أليكسا ويلكنسون: عدسة في مرمى السلطة
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
لا يشبه اعتقال المصوّرة الصحافية الأميركية أليكسا ويلكنسون أيّاً من حملات استهداف الصحافيين الميدانيين، فالقضية لم تبدأ بصورة التقطتها في احتجاج، بل بجملة كتبتها على الإنترنت. إذ أُلقي القبض على ويلكنسون، التي عُرفت في السنوات الأخيرة بتوثيقها حركات الاحتجاج المناهضة للحرب في غزة، وبنشر صورها عبر حساباتها العامة على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن اعتقالها هذه المرة لم يكن بسبب وجودها في موقع الحدث، بل بسبب منشورٍ كتبته على الإنترنت، تحوّل إلى تهمةٍ رسمية تحت عنوان "التحريض اللفظي المصنَّف جريمة كراهية" – صيغة قانونية ثقيلة في بلد يُفترض أنه حارس لحرية التعبير. السلطات الأميركية قالت إن منشور أليكسا حمل طابعاً "معادياً للسامية"، بعدما انتقدت فيه تغطية صحيفة نيويورك تايمز للحرب في غزة، وسخرت من رئيس تحريرها التنفيذي جوزيف كان. لم يتضمّن المنشور أي تهديد مباشر أو تحريض صريح، لكن السلطات اعتبرت أن فيه "نيّة كراهية" كافية لإحالتها إلى المحاكمة بتهمة قد تصل عقوبتها إلى السجن. في المقابل، وصفت جمعية المساعدة القانونية في نيويورك القضية بأنها سابقة خطيرة تمس جوهر حرية الصحافة، مؤكدة أن ويلكنسون لم تشارك في أي عمل غير قانوني، وأنها كانت تمارس دورها المهني في توثيق الاحتجاجات، لا في التحريض عليها. قبل اعتقالها بشهرين فقط، كانت ويلكنسون قد التقطت صوراً لمجموعة من الناشطين أثناء رشّهم واجهة مبنى نيويورك تايمز بطلاء أحمر، احتجاجاً على ما وصفوه بـ"تواطؤ الصحيفة في تبرير جرائم الحرب الإسرائيلية". انتشرت الصور بسرعة عبر صفحات النشطاء والجماعات الحقوقية، مثل مجموعة "الكتّاب ضد الحرب في غزة"، واستخدمت في بيانات تطالب بمراجعة التغطية الإعلامية الأميركية للنزاع. بدا واضحاً أن عدستها لم تكن مجرد شاهد محايد، بل أداة إزعاج حقيقية لمؤسسات إعلامية اعتادت الاحتكار السردي للحرب. لكن لحظة الاعتقال فتحت باباً من الجدل في نيويورك: ففريق رأى أن ما جرى استهداف سياسي واضح، وأن تهم الكراهية تُستخدم لتكميم الأصوات المنتقدة لإسرائيل، بينما اعتبر فريق آخر أن منشورها تجاوز الحدود الأخلاقية. غير أن ما جمع الطرفين كان الصدمة من أن مصوّرة صحافية تُحاكم بسبب جملة كتبتها، لا بسبب فعل ارتكبته. قضية أليكسا لم تكن حادثة معزولة، بل جزءاً من مشهد أوسع يعيد طرح سؤال: ما حدود حرية التعبير في الولايات المتحدة؟ البلد الذي يقدّم نفسه بوصفه "منارة حرية الصحافة" يشهد في السنوات الأخيرة تصاعداً في الملاحقات القانونية ضد الصحافيين والمصورين الميدانيين. فقبل أشهر فقط، اعتُقل المصوّر صمويل سيليغسون أثناء تغطيته احتجاجاً أمام منزل مديرة متحف بروكلين، رغم حمله بطاقة صحافية رسمية، ووجّهت إليه التهمة نفسها: "جريمة كراهية". في الحالتين، لم يكن الفعل الإجرامي سوى العمل الصحافي ذاته. ما يميز حالة أليكسا أن الاتهامات تجاوزت صورها الميدانية إلى آرائها الشخصية على الإنترنت، أي إلى المنطقة الرمادية بين الرأي المهني والموقف الفردي. ما كتبته لم يكن أكثر من نقدٍ لتغطية إعلامية متحيزة، لكنه تحوّل إلى جريمة لأنه مسّ إسرائيل. فاليوم، أي لهجة حادّة تجاه مؤسسات إعلامية تُظهر انحيازاً لإسرائيل يمكن أن تُصنَّف تهديداً، حتى لو صدرت عن صحافي يوثّق الحدث من موقع المراقب. في الوقت الذي قُتل فيه أكثر من 240 صحافياً في غزة خلال العام الأخير، تتجاهل مؤسسات الإعلام الأميركية الكبرى هذه الأرقام، أو تمرّ عليها ببرود، ما يضعف الثقة في الصحافة التقليدية ويعمّق الفجوة بينها وبين جمهورها. من هذا المنظور، يبدو أن استهداف أليكسا ليس مجرد إجراء قانوني، بل محاولة لإسكات شاهد غير مرغوب فيه، ولردع كل من يجرؤ على كسر السرد الرسمي. خرجت أليكسا من قاعة المحكمة بكفالة مالية، لتجد في الخارج حشداً من الصحافيين والمتضامنين يرفعون لافتات كُتب عليها "العدسة ليست جريمة" و"الصحافة ليست كراهية". وبينما تنتظر جلستها المقبلة في نوفمبر، تبقى ممنوعة من السفر، ومطالَبة بتسليم جميع أجهزتها الإلكترونية للشرطة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية