
عربي
بقيت ولاية كوجالي التركية "سنجقاً" (مقاطعة) مستقلاً حتى أيام الإمبراطورية العثمانية، حيث أسّست كينونتها الخاصة ورسمت ملامحها المستقلة، رغم قربها من مدينة إسطنبول التي كانت تُعرف بـ"القسطنطينية"، وظلّت عصيّة على مخاطر الابتلاع أو التلاشي ضمن إحدى أعظم المدن التاريخية.
تلمّست ولاية كوجالي طرق التميّز، فكان أن لعبت دوراً محوريّاً على المستويات الزراعية والصناعية والعقارية، وتمكّنت بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي من استقطاب السيّاح، فهي تقع شمال غربي تركيا، تحدّها إسطنبول غرباً، والبحر الأسود شمالاً، ومدينة سكاريا شرقاً، وولاية بورصة جنوباً، وولاية يالوا في جنوبها الغربي، عدا عن أنها تحتضن مساحة شاسعة من بحر مرمرة.
تكشف المروّجة السياحية، بتول آلتن باش، أنّ البرامج السياحية إلى إسطنبول أو الولايات المحيطة لا تخلو من زيارة المعشوقية في ولاية كوجالي وصبنجة في ولاية سكاريا، أضف إلى جولات السيّاح في 12 منطقة من مناطق ولاية كوجالي، وفي مقدمتها إزميت وغبزي، ناهيك عن متعة زيارة جبل كارتبه في موسمَي الشتاء والصيف والاستمتاع بالتزلج أو التخييم والمشي والعديد من الهوايات والرياضات. وترى آلتن باش أن سحر المنطقة وجمال طبيعتها وقربها من إسطنبول كلها عوامل مهمة بالنسبة للسيّاح الذين يرغبون بالتجول واستكشاف المعالم السياحية والطبيعية والعودة إلى الفندق في اليوم ذاته.
وتشير لـ"العربي الجديد" إلى أن "قرب الولاية من إسطنبول جعلها ضمن برامج السياحة والتسوّق لدى زوّار إسطنبول أو ولايتَي بورصة ويالوا. وقد أتقنت كوجالي استغلال هذه الميزة، فكان أن حَوَت أكبر المنشآت السياحية ومراكز التسوق التجارية وأهمها، إلى جانب احتفاظها بالبازارات الشعبية التقليدية، وإطلاق مؤسسات تعليمية جذبت العديد من الطلاب، حتى المقيمين في إسطنبول، إلى جانب سعيها لتصبح وجهة طبية معتمدة، نظراً لطبيعتها البحرية وهوائها الجبلي، حيث احتضنت أحد أكبر المستشفيات وأكثرها تخصصاً، ونشطت فيها كذلك السياحة العلاجية كونها قريبة من المياه المعدنية الكبريتية الموجودة في ولاية يالوا".
وتوضح المتخصصة بالشأن السياحي، أنّ كوجالي تجذب محبّي الهدوء والإطلالة البحرية، فهي ولاية الجبال والبحار، من احتضانها جبال يواجيك إلى إطلالتها على البحر الأسود وبحر مرمرة وشاطئ صبنجة، معتبرةً أن كل منطقة في الولاية هي بمثابة متحف مستقل يستحق الزيارة والتأمل بجمال طبيعته وهدوء أجوائه، سواء منطقة غبزي أو إزميت أو ديلوفاسي مروراً بمنطقة كورفيز وداريجة وكانديرا وصولاً إلى كارتبه وباشيسكلي وغولجوك وكارامورسيل.
بدوره، يقول مصطفى آيدن من منطقة يواجيك التي ضربها الزلزال المدمّر الذي شهدته ولاية كوجالي عام 1999 وأدّى حينها إلى مصرع أكثر من 17 ألف شخص، لـ"العربي الجديد"، إن ولاية كوجالي "تُعدّ من أقدم ولايات تركيا، فهي موجودة حتى قبل عصر الإمبراطورية الرومانية، وتضمّ مدينة نيقوميديا التي تُعرف اليوم باسم إزميت، والتي سبق أن سُمّيت عاصمة الشرق خلال ولاية الإمبراطور دقلديانوس. وهناك حتى اليوم آثار تدلّ على قِدم الولاية، مثل معبد ديميتر بمنطقة إزميت".
ويعتبر آيدن، الذي يعمل في مجال السياحة والاستثمار، أنّ أهمية كوجالي تأتي من عوامل عدة، "أبرزها قربها من إسطنبول وبورصة اللّتين كانتا عاصمتَي الدولة العثمانية، ومن ثم تخصصها في الصناعة حيث تمتلك أكبر حوض لبناء السفن وأكبر مصنع للورق وأكبر مصنع للإطارات والسيارات والأدوية الأساسية في تركيا. وقد شكلت السياحة قيمة مضافة إلى جانب الصناعة، وتمكنت الولاية من تلبية حاجات السيّاح والمقيمين، ومن إثبات استقلاليتها واكتفائها الذاتي، رغم قربها من ولايات كبيرة ومشهورة".
وعن أهم المأكولات في ولاية كوجالي، يقول آيدن إن الطعام يتشابه في معظم الولايات التركية، من اسكندر كباب إلى الدجاج المغطّى بالملح والشاورما التركية، مروراً بالتنتوني والكومبير، إلى الدولمة والتشي كفتة، غير أن كل ولاية ومدينة لها خصوصيتها. ويضيف: "تُعرف أضنة بالكباب وقيصري باللحوم المجففة، أما كوجالي فتتميز بالطعام الذي تدخله الحبوب والخضار مثل شوربة أوماتش، الغوزلاما، جيغجيلي كافورما، مانغر وغيرها، نظراً لإنتاجها الزراعي. فهي رغم صغر مساحتها الزراعية، تُعتبر من الخزانات الغذائية لتركيا بالنسبة للقمح والشوفان والذرة والطماطم والملفوف والسبانخ والفاصولياء العريضة والكرفس والخرشوف (الأرضي شوكي)، إضافة إلى الفاكهة التي تنمو في المرتفعات مثل التفاح والكرز الحامض والخوخ والعنب والتوت، وكذلك عصير البشمانية وعصير إزميت تشين".
وتزخر ولاية كوجالي بمعالمها السياحية والطبيعية وآثارها التاريخية التي تعود إلى عصر الرومان والسلجوقيين والعثمانيين، وكونها تطلّ على بحرين فهي تُعتبر ممرّاً إلزامياً وصلة وصل بين بورصة وسكاريا وإسطنبول. وليس أدلّ على قِدم الولاية وأهميتها من قلعة "اسكي حصار" التي تم ذكرها لأول مرة عام 1241 ميلادي، بوصفها تحصينا بيزنطيا، وتم بناء جدرانها الداخلية من قبل الإمبراطور مانويل الأول كومنينوس في الجزء الثاني من القرن الثاني عشر. ويأتي متحف كوجالي في مقدمة المعالم الجاذبة التي تحفظ أسرار الولاية وتؤكد أقدميتها، حيث يعرض التحف والأجسام التي تصف الأعراق البشرية وثقافاتهم، ويزيده جذباً كونه يتربع ضمن قصر يعود بناؤه إلى مئات السنين، ويطلّ مباشرة على بحر مرمرة. ولا نغفل متحف "سفينة يار حصار" المخصص للسفن والقطع البحرية التاريخية، ومنطقة كافكان ذات الصخور الوردية المطلة على البحر الأسود والزاخرة بالمواقع الشيّقة.
وحين نتحدث عن كوجالي لا يمكن أن ننسى برج الساعة في منطقة إزميت المطلّ على خليج إزميت على بحر مرمرة، والذي يعود إلى العام 1901 عندما بنت تركيا أبراج الساعة في عدد من الولايات، إحياءً للذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني عرش الإمبراطورية العثمانية.
ومن المعالم المميزة في الولاية منطقة المعشوقية بينابيعها وشلالاتها المنحدرة من جبل كارتبه الشهير، والمواقع السياحية المستحدثة، مثل غابة كوجالي وحديقة الحيوانات فاروق يالجين وحديقة ومنتزه سيكا بارك، والتي زادت من عوامل جذب السيّاح والمواطنين لزيارة ولاية كوجالي.
