
تدرس ألمانيا تأسيس احتياطي استراتيجي من الغاز، ليكون بمثابة نسخة مصغرة من احتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي، في الوقت الذي تهدد الصراعات الجيوسياسية المتزايدة الإمدادات وترفع الأسعار بين الحين والآخر، ما يزيد من تكاليف أكبر اقتصاد في أوروبا. وذكرت مصادر مطلعة، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس، أن وزارة الاقتصاد الألمانية كلفت فريقاً من الخبراء بدراسة جدوى إنشاء منظومة تخزين غاز مملوكة للدولة. وتُملأ غالبية مواقع تخزين الغاز من قبل شركات خاصة تشتري الوقود خلال الصيف، وتتحمل تكلفة تخزينه حتى الشتاء طمعاً في بيعه لاحقاً وتحقيق أرباح.
تُعد ألمانيا من بين الدول التي تمتلك أكبر منشآت تخزين الغاز في أوروبا، لكنها تواجه حالياً تحديات في إعادة تعبئة هذه المخزونات، إذ أصبحت الكهوف التخزينية فارغة بشكل غير معتاد نتيجة ضعف الاقتصاد، ما دفع الحكومة مؤخراً إلى تخفيف متطلبات التعبئة. هذا التراجع في النشاط دفع مشغلين مثل شركة "يونيبر" إلى التهديد بإغلاق مواقع التخزين التي لا تحقق أرباحاً.
وتُعتبر إمدادات الغاز ضرورية لقطاعات واسعة من الصناعة الألمانية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد، وهو ما يجعل فكرة إنشاء احتياطي مملوك للدولة محل دراسة من قبل المسؤولين. على الصعيد العالمي، يُعد الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي أكبر مخزون طارئ من النفط الخام، ويشكل وسيلة ردع فعالة ضد أي انقطاع محتمل في واردات النفط، وأداة محورية في السياسة الخارجية الأميركية، وفقاً للموقع الإلكتروني لوزارة الطاقة الأميركية.
وتمتلك بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل إيطاليا والنمسا، بالفعل احتياطيات غاز استراتيجية تخضع لرقابة الدولة، ولا تتاح للتداول الحر داخل السوق. وبحسب الشبكة الأوروبية لمشغلي أنظمة نقل الغاز، فإن هذه الاحتياطيات تمثل في المتوسط نحو 11% من إجمالي سعة التخزين في دول التكتل.
وتُشكل قضية تخزين الغاز أهمية خاصة في جنوب ألمانيا، حيث يرتفع الطلب الصناعي على الوقود بشكل كبير. وعلى الرغم من قيام الحكومة مؤخراً بخفض أهداف التخزين بهدف التخفيف من الضغوط السعرية المرتبطة بعمليات التعبئة، لكنها أبقت على متطلبات أكثر صرامة في أربعة مواقع تخزين تقع قرب الحدود مع سويسرا والنمسا.
وذكر أحد المصادر أن موقع ريدن، الذي يُعدّ أحد أكبر مواقع التخزين في أوروبا، طُرح لفترة وجيزة كخيار لاستخدامه كاحتياطي استراتيجي لألمانيا، لكنه يُعتبر الآن أقل ملاءمة لهذا الغرض، مشيرا إلى خيارات بديلة مثل التخزين في الكهوف تبدو أكثر سهولة من حيث التعبئة وأكثر جدوى اقتصادياً.
يمكن أيضاً استخدام الغاز المُخزن لفترات قصيرة في محطات استقبال الغاز الطبيعي المُسال داخل البلاد كجزء من الاحتياطي الاستراتيجي، بحسب المصادر. كما وسعت ألمانيا قدرتها الاستيعابية خلال أزمة الطاقة لتعويض الإمدادات الآتية عبر أنابيب الغاز الروسية، وتمتلك حالياً ثلاث محطات تعمل بالفعل.
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، مع استعداد التجار لاحتمال تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران والمخاطر التي تهدد إمدادات الطاقة العالمية. وصعدت العقود المستقبلية المرجعية بنسبة وصلت إلى 1.8%، أمس، بعد جلسة تداول متقلبة في اليوم السابق. ورغم أن الإمدادات تبدو مستقرة حالياً في أوروبا، فإنّ اعتماد القارة الكبير على التدفقات العالمية من الغاز الطبيعي المسال يجعل الأسعار عرضة لتقلبات كبيرة عند حدوث مخاطر جيوسياسية تؤثر على تجارة الطاقة الدولية. وتحتاج أوروبا إلى المزيد من هذا الوقود خلال الأشهر المقبلة لإعادة ملء مخزونها من الغاز، بعد أن تراجع إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات خلال فصل الشتاء الماضي.
وتتمثل إحدى التهديدات الرئيسية في قدرة إيران على إغلاق مضيق هرمز إذا تصاعدت وتيرة الحرب، ما قد يؤدي إلى وقف الشحنات الآتية من قطر، أحد أكبر مُصدّري الغاز الطبيعي المسال في العالم. كما يُعد المضيق مساراً رئيسياً لإمدادات النفط من المنطقة، مما يدفع المتداولين إلى مراقبة حركة ناقلات الوقود عن كثب.
