تشريعات أكثر صرامة بهدف مكافحة التجسس والإرهاب في ألمانيا
عربي
منذ 6 أيام
مشاركة
أقرّت الحكومة الألمانية الاتحادية، الأسبوع الماضي، وعملاً بورقة اتفاق ائتلاف "إشارات المرور" الحاكم، مشروع قانون مقدم من وزارة العدل الاتحادية يقضي بتشديد العقوبات الجنائية المتعلقة بمكافحة الإرهاب في ألمانيا وتلك المتمثلة بنشاط عملاء الاستخبارات، في خطوة من شأنها تمكين أجهزة إنفاذ القانون من "مكافحة التحضير للهجمات الإرهابية والحرب الهجينة بفعالية أكبر". على ماذا انطوت التعديلات على القانون وما الأهداف منها وأهميتها في المرحلة الراهنة؟ تضمنت التعديلات على القانون، من بين أمور أخرى، جعل التحضير لهجمات باستخدام أدوات خطيرة مثل السكاكين والمركبات الآلية جريمة في المستقبل وتم إدراجها في قائمة القانون الجنائي الحالي. بالاضافة إلى ذلك، سيتم تجريم مغادرة ألمانيا والعودة إليها بقصد ارتكاب جريمة إرهابية ويعاقب عليها بالسجن حتى عشر سنوات. ويستهدف هذا التعديل الأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج لتلقي التدريب على "الأعمال الإرهابية"، فضلاً عن مواجهة التهديد المتزايد مما يسمى "المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، أو أولئك الذين يقومون بتهريب أعضاء من "منظمات إرهابية بدوافع جرمية". تجريم تمويل الأعمال الإرهابية من جهة ثانية، تمّ توسيع نطاق "تجريم تمويل الأعمال الإرهابية" بشكل أشمل وتوسيع المسؤولية بهدف منع الأنشطة شديدة التنظيم من كسب حاضنة تنفذ مآربها، وبما يشي بأن الحكومة تسعى لتحسين مقاضاة المهاجمين المحتملين أثناء التدبير للهجمات. في هذا الإطار، ووفق خبراء، فإن حادثة الطعن في مدينة زولينغن، التي حصلت في 24 أغسطس/ آب 2024 ينطبق عليها مثل هذا التعديل. في حينه، قُتل ثلاثة أشخاص وجُرح ثمانية آخرون خلال مهرجان المدينة الواقعة في غرب ألمانيا، على يد شخص طعناً بالسكين. وأظهرت التحقيقات لاحقاً أن المرتكب تحدث مع مؤيدي تنظيم داعش عن مخططه عبر تطبيق تليغرام، وطلب المشورة وأرسل فيديو يعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم، ولو تتبع المحققون المحادثات في الوقت المناسب لكان من الممكن منع الجريمة. سيمونه كوتسنر: وسّع إقرار القانون نطاق المسؤولية الجنائية في الفترة التي تسبق الهجمات واستجابة لحالة التهديد الجيوسياسي، زاد حد العقوبة الجنائية بحق نشاط عميل الاستخبارات بشكل كبير، فحمل تعديل المادة 99 تشديد العقوبة الجنائية لأي شخص يقوم أو يوافق على القيام بأنشطة تجسس لصالح حكومات أجنبية وموجهة ضد جمهورية ألمانيا الاتحادية بعقوبة تصل إلى عشر سنوات، بدلاً من خمس سنوات أو الغرامة. ومع تصنيفها بالجريمة الخطيرة للغاية، سيسمح باتخاذ إجراءات تحقيق سرية بشأنها، مثل التنصت على المكالمات الهاتفية في المنازل أو عمليات البحث على الإنترنت، لتنقل المعلومات لاحقاً إلى السلطات المعنية. وكل ذلك في رد على التهديدات المتزايدة لأمن ألمانيا الذي تشكله جرائم التجسس للاستخبارات الأجنبية، على الأقل منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022. في السياق، اعتبرت وزيرة العدل ستيفاني هوبيغ في بيان صادر عن مكتبها أن "التعديلات تقدم رداً واضحاً ضد المتطرفين والشبكات الإرهابية والدول الاستبدادية، التي تنشط باستخباراتها الأجنبية وتهديداتها المتزايدة ضد المصالح الألمانية والمجتمع الحر في البلاد". وعن أهمية التعديلات على العقوبات الجنائية، اعتبر الباحث في الشؤون الخارجية والأمنية الأوروبية سيمونه كوتسنر، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن الحكومة الألمانية دمجت المبادئ التوجيهية الأوروبية في القانون الألماني ذي الصلة. ووسع إقرار القانون، المفترض أن ينال مصادقة البوندستاغ (البرلمان)، والبوندسرات (المجلس الاتحادي الألماني، أي الهيئة التشريعية التي تمثل الولايات الـ16 في البلاد)، نطاق المسؤولية الجنائية في الفترة التي تسبق الهجمات وأعمال العنف. ومن جهة ثانية، فإن الأمر يتعلق بضمان أمني أكبر وسيسمح عملياً بالتصدي بالصلاحيات القانونية للوضع المتغير والخطر وأعمال العنف التي تشهدها البلاد واكتشاف شبكات تجسس تعمل لصالح جهات أجنبية. قبل أيام، تصدر الاهتمام حكم المحكمة العليا في دريسدن الصادر في إحدى أبرز قضايا التجسس نظراً لنوعية المرتكب، وحكمت بالسجن لمدة أربع سنوات وتسعة أشهر بحق جيان جي، الموظف السابق الذي كان مساعداً للنائب المنتمي لحزب البديل من أجل ألمانيا ماكسيميليان كراه. وأدين جيان بتهمة العمل لصالح الحكومة الصينية، وقيامه بنقل معلومات حساسة أثناء عمله في البوندستاغ. كذلك، ألقت السلطات القبض على مجموعة من ثلاثة أشخاص على علاقة بحركة حماس. ووفق المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الألمانية)، فإنه من خلال هذه العملية النوعية تم إحباط محاولة اغتيال (من دون توضيح هوية المُستهدف) في ألمانيا، والمشتبه بهم الثلاثة استحصلوا على أسلحة من شبكات إجرامية في السويد والدنمارك. والأهم، وفق كوتسنر، أن الأمر لم يعد يقتصر على مصنّعي القنابل مثلاً، بل شُدّدت عقوبة من يستخدم السكين أو المركبة أو يساعد في التحضير لتنفيذ الجريمة، التي أضحت في الآونة الأخيرة وسائل تنفيذ أساسية للعديد من الاعتداءات في البلاد. وختم كوتسنر بالقول إن الواجب يبقى تعزيز الإدارات بالكوادر المؤهلة، بينها مثلاً زيادة عدد موظفي مكتب المدعي العام حتى يتسنّى له التعامل مع إجراءات مكافحة الإرهاب بسرعة وعملاً بأحكام القوانين. مصدر أمني: القانون على الورق وحده لا يمنع وقوع الهجمات الحاجة إلى كوادر وتقنيات في ألمانيا وتماشياً مع ما تم ذكره، رحب مصدر أمني، رفض الكشف عن اسمه، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بإقرار القانون، مشيراً إلى أنه بالنسبة لسلطات التحقيق والمحاكم، فإن اللائحة الجديدة من التعديلات تعني جمع أدلة معقدة وجهداً إضافياً كبيراً، لأن القانون على الورق وحده لا يمنع وقوع الهجمات، ومن دون كوادر وتقنيات لا سبيل لتحقيق الأهداف وسيكتب الفشل لهذا النوع من الإصلاح. وعليه، فإن هناك حاجة للاستثمار في الموارد والمعدات التقنية الحديثة، كي تتمكن أجهزة الشرطة والقضاء من المضي في عملها بحرفية، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. وعليه، لا مناص من القول إن العقبات لا تزال كبيرة، وسيتعين على السلطات إثبات أن شخصاً ما على سبيل المثال قد اشترى سكيناً أو أسلحة نارية أو صنع متفجرات لارتكاب جريمة. من وجهة نظر الرابطة الاتحادية لضباط الشرطة الجنائية الألمانية، فإن ما شرعت به الحكومة مهم، إذ أوضح رئيسها ديرك بيغلو، في حديث مع صحيفة دي فيلت، الأسبوع الماضي، أن إدراج ما يسمى بـ"الأدوات الخطرة"، كالمركبات والسكاكين، يساهم في سد ثغرة كانت موجودة سابقاً، ويحسن مستوى التعامل بحزم مع حالات التهديد الحالية، وقال إن التعديلات بمنح صلاحيات قانونية ستمكن الأجهزة الأمنية من تحديد هوية الجناة، الذين يلجأون إلى أدوات يومية للتحضير لجريمتهم في الوقت المناسب ومحاكمتهم في ما بعد. وشدّد على أنه لم يعد بإمكان أي شخص في ألمانيا التحضير لأي هجمات عنفية والإفلات من العقاب. كل ذلك، مع تطبيق أهم المهام الحساسة، التي ليست سهلة في الوقت نفسه، عند إجراء التحقيق، وهي ربط المسؤولية الجنائية بوضوح بـ"النية الإرهابية"، أي أنه يجب على المحققين ربط الأدلة والبراهين بخطط الهجمات الملموسة، عبر مراقبة الجناة المحتملين.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية