
عربي
يترافق تزايد حالات العنف الأسري في العراق مع مخاطر عدة ومشاكل تتوسّع اجتماعياً لتشمل أقرباء وأشخاصاً محيطين بالضحايا، وتولّد نتائج مأساوية قد تصل إلى القتل. وكشفت إحصاءات أصدرها مجلس القضاء الأعلى حصول 13.857 حالة عنف أسري في النصف الأول من العام الماضي، و18.436 عام 2023، و21.595 عام 2022. وحددت نسبة حالات اعتداء الأزواج على الزوجات بـ75% من إجمالي الحالات، واعتداء الزوجات على الأزواج (17%)، واعتداء الوالدين على الأبناء (6%)، بينما بلغت نسبة العنف ضد كبار السن 2%. ولفتت الإحصاءات إلى أن العنف الجسدي كان الشكل الأكثر شيوعاً من بين أنواع العنف الأسري، تلاه العنف الجنسي، ثم اللفظي.
وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية، بلغ عدد دعاوى العنف الأسري المسجّلة من يناير/ كانون الثاني 2024 إلى مايو/ أيار من العام نفسه 13.857، غالبيتها عنف بدني.
تروي رنا الشيخلي، وهي أمّ لثلاث فتيات وتسكن في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة بغداد، بصوت منخفض قصتها مع العنف الذي تعيشه منذ سنوات، وتصف في حديثها لـ"العربي الجديد" حياتها بأنها "جحيم" من جراء تعرضها لضرب مستمر من زوجها، وتقول: "أحاول ألا أجادل زوجي حتى لو ظلمني. أخاف أن يرفع يده عليّ أمام بناتي. لم أشتكِ لأحد، ولا أستطيع الذهاب للشرطة، فالجميع سيقول إن بناتي بنات مطلقة". وتعتبر أن خوفها أصبح جزءاً من يومياتها، وتشير إلى أنها تخفي كدماتها بالمكياج، وتتعمد الصمت حين يعلو صوت زوجها. وتقول: "أفكر أحياناً بالهرب، لكن من سيحمي بناتي؟".
وفي حي آخر بالعاصمة بغداد، تحدثت سارة عباس (22 عاماً) لـ"العربي الجديد" عن ضرب شقيقها الأكبر لها كلما تأخرت في العودة من الجامعة، أو عند خروجها مع إحدى صديقاتها، وقالت بصوت مرتجف: "يشك فيّ دائماً، ويقول إن تصرفاتي غير لائقة رغم أنني لا أفعل شيئاً خطأ. تمنيت مرات كثيرة الموت كي أرتاح من هذه الحياة. أي تصرف عادي قد يُفسّره شقيقي بأنه خطأ ويُغضبه، لذا لم أعد أخرج كثيراً من المنزل، وأفكر في ترك الدراسة".
ولا يقتصر العنف على النساء، ويخبر حيدر، وهو فتى في الـ16 من العمر يبيع مناديل ورقية في شارع مزدحم ببغداد، "العربي الجديد"، أن والده يضربه إذا لم يجلب له نقوداً كافية، وأنه أجبره على ترك المدرسة للعمل، كما يضرب أمه عندما تحاول الدفاع عنه. وتقول: "أتمنى أحياناً أن أموت مثل كثيرين قُتلوا في حوادث دهس وشاهدتهم بعيني".
وحول مخاطر العنف الأسري في العراق، قال الطبيب النفسي محمد التميمي لـ"العربي الجديد": أعالج حالات نفسية نتجت من العنف الأسري، وقد تعدى بعضها المتضررين المباشرين إلى آخرين، إذ انعكس عنف أحد الزوجين على أولادهما وبناتهما، كما أشاهد آثار عنف على أجسام كثيرين خصوصاً نساء وفتيات، لكن الأخطر أنه يخلق ندوباً نفسية عميقة قد تلازم الضحايا سنوات".
يتابع: "نقرأ في الصحف والمواقع الإلكترونية وأشاهد عبر الإعلام ارتفاع الشجارات والعراك بين شخصين أو مجموعة أشخاص قد يكونون أصدقاء أو أقارب أو جيراناً وصولاً إلى استخدام أسلحة نارية تسببت في سقوط قتلى. الأكيد أن الوضع النفسي غير السليم أدى إلى هذه النتائج، وربما قد يكون ذلك من آثار العنف الأسري، وهذا ما حصل في حالات عدة شهدت ثأر شخص لتعرض شقيقته لتعنيف من زوجها، وترافقت مع عراك توسّع إلى آخرين. فعلياً، مخاطر العنف الأسري كثيرة إذ قد يولّد القلق المزمن والاكتئاب واضطرابات النوم، ويقود أحياناً إلى حالات انتحار وزاد أرقامَها".
من جهتها، قالت الباحثة الاجتماعية فائزة حسن التي تنشط أيضاً في حماية حقوق النساء ضمن منظمات مجتمع مدني، لـ"العربي الجديد": "تستقبل المؤسسات والمنظمات المدنية تستقبل يومياً نساءً معنفات لا يملكن الجرأة لتقديم شكوى. بعض الأسر تعتبر لجوء المرأة إلى الشرطة عيباً، في حين يتعامل رجال الدين والعشائر مع العنف باعتباره مسألة داخلية لا يجوز أن تتدخل الدولة فيه". وأكدت أن "حملات توعوية وتثقيفية تتوجه بشكل مستمر للعائلات والنساء والأطفال لحثهم على اللجوء إلى القانون والمؤسسات المدنية لحمايتهم من العنف".
وبالعودة إلى رنا الشيخلي، فهي تعلم جيداً أنه يمكن أن تتواصل مع جهات حكومية كي تحميها من ضرب زوجها لها، لكنها تضع أمامها ثقافة المجتمع، "وتسأل: "ماذا سيقول عني الناس. اشتكت على زوجها. هذا أمر معيب في تقاليدنا". أما سارة عباس فلا تزال تحلم بأن تعيش حياة عادية من دون مراقبة كل خطوة تنفذها. وفي التقاطعات المرورية ذاته، يواصل حيدر بيع المناديل، ويرفع صوته كي يجذب زبائن بأمل أن تشرق شمس يوم جديد تتغير فيه طباع والده.
