
عربي
يقف مئات التلاميذ مع أولياء أمورهم يومياً على حافة طريق في مدينة الرديف بمحافظة قفصة جنوب غربيّ تونس، في انتظار وسيلة نقل مدرسي لن تأتي، أو غير قادرة على استيعاب كل التلاميذ. يتكرر هذا المشهد في كل عام دراسي في مناطق عدة بمحافظة صفاقس، وفي العثامنة بمحافظة المهدية، ومناطق ريفية في محافظتَي القصرين والكاف.
ويكرّر أولياء الأمور والتلاميذ الاحتجاج على غياب النقل المدرسي، أو قلّته، الذي يجعل وصول التلاميذ إلى المؤسسات التعليمية معاناة يومية قد تنتهي بانقطاع بعضهم عن الدراسة. وغالباً ما تفجر مقاطع الفيديو التي توثّق مصاعب تلاميذ الريف مع النقل جدلاً، خصوصاً في ظلّ ارتفاع معدلات التسرّب المدرسي التي يذهب ضحيتها الأقلُّ قدرةً على الصمود أمام معاناة الوصول يومياً إلى المدرسة بأقل كلفة مادية وجسدية.
من منطقة حاسي الفريد في محافظة القصرين، يقول المدرس عيسى مبروكي، لـ"العربي الجديد": "يخوض تلاميذ الريف يومياً رحلة صمود ضدّ التسرّب المدرسي نتيجة غياب وسائل النقل التي تربط مناطق سكنهم بالمؤسّسات التعليمية، ما يضطرهم إلى التنقل عبر وسائل فلاحية، أو في عربات غير آمنة".
ويشير مبروكي إلى "قسوة ظروف التعلم في الأرياف نتيجة ضعف البنى التحتية للمؤسسات التعليمية، وغياب الإيواء الآمن، والنقل المنتظم للتلاميذ الذين يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم، في ظل ظروف طبيعية قاسية أحياناً، ما يشتت أفكارهم، ويحدّ من قدرتهم على استيعاب الدروس، لذا يجب أن يسبق الإعدادُ اللوجستي المحتوى المعرفيَّ لتأمين ظروف جيدة للتعلم، ولا يمكن فصل الحق في النقل إلى المدارس عن سبل إنجاح العملية التربوية، وارتباطه الوثيق بالانقطاع المدرسي".
وتؤثر ظروف العودة المدرسية في أرياف تونس على تعليم أبناء الريف الذين يواجهون صعوبات عدّة قد تؤدي إلى انقطاعهم المبكر عن الدراسة في المراحل الأولى من التعليم، وتكون الإناث غالباً أكثر عرضة لتداعيات تعثّر التعليم في الريف، والذي يشكل حجة لإجبار الأسر التلميذات على الانقطاع عن التعليم والالتحاق بالعمل الزراعي أو حتّى الزواج في سن مبكرة، ويرى مبروكي أن "التلميذات في الريف فئة هشة يواجهن الانقطاع المبكر عن التعليم، واستغلالهنّ في العمل الزراعي أو الزواج المبكر بسبب ضعف المناعة الاجتماعية لهذه الفئة".
وتظهر إحصاءات نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن نفقات الاستثمار في ميزانية وزارة التربية تدنت من 654 مليون دينار (224 مليون دولار) في عام 2024، إلى 480 مليون دينار (164 مليون دولار) خلال العام الحالي، كما لم تَعُد ميزانية وزارة التربية تمثل إلّا نسبة 10.3% من الموازنة العامة في مقابل 18.7% في عام 2016.
ويؤكد المتحدث باسم المنتدى رمضان بن عمر، لـ"العربي الجديد"، أن "أزمة النقل المدرسي التي يواجهها طلاب الريف عينة من أزمات تراجع الخدمات العامة في أنحاء البلاد، التي تؤثر على حصول المواطنين على حقوق أساسية ودستورية، أبرزها الصحة والتعليم والتنقل. يؤثر تراجع الانفاق على التعليم في الإعداد اللوجستي لاستقبال الطلاب، من نقل مدرسي، وقاعات تدريس، ما يؤدي إلى تراجع جاذبية المؤسّسات التربوية، ويُحبط جهود كبح التسرّب المدرسي، ويرفع نسب الفقر، خصوصاً في المناطق الأقل تنمية".
يضيف بن عمر: "كان التعليم وسيلة للارتقاء الاجتماعي في الأرياف، لكن حظوظ تلاميذ هذه المناطق في تحسين أوضاعهم الاجتماعية تتراجع حالياً لأسباب عدّة أبرزها؛ غياب التسهيلات الكافية في النقل والمبيت والإعاشة، كما أنّ صعوبات النقل تتسبب في عدم حصول التلاميذ على تحصيل تعليمي نتيجة الغيابات المتكرّرة التي قد تستمر عدّة أسابيع أحياناً، وقد تنتهي أيضاً بالانقطاع النهائي خصوصاً في صفوف الإناث".
وتظهر بيانات معهد الإحصاء الحكومي الناتجة عن التعداد العام للسكان والسكن في العام الماضي، أن نسبة الأميّة في تونس تعادل 17.3% في أوساط الفئة العمرية فوق 10 سنوات، وسُجلت أعلى نسب أمية في مناطق غرب تونس، والمحافظات الأقل تنمية، ووصلت إلى 28.5% في محافظة جندوبة، و27.9% بمحافظة القيروان، و26.2% بمحافظة سيدي بوزيد، بينما انخفضت في الوسط الحضري، ووصلت إلى 10.1% في محافظة بن عروس.
وفي عام 2021، قالت وزارة الشؤون الاجتماعية إنّ نسبة الأمية لدى النساء في ريف تونس تقترب من 50%، ما يمثل انتكاسة للجهود التي بذلتها الدولة منذ الاستقلال لمكافحة الأمية وتبنّي مجانية وإجبارية التعليم.

أخبار ذات صلة.

الشرع وزيارة الضرورة
العربي الجديد
منذ 14 دقيقة