
عربي
في الذكرى الثانية لتصاعد الاستهدافات الإسرائيلية بحق الصحافيين والصحافيات في لبنان، رفع أهالي الشهداء وزملاؤهم وحقوقيون الصوت من أجل مواصلة مسار البحث عن العدالة، ومنع المجرم من الإفلات من العقاب، مستنكرين الإهمال الرسمي اللبناني والصمت الدولي عن اعتداءات صُنّفت أممياً جرائم حرب. ونظّم اتحاد الصحافيين والصحافيات في لبنان، اليوم الاثنين، مؤتمراً صحافياً بعنوان "تحقيق العدالة يحمي الصحافيين/ات"، بمشاركة وحضور الزملاء وأهالي الشهداء ومنظمات دولية متابِعة للملف، حيث أكدت الكلمات ضرورة تحقيق العدالة ومحاسبة المجرم لقطع الطريق أمام تكرار هذه الاعتداءات مستقبلاً.
وفي تقرير للمجلس الوطني للبحوث العلمية، فإنّ 12 شهيداً من الفرق الصحافية سقطوا من جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 لغاية 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تاريخ دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، إلى جانب تسعة جرحى، ستة شهداء باستهداف مباشر، وستة شهداء باستهداف غير مباشر.
المواطن لا يمكن أن يتقدم بشكوى ضد إسرائيل
مرّ عامان، والسؤال لا يزال نفسه، لماذا؟ أين الحقيقة والعدالة؟ تقول عبير شقيقة المصوّر في قناة رويترز الشهيد عصام عبد الله، وتضيف: "نحن أصبحنا في وجع لا يوصَف وكل شيء تغيّر بغياب عصام". وتشير عبير إلى أنّ طموحات عصام كانت وسع الكوكب، إسرائيل حرمت عصام طموحاته، ونعمة أن نراه متفوقاً وناجحاً. عصام قُتل بنيران إسرائيلية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينما كان مع زملائه في تغطية صحافية، وشعاراتهم الصحافية ظاهرة".
وتابعت: "وعلينا أن نعرف لماذا قُتِل، وبما أن الاعتداء حصل على أرض لبنانية، فمن حق العائلات وواجبات الدولة أن تتخذ الإجراءات المناسبة وتسلك المسار المطلوب لتحقيق العدالة، خصوصاً أن المواطن لا يمكن أن يتقدم بشكوى ضد إسرائيل، بل على الدولة فعل ذلك. من هنا عليها أن تقوم بذلك، وإلا فلتفسح مجالاً للجان حقوقية عالمية لتساعدها في تأدية دورها". وأكدت أن قضية عصام ليست فقط قضية عائلته بل قضية كل صحافي شجاع يريد نقل الحقيقة، مشددةً على أن "عصام يستحق العدالة ونحن نستحق الأجوبة، ولن نتوقف وسنبقى حتى آخر يوم لمحاسبة المعتدي".
شقيقة الشهيد المصوّر عصام عبدالله، عبير في الذكرى الثانية لتصاعد الاستهدافات الإسرائيلية للصحافيين/ات في لبنان: صارو سنتين وسؤالنا كأوّل يوم أين الحقيقة والعدالة؟
عصام عبدالله استشهد باستهداف إسرائيلي للصحافيين في الجنوب يوم 13 أكتوبر 2023، وقد اعتبر مقرر الأمم المتحدة الخاص… pic.twitter.com/kda2ApZs2i
— Rita El Jammal (@rita_jammal) October 13, 2025
العدالة قد تحمي الصحافيين في المستقبل
من جانبه، استذكر هشام عمر ابنته المراسلة في قناة الميادين الشهيدة فرح عمر، التي استشهدت وزميلها المصوّر ربيع المعماري نتيجة استهداف إسرائيلي في جنوب لبنان بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، متحدثاً عن شجاعتها وتصميمها على مواصلة رسالتها وكشف الحقائق حتى بعد استشهاد عصام واستهداف الصحافيين. ويرى هشام أن الصحافيين اغتيلوا لأنهم شهود على المجازر والحق، معتبراً أن العدالة لن تعيدهم إلى الحياة، وإلى عائلاتهم، لكنها قد تنقذ زملاءهم من مصير مشابه في المستقبل.
من جانبه، سأل محمود، والد الشهيد المصوّر في قناة المنار وسام قاسم، "أين الدولة اللبنانية؟ استشهد وسام ولديه أربعة أطفال، كبيرهم عمره تسع سنين، وهي لم تسأل يوماً عنهم، أو عن أحوالهم وما يحتاجون إليه في الصحة والتعليم وغير ذلك. ليس أولادي فقط بل كل عائلات الشهداء". وشدد محمود على أن إسرائيل اغتالت الصحافيين عن قصد، لأنهم ينقلون الصورة ويفضحون جرائم العدو الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية.
وتجدر الإشارة إلى أن قاسم استشهد في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2024 بغارة إسرائيلية على مجمّع للشاليهات في حاصبيا جنوبي لبنان، حيث كانت تقيم مجموعة من الطواقم الإعلامية. وقد أسفرت الغارة التي استهدفت الصحافيين وهم نيام عن استشهاد قاسم ومصوّر قناة الميادين غسان نجار، والتقني فيها محمد رضا، إضافة إلى إصابة عددٍ من الصحافيين والمصوّرين من قنوات أخرى.
"صمت دولي معيب"
من جهتها، رَوَت سناء، زوجة المصوّر الشهيد غسان نجار، كيف كان زملاء زوجها يهزؤون به باعتبار أنه كان ينجو دائماً في ظل تغطياته الميدانية، وتقول "استشهد غسان أكثر من خمس مرّات وعاد، لكن هذه المرة لم يعد، نام واستفاق شهيداً، فالشهيد لا يموت"، مضيفةً أنها تحمل وجعاً لا يوصف بكلمات، وغسان "استُهدف وهو نائم، ليسكِتوا صوته، ويعموا عيونه، وكاميرته، التي وثّقت ونقلت الحقيقة والواقع كما هو بكل صدق وشفافية، لذلك استحق أن يكون بطل الميدان والميادين".
وأضافت: "لم نسمع إلا تنديدات خجولة وبيانات وتحقيقات لم تصل إلى نتيجة وصمتاً دولياً معيباً يقتلنا كل يوم، فبما أن القاتل معروف والضحية معروفة ما الذي يؤخر العدالة؟ نحن لا نطالب بالمستحيل، بل نطالب بمسار عدالة واضح وشفاف ليحاسب المرتكب ويمنع تكرار ما حصل"، مشددة على أن "دماء غسان لن تذهب هدراً وعلى المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤوليته تجاه هذه الانتهاكات الفاضحة، وأنا أحمل صوته بوجه الصمت الدولي".
مطالب واضحة
بدورها، أعلنت منسقة اتحاد الصحافيين والصحافيات في لبنان إلسي مفرّج عن التوجه قريباً إلى وزارة العدل لرفع مطالب واضحة، أهمها، على المستوى الداخلي، إجراء تحقيقات جدية وشفافة بالجرائم، والاستماع إلى الشهود وأهالي الشهداء كجزء من مسار العدالة الحقيقي. وأكدت أنه "نحن على استعداد للتعاون عبر تسهيل التواصل مع الزملاء الشهود والزملاء الذين عملوا على التحقيقات، ووضع النتائج والأدلة بتصرّف القضاء اللبناني". أما على المستوى الدولي، فتضيف مفرّج: "إعلان صلاحية المحكمة الجنائية الدولية استناداً إلى المادة 12 من الفقرة 3 من نظام روما الأساسي، للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة على الأراضي اللبنانية منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم".
أين تحقيق الدولة؟
تقول الباحثة في منظمة العفو الدولية المختصة بالشأن اللبناني سحر مندور، لـ"العربي الجديد"، إن التطور الأخير في قضية عصام عبد الله أو باقي الجرائم كان زيارة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء موريس تيدبال بينز إلى لبنان قبل أيام، وقد جلسنا معه، وتحدثنا عن الأبحاث الجنائية التي قامت بها منظمات ومؤسسات دولية في هذه القضايا، لكن السؤال الذي يوجع كان من قبله "هل أجرت الدولة اللبنانية تحقيقاً جنائياً بجريمة عصام والجرائم الأخرى؟". وتضيف مندور: "نحن سمعنا عن تحقيق لمخابرات الجيش، طلبناه مرات عدة ولم يصل إلينا، ويبدو أن المقرر اطلع عليه واعتبر أنه غير وافٍ، فيما يجب أن تكون هناك قاعدة بيانات لكل الجرائم، وتشكيل لجنة وظيفتها توثيق الاعتداءات".
وكان موريس تيدبال بينز قد تحدث في تقرير أولي حول زيارة لبنان، الجمعة الماضي، عن غياب التحقيقات في حالات القتل في الاعتداءات الإسرائيلية، واكتفاء القوى الأمنية بمحاضر معلومات تتضمن حقائق أساسية من دون فتح محضر جنائي، داعياً النيابات العامة إلى فتح تحقيقات جنائية للمحافظة على الأدلة. وتلفت مندور إلى أنه "حالياً، لا يوجد أي مسار للعدالة، سواء بهذه الجريمة أو بغيرها، لبنان يكتفي بتقديم شكاوى لمجلس الأمن، ولا مسار لها هناك، وتقتصر على جملتين، فيما تخلو من أي تحقيق جنائي، من هنا على لبنان القيام بواجباته، ونحن اليوم بمرحلة مطالبة الدولة ببناء سجل كامل للانتهاكات التي تعرّض لها المواطنون في لبنان خلال فترة الحرب".
تجدر الإشارة إلى أن مجلس الوزراء قد كلّف، في جلسته الخميس الماضي، وزارة العدل بدراسة الخيارات القانونية المتاحة لمقاضاة العدو الإسرائيلي على خلفية الاعتداءات المرتكبة بحق الصحافيين أثناء تأدية واجبهم المهني، لا سيما استشهاد الصحافي عصام عبد الله ورفاقه.
