أسعار الفائدة التي أربكت أردوغان
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

العين والرهان على ما سيتمخض عن اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التركي في 19 يونيو/حزيران الجاري، فهل سيستمر المصرف، بسياسة التشدد النقدي ويرفع سعر الفائدة، كما في الجلسة السابقة وقت رفعها 3.5% أي 350 نقطة أساس لتصل إلى 46%، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هيبة الليرة التركية المتراجعة، عبر نمط تقليدي وأداة تقليدية ليسحب بعض فائض السيولة من السوق ليوازن بين معروض الليرة الكبير والطلب على العملات الأجنبية، علّ الليرة تنتعش أو يتوقف تراجعها على الأقل، أم تعود تركيا لسياسية التيسير النقدي، فتخفض سعر الفائدة لتخرج الأموال المكدسة بخزائن المصارف، في محاولة لإنعاش السوق التي تغلب عليها ملامح الجمود وتعالج التضخم، وفق ما كانت تعالج، قبل نظريات وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك التي أوصلت سعر الفائدة، إلى الأعلى على مستوى العالم.

ربما، وقبل الإيغال بمتاهة أسعار الفائدة بتركيا وتقلباتها، من الأمانة العلمية والمهنية الإشارة إلى أن سعر الفائدة الحقيقي لا يتجاوز 16% إذا ما حذفنا نسبة التضخم الكبير البالغة، بعد محاولات الكبح والتخفيض، 37.9% وهو، حقيقة الأمر، مرض الاقتصاد التركي الذي يرخي بتبعاته على سعر الصرف والفائدة والاستثمار ومستوى المعيشة المتراجع، بعد أن زادت تكاليف معيشة الأسرة الإسطنبولية عن 91 ألف ليرة، في حين لا يزيد الحد الأدنى للأجور عن 22.1 ألف ليرة.

قصارى القول: معروف عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو بصيغة أدق، كان معروفاً، كرهه لأسعار الفائدة المرتفعة، فوجهة نظره بالماضي، قبل الموافقة على سياسة وزير المالية شيمشك، تتلخص في أن رفع سعر الفائدة هو أهم أسباب ارتفاع التضخم، والفائدة المرتفعة هي من أهم العوائق أمام المستثمرين وزيادة تكاليف الإنتاج.

هذا إن لم نأت على قناعة الرئيس التركي بمخاطر الأموال الساخنة التي تدخل طامعة بالفائدة المرتفعة، وتنسحب إذا ما تم تخفيضها، أو رأيه بتحريم الفائدة ونعتها مراراً بالربوية، أو تطلعه لبلوغ مجموعة السبع أو الدخول بنادي العشر الكبار، والذين لا تزيد أسعار الفائدة لديهم، عن 5% بعد وباء كورونا والتضخم، وكانت قبل ذاك، بين الواحد والصفرية.

ومعروف عن الرئيس أردوغان أنه عزل محافظين للمصرف المركزي، ناجي إقبال وشهاب كافجي، لمجرد رفع أحدهما سعر الفائدة وخطط الآخر للرفع، رغم أن تدخل الرئيس وقتذاك بالسياسة النقدية والمحافظ المستقلين، انعكسا سلباً على سمعة الاقتصاد التركي وعدم استقلالية القرار المالي والنقدي.

ولكن، وللتاريخ والأمانة، لا بد من القول إن تركيا وقبل وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في العام 2002، كانت تعيش على الديون الخارجية وأسعار الفوائد المصرفية المرتفعة بالداخل لتمويل مشروعاتها ودعم الموازنة العامة، ففي عام 2003 بلغ سعر الفائدة 50% وقت أعلن أردوغان، ضمن ما أعلن من "ثورته الاقتصادية" الحرب على الفائدة، ليخفضها تدريجياً إلى 25% عام 2008 ومن ثم 12% عام 2012 ويستمر عام 2014 بالتخفيض إلى 9%، وتبلغ الأدنى عام 2017 وقت سجلت 7.8%.

إلا أن تراجع سعر الليرة وارتفاع نسبة التضخم، دفعا المحافظ ناجي إقبال عام 2021 لرفع سعر الفائدة بالتدرج لتبلغ 17% ومن ثم إلى 19%، ويكون الرفع سبب عزله ومن تبعه، لتعود تركيا لسياسة التيسير النقدي وتخفض نهاية 2021 سعر الفائدة إلى 14% لكنها، اقتصادياً لم تطل أو تجدِ، لأن نسبة التضخم وقتذاك نافت 21%، وتبدأ تركيا العودة إلى الطرق التقليدية بمعالجة التضخم والعملة المتراجعة، وتزيد من جرعات رفع الفائدة والتدخل المباشر بالسوق عبر ضح كتل دولارية من المصرف المركزي، لمواجهة الأموال الساخنة المنسحبة أو الاستهداف الإعلامي والسياسي الذي طاولها حينذاك، من دول غربية وعربية، بمقدمتهم الإمارات.

ومرّ عام 2021 كئيباً على العملة التركية التي خسرت نحو 42% من قيمتها، وسجلت مقابل الدولار نحو 19 ليرة، لتعود تركيا إلى حل سعر الفائدة المنخفض، عبر جلسات متتالية أوصلت السعر من 14 إلى 9%، إلا أن زحف التضخم المرعب وبلوغه 71% ألزم الدولة بالعودة إلى سعر الفائدة المرتفعة، ورضخ القادة السياسيون لصناع السياسة الاقتصادية والمشروع الاقتصادي الذي قدمته الحكومة، سواء خلال رئاسة حفيظة أركان البنك المركزي أو فاتح كره خان الحالي، لنرى سعر الفائدة 50% ويثبت لجلسات متتالية، قبل التذبذب بين رفع وخفض واستقرار اليوم عن 46%.

فالتضخم المرتفع، ورغم الانفتاح على الإقليم وزيادة الصادرات وعائدات السياحة، خلال العامين الماضيين، عرّى بنية الاقتصاد التركي وأفقد الشعب رفاهيته التي، يذكر كل من يعرف تركيا، أنها كانت السبب الأهم بتفشيل انقلاب عام 2016، وقت خرج الأتراك بوجه الانقلابيين، دفاعاً عن مكتسباتهم. بل ولم يحقق ما وعد به صناع القرار الاقتصادي بتركيا، لأن حصر الهدف بأن الفائدة المرتفعة تكبح التضخم، يعني تجاهل بقية الآثار السلبية التي تتبدي تباعاً على الواقع التركي. فالفائدة المرتفعة تحبس الأموال بالمصارف على حساب توظيفها بقطاعات إنتاجية وخدمية، وتراجع بالمقابل الطلب على الاقتراض، ما يؤثر على الاستثمار ويبطئ معدلات النمو جراء هبوط وتيرة الإنفاق وارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف الإنتاج.

نهاية القول: الأرجح أن تستمر حالة إرباك الرئيس التركي، ولو نسبياً، أمام الفائدة وموافقته على سعرها المرتفع، لأن الاقتصاد التركي، وفق المؤشرات العامة من نمو وصادرات وسياحة وميزان تجاري وسعر الليرة، لا يحتمل المخاطرة وتحقيق رغبة الرئيس بسعر فائدة منخفض، فاضطرابات السوق الداخلية منذ اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، تزيد من التريث وعدم المجازفة. كما تزيد المستجدات جراء الحرب الإسرائيلية الإيرانية وما سيتمخض عنها، من زيادة تكاليف الإنتاج وإعاقة الصادرات ومخاوف ركود، تزيد ربما من رجحان كفة أنصار الفائدة المرتفعة.

والأهم هو ما يقدمه أنصار الفائدة المرتفعة للرئيس، سواء من تراجع الاحتياطي الأجنبي الذي لا يسمح بالتدخل المستمر خلال طوارئ العملة أو الاستدانة، أو لجم التضخم وبدء تراجعه، أو أن العملة الرخيصة تزيد تدفق الصادرات للخارج، فتزيد من حجتهم التي لا حول للساسة بتركيا إزاءها ولا قوة. إلا أن المفاجأة قائمة لمن يعرف الرئيس التركي وعدم تقبله الفائدة المرتفعة أو الخسارة، كأن نرى بعد أيام، تخفيضاً قليلاً لسعر الفائدة، لأن القصة ليست حباً أو رغبة بانتصار الرأي فحسب، بل اقتصاد تغلب عليه ملامح الركود والتعب، وأمسّ ما يحتاجه تحفيز أكبر لتعزيز النمو الذي كم تفاخرت تركيا بنسبه المرتفعة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية