خطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزّة
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
بعد مفاوضات مكثّفة استمرّت يوم وليلة 8 أكتوبر/ تشرين الأول في شرم الشيخ، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب والوسطاء فجر اليوم الذي تلاه عن التوصّل لاتفاق يفضي لوقف إطلاق النار في غزّة، في خطوة تُنهي عامين من الحرب والدمار. يأتي هذا الإعلان تتويجًا لجهود وساطة إقليمية حثيثة قادتها مصر وقطر وتركيا، تحت إشراف أميركي، تمثّل بالمبعوثين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، في وقت تعيش فيه غزّة إبادة جماعية ووحشية مُفرطة. قراءة في التفاصيل التنفيذية يكشف تحليل بنود الاتفاق عن دقّة في الصياغة يتخلّلها قصدًا غموض استراتيجي في نقاط حسّاسة. تشمل البنود الرئيسية وقفاً فورياً لإطلاق النار، وانسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية إلى ما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، وهو الحدود المبدئية للانسحاب. واستناداً إلى بنود خطّة ترامب التي شكّلت أساس المفاوضات، فإنّ آلية تبادل الأسرى تتضمّن الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الأحياء مقابل إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً محكومين بالمؤبّد و1700 مُعتقل من غزّة، مع تأجيل ملف الجثامين لمراحل لاحقة. الأبعاد الإنسانية والقانونية يواجه الاتفاق اختباراً حاسماً على المستوى الإنساني والقانوني، فمن الناحية الإنسانية يشكّل تدفّق المساعدات وإعادة الإعمار مُعضلة لوجستية هائلة في ظلّ بنية تحتية دمّرها الجيش الإسرائيلي بنسبة 90%، بعد أن جعل من القطاع كومة من الرمال والحجارة لتحقيق أحد أهم أهدافه، وهو استحالة عودة الحياة للفلسطيني في قطاع غزّة مرّة أخرى. يكشف تحليل بنود الاتفاق عن دقّة في الصياغة يتخلّلها قصداً غموض استراتيجي في نقاط حسّاسة لقد رحّبت الأمم المتحدة بالاتفاق وطالبت بضمان وصول المساعدات بشكل فوري وغير مشروط. أمّا قانونيًا، فإنّ بنود الاتفاق تُثير إشكاليات تتعلّق بحقّ العودة للنازحين، ووضع الأسرى، والضمانات الدولية لحماية المدنيين، خاصة في المناطق التي ستظلّ تحت السيطرة الإسرائيلية. آليات الرقابة والضمانات التنفيذية تمّ وضع آلية رقابية ثلاثية المستوى، تشمل لجان رقابة مُشكّلة من الوسطاء الدوليين، ووجود مراقبين دوليين على الأرض، لكن تبقى هذه الآليات رهينة بالإرادة السياسية للدول الكبرى، بسبب سيطرة إسرائيل على القطاع، ومدى فعالية مجلس الأمن وتوازنات القوى. وقد أعلنت الأمم المتحدة استعدادها للإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية، بينما سيتولى الصليب الأحمر عملية تبادل الأسرى. ردات الفعل يمكن رصد تباين واضح في ردات الفعل على المستوى الدولي والإقليمي. فقد عبّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، عن ارتياحه للاتفاق، مُعرباً عن أمله في أن يمهّد الطريق لحل دائم، كما رحبت الدول العربية والإسلامية بالاتفاق وشدّدت على أهمية تنفيذ جميع بنوده. من جهة أخرى، أبدت إيران تحفّظها على بعض البنود. على المستوى الفلسطيني، ظهرت انقسامات بين ترحيب رسمي وتحفّظات شعبية، خاصة في ما يتعلّق ببنود الاحتفاظ بالسيطرة الإسرائيلية على جزء كبير من القطاع على المستوى الفلسطيني، ظهرت انقسامات بين ترحيب رسمي وتحفّظات شعبية، خاصة في ما يتعلّق ببنود الاحتفاظ بالسيطرة الإسرائيلية على جزء كبير من القطاع. التحديات التنفيذية والعقبات المحتملة رغم التفاؤل الحذر الذي صاحب الإعلان، إلّا أنّ التحديات التنفيذية تظل جسيمة، ويشير التاريخ التفاوضي إلى نمط منهجي في التعامل الإسرائيلي مع الاتفاقيات، يتمثّل في التفسير الانتقائي للبنود والمُماطلة في التنفيذ. كما أنّ تعقيدات الانسحاب التدريجي، حيث إن الاحتفاظ بالسيطرة على 53% من أراضي القطاع (حسب الاتفاق) يطرح تساؤلات حول جدية الانسحاب الحقيقي. إضافة إلى ذلك، فإنّ الآلية الزمنية لتبادل الأسرى، والتي بموجب نصّ الخطة الأصلية، تقضي بإعادة الأسرى (الأحياء والرفات) أولاً، قبل أن تبدأ إسرائيل بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، تخلق هرمية في عملية التبادل قد تشكّل عقبة تنفيذية، خاصّة في ظلّ التأكيد الإسرائيلي الدائم على أولوية ملف الأسرى، ممّا يُثير هواجس حول إمكانية تأجيل أو تعليق الأسرى الفلسطينيين، في حال وجود تعقيدات حول رفات الإسرائيليين. سيناريوهات متوقّعة وآليات المراقبة في ضوء تحليل موازين القوى والبنود التفصيلية، تبرز ثلاثة سيناريوهات رئيسية. السيناريو الأوّل يتمثّل في تنفيذ جزئي مع إدارة مستمرة للأزمة (الوسطاء الدوليين)، وهو الأكثر واقعية في ظلّ غياب الحل السياسي الشامل. السيناريو الثاني يحتمل انهياراً متدرّجاً للاتفاق بسبب الخلافات حول تفسير البنود الغامضة. أما السيناريو الثالث فيُتوقّع أن يُصار إلى عملية سياسية شاملة، وهو الأقلّ احتمالاً في الأفق القريب في ظلّ الاستقطاب الحاد داخل الأروقة السياسية الإسرائيلية. بين الدبلوماسية والواقع يُشكّل اتفاق شرم الشيخ لحظة تحوّل في إدارة العدوان الإسرائيلي، من المنطق العسكري إلى المنطق التفاوضي، الذي فُرض على الاحتلال بفعل الصمود الفلسطيني والضغط الأميركي، لكنه يظل اتفاقاً هشّاً في ظلّ غياب الرؤية السياسية الشاملة والضمانات الأميركية والدولية الفاعلة، وعدم وضوح آليات التنفيذ على الأرض. نجاح الاتفاقية سيعتمد على رغبة ترامب وقدرة المجتمع الدولي على فرض رقابة فعّالة، واستعداد حكومة نتنياهو المُتطرفة للالتزام وإنهاء الإبادة الجماعية في القطاع نجاح الاتفاقية سيعتمد على رغبة ترامب وقدرة المجتمع الدولي على فرض رقابة فعّالة، واستعداد حكومة نتنياهو المُتطرفة للالتزام وإنهاء الإبادة الجماعية في القطاع، والكفّ عن ممارساتها العدوانية والتوسّعية في الضفة الغربية، وتحويل الهدنة إلى عملية سياسية حقيقية. إذن، التحدي الأكبر يتجسّد في تحويل هذا الإنجاز الدبلوماسي إلى واقع ملموس لأهالي غزّة والضفة، وضمان أن لا يكون مجرّد هدنة مؤقّتة تسبق حرباً أوسع، بل خطوة حقيقية نحو حل دائم يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وتقرير مصيره.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية