
عربي
ارتبطت صناعة الصلب البريطانية تاريخيا بصعود بريطانيا بوصفها قوةً صناعية مهيمنة، ومن ثم إمبراطورية مترامية الأطراف منذ أواخر القرن الثامن عشر، تمظهرت قوة بريطانيا في ضخامة ما بنته من خطوط سكك حديدية وجسور حديدية معلقة وبوارج عملاقة، لكن هذه الصناعة تسير من أزمة إلى أزمة، وهناك مخاوف في الوقت الراهن من أن يكون مصيرها الزوال إذا استمرت حروب الرسوم الجمركية الراهنة.
فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط لزيادة الرسوم الجمركية على واردات الصلب، في خطوة وصفتها صناعة الصلب البريطانية بأنها قد تمثل "أكبر أزمة" واجهتها على الإطلاق. وحسب خطة المفوضية الأوروبية التي أعلنتها يوم الثلاثاء فإنه سيتم تقليص كمية الصلب التي يمكن استيرادها من دول الاتحاد الأوروبي إلى النصف، على أن تفرض رسوما جمركية على النسبة المتبقية معدل 50%.
ويُعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر سوق لتصدير الصلب البريطاني، إذ تبلغ قيمة الصادرات إليه نحو 3 مليارات جنيه إسترليني (3.75 مليارات دولار)، أي ما يعادل 78% من إجمالي صادرات الصلب البريطانية إلى الأسواق الخارجية. وجاءت الخطوة على وقع ضغوط من بعض الدول الأعضاء في الاتحاد والكيانات الأوروبية الممثلة لصناعة الصلب، والتي تكافح لمواجهة المنافسة من الواردات الرخيصة من دول مثل الصين وتركيا.
ويقترح الاتحاد الأوروبي خفض حصص الاستيراد المعفاة من الرسوم إلى 18.3 مليون طن سنويًا، أي بتراجع نسبته 47% مقارنة بمستويات عام 2024. ومن المقرر أن تدخل الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ في أوائل العام المقبل، لكنها تحتاج أولاً إلى موافقة أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد والبرلمان الأوروبي.
وبحسب وكالة الإحصاءات الأوروبية يورو ستات، بلغ حجم صادرات الاتحاد الأوروبي من الصلب 77 مليار يورو (89.7 مليار دولار)، بينما بلغت الواردات 73.1 مليار يورو (85.2 مليار دولار) في عام 2024.
مأزق الصلب البريطاني
لكن تطبيق هذا القرار سيضيف المزيد من المصاعب التي تواجه صناعة الصلب البريطانية، وربما يوجه لها ضربة قاضية، عندما تحرم من أهم الأسواق التي تستهدفها بعدما تم تجميد اتفاق محتمل لإلغاء الرسوم الجمركية على صادرات الصلب البريطانية إلى الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى في سبتمبر الماضي.
وتعاني هذه الصناعة منذ سنوات بسبب ما يعتريها من منافسة قوية من أسواق رخيصة مثل الصين وتركيا والبرازيل، واشتكى أقطاب الصناعة في الاقتصادات الغربية مما اعتبروه سياسات "إغراق" لأسواق الصلب. تجاه هذه الأوضاع تدخلت الحكومة البريطانية بالفعل في وقت سابق من العام الجاري واشترت مصانع صلب كانت مملوكة للصين خوفا من انهيارها، أما مصانع "ليبرتي ستيل" فقد انهارت بالفعل وأصبحت تحت إدارة الحكومة الشهر الماضي. وقال ليام بيتس، المدير العام لشركة مارشِغاليا في شيفيلد، التي تصنع منتجات من الصلب المقاوم للصدأ وتصدّر منتجاتها إلى الاتحاد الأوروبي، إن الإعلان يمثل "ضربة قوية". فيما قال مدير عام اتحاد شركات الصلب غاريث ستيث إنه "يجب أن تبذل الحكومة كل ما بوسعها لاستغلال علاقتنا التجارية مع الاتحاد الأوروبي لضمان حصص مخصصة لبريطانيا، وإلا فستواجه الصناعة كارثة محتملة".
من جانبه، تعهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قبل المغادرة إلى الهند في زيارة رسمية، بأن تدعم الحكومة "بقوة" صناعة الصلب البريطانية. ولم يكشف ستارمر عن طبيعة الإجراءات التي قد تتخذها حكومته لإنجاز ذلك، لكنه اكتفى بالقول: "سأتمكن من الكشف عن المزيد في الوقت المناسب، لكننا نجري مناقشات كما هو متوقع". أما وزير الصناعة كريس ماكدونالد فقال إن وزارته تضغط على المفوضية الأوروبية للحصول على توضيحات بشأن تأثير هذه الخطوة على المملكة المتحدة، مشيرا إلى أنه سيلتقي ممثلين عن صناعة الصلب البريطانية اليوم الخميس.
سياق دولي
وتتعرض صناعة الصلب الدولية لتراجع منذ سنوات مع تراجع الإقبال على مشترياته وظهور منتجين أقوياء مثل الصين يوفرون منتجات أرخص من حيث الأسعار. وتشير الأرقام المتداولة إلى أن الإنتاج العالمي من الصلب يقل عن حجم الطلب بفارق كبير، وبلغ الإنتاج العالمي في الماضي 2.3 مليار طن سنويا، بينما تقدّر رابطة الصلب الأوروبية (Eurofer) أن فائض الطاقة الإنتاجية العالمية من الصلب يبلغ نحو 602 مليون طن، أي أربعة أضعاف إجمالي استهلاك الاتحاد الأوروبي السنوي من الصلب.
وتنتج الصين وحدها 55% من الطاقة العالمية، وهو ما يزيد بكثير عن احتياجاتها المحلية. وفيما يعزو محللون اقتصاديون الأزمة الراهنة إلى ما يعتبرونه إنتاجا رخيصا من دول نامية، يشير كثيرون إلى تراجع الطلب العالمي لأسباب موضوعية منها تباطؤ قطاع التشييد والبناء في الصين، أكبر مستهلك، في السنوات الأخيرة. إضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة عالميا على المنتجين والتي أدت بدورها إلى تباطؤ عالمي في الصناعات المستهلكة للصلب.

أخبار ذات صلة.

الشرع وزيارة الضرورة
العربي الجديد
منذ 12 دقيقة