
عربي
تتكرر المشاجرات وأعمال العنف في جامعات الأردن، حتى باتت ظاهرة مقلقة تتخذ طابعاً عشائرياً ومناطقياً يغلّب العصبيات والهويات الفرعية "القاتلة" على حساب الهوية الوطنية الجامعة، وسط غياب الحلول والعقوبات الرادعة.
تُخلّف حوادث العنف الجامعي والمشاجرات العشائرية والمناطقية خدوشاً، تكون أحياناً عميقة، في صورة مؤسسات التعليم العالي الأردنية، كما يترك تكرارها علامات استفهام حول عدم القدرة على منعها أو معالجة أسبابها.
وقد شهدت الجامعة الأردنية في العاصمة عمّان آخر تلك المشاجرات، والتي أسفرت عن وقوع سبع إصابات نُقلت إلى المستشفى، فيما تمكنت القوى الأمنية من القبض على 42 شخصاً شاركوا في المشاجرة أثناء خروجهم من الجامعة، بحسب بيان مديرية الأمن العام، الخميس الماضي. بدورها، أسندت النيابة العامة أربع تُهم لـ51 طالباً وأربعة أحداث متهمين بأعمال شغب وعنف في حرم الجامعة، يصل الحد الأقصى لعقوبتها إلى السجن حتى ثلاث سنوات، بحسب القانون.
وأفاد نائب عام عمّان، حسن العبداللات، بحسب وكالة الأنباء الأردنية (بترا) الجمعة الماضي، أنه جرى توقيف 55 شخصاً، هم طلاب وأحداث من كلا الطرفين، على ذمة القضية وما زالت التحقيقات جارية. وأضاف أن التّهم المسندة للموقوفين هي التجمهر غير المشروع، والاعتداء على الممتلكات العامة، وإحداث الضرر بأموال الغير، والإيذاء والمشاجرة. وقرّرت النيابة العامة توقيف المتهمين لمدة أسبوع في مراكز الإصلاح والتأهيل.
وفي تصريحات صحافية، قال نائب رئيس الجامعة الأردنية لشؤون الكليات العلمية، أشرف أبو كركي، إن المشاجرة بدأت بين طالبين، لكنها امتدت لاحقاً لتشمل مجموعة من أصدقائهما، مشيراً إلى أن الحرم الجامعي مغطى بشكل شبه كامل بكاميرات المراقبة، ما يتيح تحديد هوية المتورطين. وبيّن أن الجامعة ستتعامل مع المشاجرة بصرامة، مشيراً إلى أن العقوبات قد تصل إلى الفصل النهائي من الجامعة.
بدوره، حذّر منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلاب "ذبحتونا"، الدكتور فاخر دعاس، في حديث لـ"العربي الجديد"، من استمرار وتكرار العنف أو المشاجرات في الجامعات، في حال عدم قيام الجهات المعنية بوضع حلول جذرية. ورأى أن الظاهرة التي تأخذ أبعاداً عشائرية أو مناطقية ستبقى مستمرة في ظل استمرار تغييب الوعي الطلابي وتقييد حرية العمل الطلابي وتهميش اتحادات الطلبة والأندية الطلابية، وتحويل انتخابات اتحادات الطلبة من تنافس بين قوائم على أسس فكرية وسياسية وبرامجية إلى تنافس ذي بعد مناطقي وإقليمي وعشائري، مؤكداً ضرورة تطبيق أسس قبول جامعي لا تعزز المناطقية.
وشدد دعاس على ضرورة ألا تكون العقوبات لغايات إعلامية أو لامتصاص حالة الغضب لدى الشارع العام، وألا يتم التراجع عنها كما حدث سابقاً، بعد ضغوط نيابية واجتماعية. وسأل عن كيفية دخول العشرات من غير الطلبة أثناء وقوع المشاجرة إلى حرم الجامعة الأردنية، في الوقت الذي يُفترض فيه وجود الأمن وبوابات إلكترونية عند كل مداخل الجامعة، مشيراً إلى أن إدارة الجامعة معنية باتخاذ إجراءات رادعة بحق المتسببين بالمشاجرة وكل من قام بالاعتداء على مرافقها.
من جهته، يؤكد الخبير التربوي ذوقان عبيدات لـ"العربي الجديد"، أهمية احترام الآخر وتقبله والعيش معه في حدود المواطنة الكاملة، وبناء ثقافة الحوار والتواصل، مضيفاً أن المجتمع يعاني من طغيان الهويات الفرعية وضعف الهوية الوطنية الجامعة. ويضيف: "الحلول القسرية مع المشاجرات الجامعية لا تعالج أسباب العنف، وفصل الطلبة المشاركين في المشاجرات ليس الحل، فبعض الطلاب هم ضحايا غياب الوعي التربوي والثقافي، وليسوا جناة، إذ وُلدوا في مجتمعات تقدّس التفاخر بالقوة والتفوق على الآخر، وأحياناً في بيئات فرعية غير متسامحة".
ويرى عبيدات أن مصطلح العنف الجامعي يصف الحالة بدقة، فهو عنف أردني مجتمعي يحدث في الجامعات وأحياناً في الملاعب أو في مناطق أخرى. وأشار إلى أننا لا نناقش العنف الجامعي بطريقة علمية وتربوية، بل تتجه إدارات الجامعات إلى زيادة عدد كاميرات المراقبة بدلاً من تنمية هوية وطنية جامعة لدى الطلبة، بعيداً عن الهويات الفرعية التي وصفها بعض علماء الاجتماع بأنها "هويات قاتلة" في حال تقدمت على الهوية الوطنية الجامعة.
ويحمّل عبيدات النظامين التعليمي والاجتماعي جزءاً من المسؤولية، باعتبار أن مواجهة هذه الظواهر يجب أن تكون اجتماعية وتربوية، لا أمنية، خصوصاً أن الجامعات تُعد الشباب لبناء المستقبل، والانتماء يجب أن ينبع من الذات.
ويقول أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي لـ"العربي الجديد"، إن الأسرة تُعد أهم مصادر الضبط الاجتماعي، باعتبارها الموجه الأساسي، بينما نجد أغلب الأسر الأردنية لا توجه أبناءها للتركيز على التحصيل العلمي وعدم ارتكاب سلوكيات مخالفة. كما يجب على الجامعات توعية الطلاب عند قبولهم بالأنظمة والتعليمات، وتعريفهم بالسلوكيات التي تضر بالآخرين، وعلى الطلاب أنفسهم أن يبتعدوا عن سلوكيات العنف.
ويشير الخزاعي إلى أن الأساتذة الجامعيين عليهم أيضاً توجيه الطلاب للابتعاد عن السلوكيات السلبية، فليس شرطاً أن تكون المحاضرة علمية بالكامل، بل يمكن أن تكون تفاعلية وتوعوية حول عدم الانجرار لسلوكيات العنف، بل اعتماد الحوار والتسامح. ورأى أهمية تغليظ العقوبات وعدم الرضوخ للوساطات والمحسوبية لتخفيفها، متحدثاً عن أكثر من 100 جنسية من الطلبة يدرسون في الجامعات الأردنية ويدرّون دخلاً بمئات الملايين من الدنانير، مؤكداً أهمية عدم الإساءة إلى سمعة الجامعات خارج الأردن، من خلال فصل أصحاب المخالفات الكبيرة، ونقل المخالفات الأقل من جامعة إلى أخرى في مناطق مختلفة، بحيث لا يُسمح بانتقال أي طالب من جامعة إلى أخرى إلا بشهادة حسن سلوك.
ويأسف الخزاعي لوجود رفاق سوء في الجامعات، وبعض الطلاب ينضمون إلى شِلَل تحت مظلة مناطقية أو بفهم خاطئ لصلات القرابة العشائرية أو المصلحية، وفي ظل غياب ثقافة الحوار والتسامح يكون البديل هو التعصب وصولاً إلى المشاجرات الجماعية.
