"غزوة الكويت"... ما قبل وما بعد
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

تكاد "غزوة الكويت" التي اقترفها النظام العراقي السابق قبل 35 عاماً تصبح أشبه بمتوالية رياضية تتوالد تلقائياً كلما سمح ظرفٌ مناسبٌ لتلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين، ولتنكأ الجروح التي خلفتها الغزوة المذكورة من جديد، وجديد اليوم شكوى العراق من "تجاوزات كويتية على حقل النوخذة النفطي"، ومطالبته بموقف دولي "يحمي حقوق العراق السيادية (...)، ويضع حدّاً لمحاولات استحواذ غير مشروع على ثرواته". والواقعة الجديدة معطوفة على ملاسنات وتجاذبات ما زالت قائمة بين مسؤولين رسميين وناشطين في البلدين بخصوص خور عبد الله الذي يزعم كل من الطرفين نسبته إليه، ومضافة إلى ما ثبته ممثل الأمين العام للأمم المتحدة محمد الحسان في إحاطته أخيراً أمام مجلس الأمن عن ضرورة مضاعفة العراق الجهود "للعثور على رفات 315 كويتياً ما زالوا مفقودين، وتقديم إجاباتٍ طال انتظار عائلاتهم لها" و"تسريع البحث لتحديد مكان الممتلكات الكويتية المفقودة وإعادتها، بما فيها الأرشيف الوطني".
ومع أننا لا نميل إلى اعتماد نظرية المؤامرة في تأمل ما يجري أمامنا من أحداث، لا نستطيع أن نسقط من حساباتنا أن ثمّة شيئاً محيّراً في محاكمة هذه الوقائع، فبعد مرور 35 عاما على خطيئة الغزو العراقي للكويت يمكن القول إننا، نحن العراقيين، كلما خامرنا شعور بأن مرحلة الشقاق بيننا وبين أهلنا في الكويت قد أصبحت وراءنا، وأن مرحلة صفاء بدأت تظلّل علاقاتنا حضرت أمامنا، ربما مصادفة أو بفعل شرير، وقائع جديدة توحي لنا بأن خطيئة الغزو ما زالت تفعل فعلها، وأن هناك من يهمّه، من هذا الطرف أو ذاك، أن تبقى العلاقة بين الكويتيين والعراقيين مليئة بالخدوش والمرارات، فيما نعرف أن ما بيننا ليست علاقة جوار جغرافي فحسب، إنما هناك مشتركات لا يمكن فصمها بسهولة، يكفي أن نذكر أن هناك آلاف الأسر العراقية - الكويتية المختلطة، ودعك من مشتركات الدين، والعروبة، والتاريخ، وحتى الدم.

لا محيص من وقف إرث الكراهية الذي زرعته غزوة الكويت لدى الكويتيين في مواجهة العراقيين، ولا حلّ حقيقياً من دون التوقف عن إعادة إنتاج المرارات بيننا

أما حكايات الأصل والفرع التي أراد النظام السابق أن يوظفها لغاياتٍ معلومةٍ، فإن منطق العصر لا يستوي معها لأن جغرافيا معظم بلدان العالم متشابكة مع جغرافيا بلدان جارة على نحو لم يعد موضع خلاف أو اختلاف، وإذا كان الأمر محكوما بالماضي، فإن العراق كان محسوبا بولاياته الثلاث ضمن الإمبراطورية العثمانية التي يطمح الرئيس التركي أردوغان اليوم لاستعادة مكانتها، وكانت الكويت نفسها، في واحدةٍ من فترات التاريخ، جزءا من ولاية البصرة العراقية، وقد تعلم غيرنا ممن تعرضوا لتجارب مثلنا أن يتجنبوا مكر التاريخ وخداعه، وأن يوظفوا كل طاقاتهم لبناء حياة مشتركة مع الجيران قائمة على ما بينهم من مشتركات، فكيف إذا كانوا جميعا قادمين من أرومة واحدة، ومنبت واحد؟
وما يحتاجه البلدان اليوم استعادة الثقة في ما بينهما، وأولى الخطوات هي تفعيل عمل اللجان المشتركة القائمة بين البلدين، وتوسيع دائرة عملها بحيث تشمل بحث ومعالجة القضايا المستجدة حاليا، ومنها قضايا حقل النوخذة النفطي، وخور عبد الله، وكذلك كل الملفات المختلف عليها منذ الغزو، والوصول إلى حلول نهائية في فترة محدّدة، حتى لو توصلت إلى حلول من خارج الصندوق يتفق عليها الطرفان، تتكفّل بإعادة العلاقات إلى صفائها الذي عهدناه قبلاً. وقد يكون مناسباً أن تقوم جامعة الدول العربية بدور "فاعل الخير" بتقريب وجهات النظر بين البلدين الجارين، وهو ما يقع في صلب واجباتها التي نصّت عليها وثائق تأسيسها.
وما ينبغي لنا أن ندركه في المحصلة الأخيرة أن لا محيص من وقف إرث الكراهية الذي زرعته غزوة الكويت لدى الكويتيين في مواجهة العراقيين، وأن لا حلّ حقيقياً من دون التوقف عن إعادة إنتاج المرارات بيننا على النحو الذي نلحظه بين فترة وأخرى. وللتذكير فقط، لم تكن للشعب العراقي يدٌ في خطيئة الغزو، بل ولا حتى للبعثيين الذين كان صدّام حسين قد صادر قرارهم منذ أطاح قيادات الحزب في مذبحة "قاعة الخلد" المعروفة، وهو وحده من ينبغي أن يتحمّل إثم هذه الخطيئة وإرثها.
وما ينبغي لنا أن ندركه أيضاً أن أخطر ما تحمله مشكلة ما ترحيل حلها إلى زمن آخر، ولا ننسى المثل الذي يعرفه جيراننا الأتراك "إن التاريخ لا يرحم المشكلات التي لا يتم التصدّي لها في زمانها".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية