مصر: المحامون في مواجهة القضاة في معركة تستهدف جيوب المتخاصمين
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

تشهد الساحة القانونية في مصر تصعيداً ملحوظاً في الأزمة بين نقابة المحامين والسلطة القضائية، وذلك على خلفية قرار فرض رسوم قضائية جديدة وما تبعه من توترات بشأن استقلالية النقابة وحقها في تنظيم جمعياتها العمومية. وتتزايد المخاوف من تأثير هذه الأزمة على سير العدالة وحق التقاضي للمواطنين. 

وفي تطور لافت، عقد نقيب المحامين عبد الحليم علام، رئيس اتحاد المحامين العرب، اجتماعاً طارئاً أمس الخميس مع أعضاء مجلس النقابة العامة والنقباء الفرعيين. وجاء هذا الاجتماع لبحث تداعيات الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري، الذي قضى بوقف انعقاد الجمعية العمومية للمحامين التي كانت مقررة يوم السبت المقبل، 22 يونيو/حزيران 2025، للتصويت على خطوات تصعيدية ضد الرسوم القضائية المستحدثة.

وأسفر الاجتماع عن جملة من القرارات المهمة، أبرزها: "الطعن على حكم محكمة القضاء الإداري؛ إذ قررت النقابة الطعن على الحكم الصادر بتاريخ 18 يونيو/حزيران 2025، الذي اعتبر أن الدعوة لانعقاد الجمعية العمومية (افتقرت إلى السبب القانوني) واتهم مجلس النقابة بـ(التهرب من اختصاصاته)، واستطلاع رأي المحامين حيث تم تكليف النقابات الفرعية باستطلاع رأي المحامين أعضاء الجمعية العمومية في جميع محاكم الجمهورية يوم السبت الموافق 21 يونيو/حزيران 2025، وذلك لمعرفة توجهاتهم بشأن الإجراءات المزمع اتخاذها".

كما قرر مجلس نقابة المحامين: "الدعوة لوقفة احتجاجية لأعضاء الجمعية العمومية في جميع أنحاء الجمهورية يوم الاثنين الموافق 23 يونيو/حزيران 2025، في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرًا. ستكون هذه الوقفات في مقار جميع المحاكم الابتدائية، باستثناء القاهرة الكبرى حيث ستُعقد الوقفة في مقر النقابة العامة برمسيس. بخلاف استمرار الاجتماعات المشتركة بين أعضاء النقابة العامة والنقباء الفرعيين برئاسة النقيب العام لمتابعة الأوضاع وتنفيذ ما يسفر عنه استطلاع الرأي". 

وصعد حكم محكمة القضاء الإداري، الصادر أول من أمس الأربعاء، بوقف تنفيذ قرار مجلس النقابة عقد جمعية عمومية طارئة من حدة التوترات بين جناحي العدالة: القضاة والمحامين. واعتبرت المحكمة في حيثيات حكمها أن دعوة مجلس النقابة لعقد الجمعية "افتقرت إلى سبب واقعي وقانوني"، مشيرة إلى أن اللجوء إلى خياري الإضراب والاعتصام يُعدّ "تمهيداً لتكريس أمر واقع بانتزاع ما يدّعيه حقاً بغير الأطر الدستورية الحاكمة في الدولة القانونية". 

وأكدت المحكمة أن هذه الخطوة من شأنها "تعطيل مرفق العدالة، والنيل من حق التقاضي والإخلال بدولة القانون"، موضحة أن حرية الرأي والتعبير، وإن كانت مكفولة دستوريًا، فإن ممارستها يجب أن تراعي التوازن مع مبدأ الفصل بين السلطات، واحترام الآليات القانونية للاعتراض على القرارات الإدارية. ورأت المحكمة أن مجلس النقابة "تهرّب من أداء اختصاصاته القانونية، وورّط الجمعية العمومية في صراع سياسي إداري لا يدخل ضمن نطاقها المشروع"، معتبرة أن ما جرى يمثل "توظيفاً غير مشروع لصلاحيات المجلس، يهدد التوازن المؤسسي لمرفق العدالة".

ولم يُقرأ الحكم القضائي فقط باعتباره اعتراضاً على إجراءات مجلس النقابة، بل اعتُبر من جانب قطاعات واسعة من المحامين بمثابة "سابقة تمس استقلالية العمل النقابي، وتضعه تحت سلطة قضائية مباشرة، خصوصاً أن الجمعية العمومية كانت ستناقش وسائل اعتراض سلمية مشروعة كالإضراب والاعتصام". وقد تكررت التحذيرات، من داخل النقابة، من المساس بالحق في الاجتماع واتخاذ القرار داخل الجمعيات العمومية، في ظل ما وصفه أعضاء في مجلس النقابة بـ"محاولات فرض الأمر الواقع من جانب الهيئات القضائية، عبر قرارات إدارية ذات طابع مالي، دون الرجوع إلى البرلمان أو الجهات المختصة".

واعتبر محامون أن الرسوم المفروضة على الخدمات القضائية تمثل "تهديداً مباشراً لحق التقاضي، وأن فرض مثل هذه الأعباء المالية يحوّل العدالة إلى امتياز لمن يستطيع تحمل كلفتها". ويرى المحامون أن الدستور المصري في مادته (77) يقر بأن إنشاء النقابات وإدارتها شأن يخص أعضاءها وحدهم، وأن حرية التنظيم والاجتماع والتعبير مكفولة ولا يجوز أن تفرغ من مضمونها بأي شكل. كما أكد محامون أن "النقابة مطالبة بالدفاع عن الجمعية العمومية وحقها في الاجتماع ومناقشة قضايا تخص الدفاع عن الدستور والحق في التقاضي، خاصة في ظل ما يعتبرونه تسليعًا للتقاضي من خلال فرض رسوم غير دستورية".

وفي المقابل، ترى محكمة القضاء الإداري أن مجلس النقابة يتمتع بالصلاحية القانونية لإدارة جميع شئونها، ومن بينها سلوك سبل الاعتراض الدستورية والقانونية على القرارات محل النزاع، سواء بمخاطبة جهات الاختصاص بشأنها أو الطعن عليها قضائياً. وتعتبر المحكمة أن قرار مجلس النقابة عرضَ خياري الإضراب العام أو الاعتصام العام على الجمعية العمومية هو "تمهيد لتكريس أمر واقع بانتزاع مجلس نقابة المحامين ما يدعيه حقًا بغير الأطر الدستورية الحاكمة في الدولة القانونية، ما يترتب عليه تعطيل مرفق العدالة والنيل من حق التقاضي والانتقاص منه، والإخلال بدولة القانون". 

وتخلص المحكمة إلى أن هذا يعتبر "توظيفاً لاختصاص مجلس النقابة في غير ما شرع له والتستر خلف حرية الرأي والتعبير في غير الأحوال المقررة، وتسلباً من المجلس المذكور في ممارسة اختصاصاته الموكلة له قانوناً والدفع بها إلى غمار الجمعية العمومية، في غير الأحوال الموجبة لها".

وتعود جذور الأزمة الحالية إلى قرارات صادرة عن رؤساء محاكم الاستئناف بفرض رسوم قضائية جديدة مقابل الخدمات المميكنة. وقد اعتبر مجلس النقابة العامة للمحامين، في اجتماع له بتاريخ 14 مايو/أيار 2025، أن هذه القرارات صدرت بالمخالفة لصحيح حكم القانون، وأن تنفيذها قد يلحق الضرر بالمصالح المشروعة لجموع المحامين.

ولا تزال الأزمة في طور التصاعد، ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيداً من التطورات مع استمرار التحركات من جانب نقابة المحامين. وفي ظل ترقب للطعن القضائي على الحكم وما سيسفر عنه استطلاع رأي المحامين، يبقى السؤال مفتوحاً حول كيفية حل هذه الأزمة المتشابكة التي تمس جوهر العلاقة بين السلطة القضائية والمحاماة وحق التقاضي للمواطنين.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية