
عربي
لم يسلم القطاع الزراعي في غزة من الدمار والشلل التام الذي لحق بمختلف القطاعات المدنية خلال عامين من الإبادة الإسرائيلية، إذ تحوّلت مساحات واسعة من الأراضي الخصبة التي كانت تمثل سلة الغذاء الرئيسية للفلسطينيين، إلى أراضٍ قاحلة ليس فيها إلا آثار القصف وآلاف الحفر التي خلفتها أطنان المتفجرات.
ويواجه قطاع غزة الذي عرف على مدى عقود بمزارعه الممتدة من بلدة بيت لاهيا شمالاً حتى مدينة رفح جنوباً، واحدة من أكبر النكسات الزراعية في تاريخه، وسط غياب شبه تام للمدخلات الحيوية كالوقود والبذور والأسمدة ومواد الري والحماية الزراعية. وبحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، دمّر جيش الاحتلال أكثر من 94% من الأراضي الزراعية في القطاع من أصل 178 ألف دونم، لتتراجع بذلك القدرة الإنتاجية من 405 آلاف طن سنوياً إلى نحو 28 ألف طن.
خسائر القطاع الزراعي في غزة
ووفق تقرير إحصائي نشره المكتب الحكومي في غزة، في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2025، فإن القطاع الزراعي تكبّد خسائر بلغت نحو 2.8 مليار دولار جراء عامين من الإبادة الإسرائيلية. وأوضح المكتب الحكومي أنّ عامين من الإبادة أدّيا إلى تقلص مساحة الأراضي المزروعة بالخضروات من أكثر من 93 ألف دونم إلى أربعة آلاف فقط. كما دمّر جيش الاحتلال على مدى عامي الإبادة ألفاً و233 بئراً زراعية وأخرجها من الخدمة، وما يزيد على 85% من الدفيئات الزراعية، بحسب المصدر ذاته.
المزارع محمد بركة، من مدينة دير البلح (وسط)، قال إنّ القطاع الزراعي في غزة تعرض لـ"دمار شبه كامل بسبب الحرب". وأضاف في حديث لوكالة الأناضول، أنّ غياب "المدخلات الأساسية وارتفاع أسعار الوقود حوّلا الأراضي المزروعة إلى مساحات هامشية لا تتجاوز 1% مما كانت عليه قبل الحرب"، وأوضح أن كلفة الزراعة أصبحت باهظة، ما أدى إلى فشل معظم المحاصيل، حتى داخل الدفيئات التي تضررت بالكامل، الأمر الذي أجبر المزارعين على إزالة الأغطية البلاستيكية التي تضررت بفعل القصف الإسرائيلي وزراعة محاصيل بسيطة كالبقدونس التي لا تحتاج أغطية، دون تحقيق إنتاج مجدٍ.
شلل زراعي وارتفاع أسعار
في السياق، أكد بركة أن فتح معابر القطاع والسماح بإدخال كافة المستلزمات الزراعية، خاصة البذور وما يتعلق بالري، باتا "ضرورة ملحة"، لمحاولة إعادة الحياة للقطاع الزراعي بحدها الأدنى، وذكر أنّ كثيراً من المزارعين لم يعودوا قادرين على الوصول إلى أراضيهم، خاصة في شمال القطاع ورفح، اللتين كانت لهما الحصة الأكبر من الإنتاج الزراعي، بسبب وجود جيش الاحتلال.
وبذلك، تكون الزراعة قد تراجعت لتتركز فقط ضمن أماكن محدودة في مناطق مدينة خانيونس الغربية (جنوب)، ودير البلح، وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وأشار إلى أن هذه الظروف تسببت بارتفاع غير مسبوق بأسعار الخضار. فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر كلغ الطماطم من ثلاثة شواكل قبل الإبادة إلى 100 شيكل.
ويوم الجمعة بدأ جيش الاحتلال الانسحاب جزئياً إلى مواقع تمركزه الجديدة داخل القطاع بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ ظهر ذلك اليوم. وشملت انسحابات الجيش مدينة غزة (شمال)، باستثناء حي الشجاعية وأجزاء من حيي التفاح والزيتون. وفي مدينة خانيونس، انسحب جيش الاحتلال من مناطق الوسط وأجزاء من الشرق، فيما منع دخول الفلسطينيين إلى بلدتي بيت حانون وبيت لاهيا (شمال)، ومدينة رفح (جنوب)، وبحر القطاع.
نكبة زراعية
من جانبه، وصف المزارع رائد أبو أسد، في حديثه لـ"الأناضول"، ما حدث للقطاع الزراعي بأنه "نكبة لم يشهدها المزارعون من قبل"، حيث دمرت الإبادة الإسرائيلية الأراضي وأخرجتها من الخدمة، وأوضح أنّ إسرائيل أخرجت بلدة بيت لاهيا ومدينة رفح، اللتين كانتا تعرفان بـ"سلة غزة الغذائية"، فعلياً من دائرة الإنتاج، بعدما دمّرت الأراضي الزراعية واقتلعت الأشجار، ما أدى إلى توقف العمل في الحقول، وفق قوله.
وأكد المزارع الفلسطيني أن إغلاق المعابر ومنع دخول المستلزمات الزراعية أديا إلى انهيار "المنظومة الإنتاجية بشكل كامل"، وأشار إلى أنّ الإبادة الإسرائيلية دمّرت أيضاً "مخازن المعدات والمواد الزراعية، ما أدى لارتفاع أسعار ما تبقى منها في السوق بشكل كبير"، في حين تسبب انقطاع الوقود بتوقف مضخات المياه والري عن العمل. وشدد أبو أسد على أن المساحات القليلة المزروعة لم تعد تفي بالحاجات الأساسية للفلسطينيين بعدما تقلصت إلى نسبة كبيرة جداً، وذكر أن غزة كانت تصدر نحو 30 - 40 شاحنة يومياً من الخضروات كالطماطم والخيار والبطاطس والقرنبيط، إلا أن هذا المشهد توقف بالكامل بعد الإبادة الإسرائيلية والدمار.
وبدعم أميركي، ارتكبت إسرائيل منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ولسنتين إبادة جماعية بغزة، خلّفت 67 ألفاً و869 شهيداً، و170 ألفاً و105 مصابين، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 463 فلسطينياً، بينهم 157 طفلاً. وفجر الخميس، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب توصل إسرائيل و"حماس" لاتفاق على المرحلة الأولى من خطته لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، إثر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أميركي.
ودخلت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل حيز التنفيذ يوم الجمعة الماضي، بعدما أقرت حكومة إسرائيل الاتفاق فجراً. ويستند الاتفاق إلى خطة طرحها ترامب، تقوم على وقف الحرب، وانسحاب متدرج لجيش الاحتلال، وإطلاق متبادل للأسرى، ودخول فوري للمساعدات إلى القطاع، ونزع سلاح "حماس".
(الدولار = 3.25 شواكل)
(الأناضول، العربي الجديد)
