الذكاء الاصطناعي أداة دعائية بيد اليمين المتطرف.. مشهد بيغ بن نموذجا
عربي
منذ 5 أيام
مشاركة
يُظهر مقطع فيديو مُولَّد بواسطة الذكاء الاصطناعي ساعة "بيغ بن" في لندن وقد تصاعدت منها الأدخنة، وتحيط بها أكوامٌ من القمامة وحشودٌ ترتدي أزياءً تقليديةً إسلامية، في مشهدٍ ديستوبيٍّ متخيَّل للعاصمة البريطانية تغمره رموزٌ تشبه الكتابة العربية على الجدران. سارع قادةٌ وسياسيون من أقصى اليمين إلى استغلال هذه المقاطع التي تُعيد تصوّر المدن الأوروبية بعد "تغيّرها بفعل الهجرة"، من أجل الترويج لأفكارٍ عنصريةٍ، مدّعين زوراً أنّ الذكاء الاصطناعي يتنبّأ بـ"المستقبل" بموضوعية. هذه المقاطع التي تُظهر المهاجرين وكأنهم "يستبدلون" بالسكان البيض يمكن إنتاجها بسرعةٍ باستخدام تطبيقات دردشةٍ شائعة تعمل بالذكاء الاصطناعي، على الرغم من أن تلك المنصّات تضع قيوداً يُفترض أنّها تمنع نشر المحتوى الضار، وفقاً لما أكّده خبراء لوكالة الصحافة الفرنسية. وأوضح الرئيس التنفيذي لمركز "التصدّي للكراهية الرقمية" (Center for Countering Digital Hate)، عمران أحمد، للوكالة: "يُستغلّ الذكاء الاصطناعي حالياً لتصوّر ونشر السرديات المتطرّفة". وفي يونيو/حزيران الماضي، أعاد الزعيم اليميني البريطاني المتطرّف، تومي روبنسون، نشر مقطع فيديو بعنوان "لندن عام 2050" على منصة إكس، وقد حصد أكثر من نصف مليون مشاهدة. وردّ أحد المتابعين قائلاً: "أوروبا بأكملها هالكة لا محالة". روبنسون، الذي سبق أن نشر مقاطع مشابهة تُظهر مدناً مثل نيويورك وميلانو وبروكسل، قاد في سبتمبر/أيلول الماضي أضخم مسيرةٍ لليمين المتطرّف في وسط لندن منذ سنوات، شارك فيها نحو 150 ألف شخص احتجاجاً على ما وصفوه بـ"تدفّق المهاجرين". وأشار أحمد، من مركز مكافحة الكراهية الرقمية، إلى أنّ "أنظمة الإشراف على المحتوى تفشل باستمرارٍ عبر جميع المنصات في منع إنشاء هذا النوع من المواد ونشرها"، لافتاً إلى أنّ منصة إكس، المملوكة للملياردير التقني إيلون ماسك، تُعدّ "أداةً قويةً لتضخيم خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة". أما "تيك توك" فقد حظرت الحساب الذي يقف وراء المقاطع التي نشرها روبنسون، مؤكدةً أنها تغلق الحسابات التي تروّج مراراً لأيديولوجياتٍ كراهية، بما في ذلك نظريات المؤامرة. ورغم ذلك، فقد حصدت هذه المقاطع ملايين المشاهدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأُعيد نشرها من قبل قوميين متطرفين في أوروبا، من بينهم الناشط النمساوي مارتن زلنر، والنائب البلجيكي اليميني سام فان روي. وفي إبريل/نيسان الماضي، نشرت عضوة البرلمان الأوروبي، الإيطالية سيلفيا ساردوني، المنتمية إلى حزب "ليغا" اليميني الشعبوي، مقطع فيديو ديستوبيّاً عن مدينة ميلانو على "فيسبوك" متسائلةً: "هل نريد حقّاً هذا المستقبل؟". كذلك أصدر حزب "الحرية" (Party for Freedom) بزعامة الهولندي اليميني المتطرّف غيرت فيلدرز، مقطعاً مشابهاً للانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول بعنوان "هولندا عام 2050"، يظهر فيه نساءٌ يرتدين الحجاب، متنبّئاً بأنّ الإسلام سيصبح حينها الديانة الأكبر في البلاد، رغم أنّ نسبة المسلمين لا تتجاوز حالياً ستة بالمائة من السكان. وأوضحت الباحثة في "مدرسة لندن للاقتصاد" (London School of Economics) بيتريز لوبيز بواركي، المتخصّصة في السياسة الرقمية ونظريات المؤامرة، أنّ هذه المقاطع "تُضخّم الصور النمطية الضارة التي يمكن أن تغذّي العنف"، مضيفةً: "التطرّف الجماعي الذي يُسهّله الذكاء الاصطناعي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم". الكراهية أصبحت تجارةً مربحة يقدّم الشخص الذي يقف وراء إنتاج هذه المقاطع، مستخدماً اسماً مستعاراً، دوراتٍ مدفوعةً لتعليم الآخرين كيفية إنشاء مقاطع مماثلة بالذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أنّ "نظريات المؤامرة تُعدّ موضوعاً رائعاً لجذب المشاهدات". وأوضحت بواركي أنّ "المشكلة أننا نعيش اليوم في مجتمعٍ أصبحت فيه الكراهيةُ عملاً مربحاً". ويبدو أنّ منتجي هذه المقاطع العنصرية موزّعون في دولٍ مختلفة، من بينها اليونان وبريطانيا، مع حرصهم على إخفاء أماكنهم الحقيقية. وترى بواركي أنّ هذه المقاطع تمثّل "تجسيداً بصرياً لنظرية المؤامرة المعروفة باسم نظرية الاستبدال الكبير"، التي روّج لها كاتبٌ فرنسي، وتزعم أنّ النخب الغربية تتآمر على استبدال السكان الأصليين بالمهاجرين. وأضافت: "لقد استُخدمت هذه النظرية تحديداً مراراً لتبرير هجماتٍ إرهابية"، مشيرةً إلى أنّ التواريخ المستديرة مثل عام 2050 تتكرّر أيضاً في نظريات مؤامرة مشابهة، مثل "إبادة العِرق الأبيض"، التي تتضمّن بدورها عناصر معادية للسامية. وأشار مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية في أوروبا إلى أنّهم طلبوا من أدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة، منها "تشات جي بي تي" و"غروك" و"جيميني"  و"فيو 3"، إنشاء صورٍ لمدنٍ مثل لندن عام 2050، فكانت النتائج في العموم إيجابيةً ومشرقة. لكنّ الخبراء أكّدوا أنّه يمكن توجيه هذه الأدوات بسهولة لإنتاج صورٍ ذات طابعٍ عنصريّ. وقال سلفاتوري رومانو، رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة "إيه آي فورنزِكس" (AI Forensics)، إنّه "لا توجد أيّ أنظمة إشرافٍ دقيقة بنسبة مائة بالمائة"، مضيفاً أنّ هذا "يترك مجالاً للجهات الخبيثة لاستغلال أدوات الدردشة لإنتاج صورٍ من هذا النوع تتعلّق بالمهاجرين". أما الأكاديمي مارك أوين جونز، المتخصّص في دراسة المعلومات المضلّلة في فرع جامعة "نورث وِسترن" في قطر، فقد لاحظ أنّ "تشات جي بي تي" رفضَ إنشاء صورٍ تُظهر جماعاتٍ عِرقية "بطرقٍ مُهينةٍ أو نمطيةٍ أو تُجرّدها من إنسانيتها"، لكنه وافقَ على إنشاء صورةٍ بعنوان "لندن متنوّعة وكئيبة تسعى للبقاء"، ثم طلب منه تعديلها لتصبح "أكثر شمولاً، مع وجود مساجد أيضاً". وفي الصورة النهائية، يظهر رجالٌ ملتحون بثيابٍ ممزّقةٍ يجدّفون في نهر التايمز المليء بالنفايات، بينما تعلو المساجد أفق المدينة. تجدر الإشارة إلى أنّ وكالة الصحافة الفرنسية، إلى جانب أكثر من مائة جهةٍ لتدقيق الحقائق حول العالم، تتلقّى دعماً من "تيك توك" و"ميتا"، الشركة الأمّ لـ"فيسبوك"، للتحقّق من مقاطع الفيديو التي يُحتمل أن تحتوي على معلوماتٍ مضلّلة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية