد التفاهمات غير المعلنة التي خففت من حدة الصراع الداخلي وأعطت حكومته شرعية أوسع أمام الغرب، معتبراً أن التحالف بينهما، حتى وإن لم يكن رسمياً بالكامل، ساعد روتو في إظهار صورة الدولة المستقرة والمنفتحة على التعددية، وهو أمر كانت تراقبه العواصم الغربية عن قرب. وبحسب إسحاق، فإن المشهد السياسي في كينيا مقبل على تغيرات عميقة ومفاجآت كثيرة، تصعب على المراقبين قراءة ملامحها بالكامل، مستدركاً: "غير أن رحيل رايلا أودينغا بلا شك يترك فراغاً كبيراً في الساحة السياسية، وسيكون له تأثير واضح على مسار الأحداث في الفترة المقبلة، ونحن نترقب ما ستكشفه الأيام المقبلة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية