الحرب المتصاعدة تهدد التجارة الخليجية الإيرانية
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

تشهد العلاقات الاقتصادية بين إيران ودول الخليج حالة من التداخل والتعقيد مع استمرار الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وعدم وجود أفق سياسي بشأنها، ما سلط الضوء على تداعيات ذلك على التجارة بين الطرفين، والتوقعات بشأن مستقبل الشراكات الاقتصادية بينهما، حال استمرار الحرب والخسائر المحتملة لكل منهما.

وتبرز دولة الإمارات العربية المتحدة، في هذا الإطار، بوصفها أكبر شريك تجاري إقليمي لإيران، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 29.2 مليار دولار في العام الماضي، فيما شهدت التجارة بين إيران والسعودية قفزة هائلة بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية، إذ ارتفعت إلى 12.5 مليار دولار، بعد أن كانت شبه معدومة في السنوات السابقة، ما يعكس تغيراً جذرياً في المشهد الاقتصادي الإقليمي، وفقا لما أورده تقرير نشره موقع "إيران فرونت بيدج" الإيراني.

كما أن إجمالي التجارة غير النفطية بين إيران و15 دولة مجاورة بلغ 74.3 مليار دولار، بزيادة 21% عن العام السابق، في حين بلغت صادرات إيران غير النفطية إلى دول الجوار 36 مليار دولار، بزيادة 17%، حسب التقرير ذاته.

إضعاف فرص تعميق الشراكات

من جهة أخرى، تشير بيانات الجمارك الإيرانية إلى أن الإمارات هي أكبر مُصدر للسلع إلى إيران بقيمة 21.9 مليار دولار، بينما بلغت صادرات إيران إلى الإمارات 7.2 مليارات دولار في العام الماضي، ما يعكس اعتماداً متبادلاً في قطاعات حيوية، مثل الطاقة، والمنتجات الصناعية.

ومع تصاعد المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران، دخلت المنطقة مرحلة جديدة من عدم اليقين الاقتصادي، وقد ظهرت آثاره بأسواق الأسهم في دول الخليج التي سجلت تراجعاً حاداً، ولذا حذر خبراء ومراكز أبحاث غربية من أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في سلاسل الإمداد، خاصة في قطاع الطاقة، إذ يمر نحو ثلث النفط المنقول بحراً عالمياً عبر مضيق هرمز، الذي يفصل إيران عن دول الخليج.

وفي هذا الإطار، يشير تقدير نشره موقع مجموعة AllianzGI العالمية لإدارة الاستثمارات إلى أن استمرار الحرب يضعف من فرص تعميق الشراكات الاقتصادية بين إيران ودول الخليج، إذ ستتجه دول مجلس التعاون إلى تعزيز سياسات التنويع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على التجارة مع إيران، تحسباً لأي تصعيد قد يهدد أمن الطاقة أو الاستقرار المالي.
كما أن استمرار الحرب من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من العزلة الاقتصادية لإيران، مع تراجع فرص تعميق الشراكات مع دول الخليج، خاصة في القطاعات غير النفطية التي تشهد نمواً متسارعاً في دول الخليج، مقابل ركود نسبي في إيران، وفقاً لما أورده تقرير نشرته شبكة TV BRICS.

التبادل التجاري ما زال مستمراً

يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحديث عن انعكاسات الحرب الإسرائيلية الإيرانية لا يزال ضمن نطاق لا يؤثر بشكل مباشر على استمرار التبادل التجاري بين إيران ودول الخليج حتى الآن، لافتاً إلى أن كلاً من طهران ودول مجلس التعاون الخليجي يحاولان إظهار نوع من التفاهم والاحترام المتبادل، ولو عبر البوابة الاقتصادية، ليبقيا باب الحوار مفتوحاً.
لكن مع تصاعد التوترات واحتمال انخراط الولايات المتحدة في الصراع، فإن هذه العلاقات قد تتعرض لضغوط كبيرة، حسبما يرى عايش، موضحاً أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يبدو أنه يمنح مساحة زمنية إضافية لإسرائيل للتنفيذ الكامل لمهمة متفق عليها، قبل أن يقرر دخوله الرسمي، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي في المنطقة.
ويضيف عايش أن أي تدخل أميركي مباشر قد يكون له أثر كبير على المصالح المشتركة بين الخليج وإيران، خاصة إذا ما تطورت الأحداث إلى مرحلة تعطيل إمدادات النفط، سواء عبر إغلاق مضيق هرمز أو استهداف حركة الملاحة فيه.

وإذا ما امتدت العمليات إلى باب المندب أو قناة السويس، فسيكون الاقتصاد الخليجي هو الأكثر تأثراً، حسب تقدير عايش، نظراً لاعتماده الكبير على هذه الممرات المائية الحيوية، وعليه ستتأثر العلاقات التجارية بين الطرفين بشكل مباشر.
وقد يعزز من هذا التأثير انتقال الحرب إلى استهداف البنية التحتية النفطية والغازية، حسب عايش، مشيراً إلى أن بدايات تطور كهذا وقعت بالفعل حين استهدفت إسرائيل حقولاً نفطية إيرانية، ومن ثم جاء الرد الإيراني باستهداف مواقع إسرائيلية مشابهة، منها مصفاة نفط حيفا.
وكلما توسع هذا النوع من الهجمات، زادت احتمالات تعرض المنشآت الاقتصادية في دول الخليج للضرر، حسبما يرى عايش، الذي ينوه بأن الاقتصاد يعد جزءاً من المعادلة الاستراتيجية، وإزاء استمرار الحرب تتحول العلاقات التجارية إلى ساحة جديدة للصراع.

لكن هذا التصعيد لن يكون بلا ثمن، حسب عايش، موضحاً أن كلا الطرفين سيدفعان ثمناً باهظاً، وإن كان الجانب الإيراني سيكون الخاسر الأكبر، نظراً لاحتياجه الملح إلى استيراد السلع الغذائية ومواد الطاقة من الخليج، والتي لا يمكن تعويضها بسهولة.

ورغم ذلك، تبقى العلاقات التجارية بين إيران ودول الخليج محدودة ومحكومة بقيود العقوبات الدولية، وخاصة تلك التي تفرضها الولايات المتحدة، مما يجعلها علاقة "تعاون تحت الضغط"، أكثر منها شراكة حقيقية، حسب تعبير عايش، إذ إن كل طرف يحاول التحرك ضمن حدود لا تعرّضه للمحاسبة أو العقوبات من الجهات الراعية للحصار على إيران.

وفي حال اتساع رقعة الحرب، واستهداف المنشآت النفطية والغازية في الخليج، أو استخدام إيران الصواريخ ضد القواعد الأميركية الموجودة في المنطقة، يرجح عايش تداعيات أعمق، قد تصل إلى قطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع طهران بشكل كامل، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي.


خطر اتساع الحرب

يؤكد الخبير الاقتصادي، محمد الناير، لـ"العربي الجديد"، أن تداعيات الحرب قد تطاول التحسن الملحوظ في العلاقات الاقتصادية بين إيران وعدد من دول الخليج، خاصة بعد تجاوز بعض الجفوة التي سادت في الماضي، وهو ما ظهر جلياً في تحسن العلاقات السعودية الإيرانية.
ويضيف الناير أن تصاعد الحرب قد يؤدي إلى توقف أو تباطؤ العديد من الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة والتعاملات التجارية القائمة، ما يزيد من الضغوط على أسواق المنطقة، حسب الناير، مشيراً إلى أن الأثر الاقتصادي حتى اللحظة قد يكون محدوداً نسبياً، لكنه يحذر من أن اتساع دائرة الحرب وامتدادها الزمني من شأنه أن يحول التأثيرات إلى مشكلة اقتصادية كبرى.

فكلما زاد الضغط على إيران، وزادت حدة التوترات، زادت احتمالات اللجوء إلى خطوات استثنائية مثل تعطيل حركة الملاحة في مضيق هرمز، أو التنسيق مع جماعات إقليمية لاستهداف ممرات أخرى مثل باب المندب، وهذه السيناريوهات، كما يوضح الناير، لا تهدد فقط الحركة التجارية في المنطقة، بل قد تُهدد الاقتصاد العالمي، الذي يعتمد على هذه الممرات المائية الاستراتيجية في نقل النفط والغاز والسلع الأساسية.

وإزاء ذلك، فإن توسع نطاق الحرب واستمرارها لفترة أطول سيكون له انعكاسات سلبية كبيرة على الاقتصاد الإقليمي والدولي معاً، ومن هنا يؤكد الناير الحاجة الملحة إلى وضع خطط استراتيجية وآليات إدارة أزمات من قبل دول الخليج، للتحسّب لما هو قادم، وضمان استمرارية الاقتصاد الوطني والإقليمي تحت أي ظرف.

ويخلص الناير إلى ضرورة تبني دول الخليج العربية تدابير اقتصادية استباقية، تشمل مراجعة السيناريوهات المحتملة للحرب الإسرائيلية الإيرانية، ومراقبة الأحداث المتلاحقة، والتحرك بشكل سريع وفعال بناء على مستجدات الوضع، فالمرحلة الحالية تتطلب رؤية واضحة، وتعاوناً إقليمياً لتجنب الانزلاق نحو تدهور اقتصادي قد يكون من الصعب السيطرة عليه لاحقاً.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية