"الأمن مقابل المعادن"... نهب الكونغو الديمقراطية بإشراف المرتزقة
Arab
3 hours ago
share

ليس ما كشفته وكالة رويترز، يوم الخميس الماضي، عن دور مرتقب لإريك برنس، صاحب شركة مرتزقة بلاكووتر السابقة، في ما بات يعرف بـ"صفقة الأمن مقابل المعادن" في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي تعمل عليها كينشاسا وواشنطن، جديداً بالكامل، إلّا أنه يعكس الدور المُتزايد الذي تؤديه الشركات الأمنية الخاصة، ومن بينها الأميركية، لاعباً أساسياً في نهب ثروات أفريقيا، كما يعزز المخاوف من أن تشهد المرحلة المقبلة اتّساعاً في خصخصة المصالح الاقتصادية لدول غربية، خصوصاً الولايات المتحدة، في أفريقيا، لا سيّما أن هذا الدور لبرنس، يحظى بغطاء من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو ما ألمحت إليه وزارة الخارجية الأميركية، الخميس أيضاً، بقولها إن الولايات المتحدة تتوقع أن تتضمّن الصفقة التي يجري العمل عليها مع جمهورية الكونغو الديمقراطية "مجموعةً متنوعة من الشركاء من القطاع الخاص".

مع العلم أن برنس يعد داعماً قوياً لترامب، وبعد أن ارتبط اسمه بشركة بلاكووتر السابقة للمرتزقة الأميركيين العسكريين، عاد ليؤسّس حضوراً قوياً له في وزارة الدفاع الأميركية مع عودة ترامب للسلطة، ويؤدي دوراً بارزاً في وضع الخطط لعمليات طرد المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة، وهو ما أشار إليه موقع مجلة بوليتكو الأميركي قبل أيام.

"الأمن مقابل المعادن"

وكشفت وكالة رويترز، الخميس، أن إريك برنس، وافق على دعم جمهورية الكونغو الديمقراطية لتأمين وجمع العائدات الضريبية من ثروتها المعدنية الواسعة، بحسب مصدرَين مطّلعَين ودبلوماسيَّين، وذلك قبل بدء إدارة ترامب حوارها مع كينشاسا، علماً أن برنس مقرّب من ترامب الذي كان في طور إعداد ملفاته قبل وصوله إلى البيت الأبيض.

الاتفاق بين كينشاسا وبرنس جرى التّوصل إليه قبل إطلاق حركة 23 مارس هجومها في الشرق، في يناير الماضي

وبحسب مصادر الوكالة، فإنّ الاتفاق بين كينشاسا وبرنس جرى التّوصل إليه قبل إطلاق حركة 23 مارس هجومَها في الشرق، في يناير/كانون الثاني الماضي، وإنّ المباحثات اليوم لتطبيق الاتفاق تأتي في وقت وسّعت فيه كينشاسا وواشنطن مباحثاتهما للوصول إلى صفقة واسعة خاصة بالمعادن، إذ تريد السلطة في الكونغو الديمقراطية الحصول على مزيد من العائدات من صناعة المعادن التي يلفّها الفساد والتهريب.

وقالت "رويترز" إن إدارة ترامب لم تشرح كيف ستساهم الولايات المتحدة في دعم الكونغو الديمقراطية أمنياً وذلك جزءاً من صفقة المعادن، وما إذا كان ذلك سيكون على نسق الحمايات الأمنية الروسية "الخاصة" في القارة، على غرار شركة "فاغنر". وبحسب محللين ومسؤولين أميركيين سابقين، قد يكون الاعتماد على مقاولين عسكريين مثل إريك برنس أحد الخيارات المطروحة، وقال مصدر حكومي في كينشاسا للوكالة إنّ أي اتفاق مع برنس تَجِبُ مراجعته بعد ما حصل من دفع للتوصّل إلى صفقة مع إدارة ترامب.

ولفتت الوكالة إلى أن الاتفاق مع برنس جرى مع وزارة المالية، وسيركّز مستشارو برنس على تحسين عمليات جباية الضرائب والحدّ من عمليات تهريب المعادن عبر الحدود، وفق مصدرَين قريبَين من المتعهد العسكري الأميركي، اللذين أكدا رغم ذلك أنّه لم يجر وضع أيّ خطط لنشر متعهدين عسكريين في مناطق القتال، علماً أن الخطة الأصلية كانت تقضي بنشر متعهدين عسكريين في مدينة غوما، عاصمة شمال كيفو في الشرق، وذلك قبل أن تسيطر عليها "23 مارس". وأوضح مصدر دبلوماسي أن المرحلة الأولى من جهود برنس ستركز على تأمين المناجم وتحصيل العائدات في مقاطعة كانتاغا الغنية بالنحاس، وأن يجري ذلك بمعية "خبراء تقنيين" من دون تحديد آلية محاربة الفساد، وأكد مصدر في مكتب تشيسكيدي أن اتفاقاً قد "وُقِّعَ في المبدأ" مع برنس.

وعمل إريك برنس في أفريقيا لسنوات طويلة، عبر تأمين اللوجستيات لشركات النفط والمعادن، وقد عملت شركات عدة يسيطر عليها في الكونغو الديمقراطية منذ عام 2015، وفق "رويترز"، وقد عملت في مجال نقل الشاحنات، وسعت إلى الانخراط في قطاع المعادن. وبحسب مصادر قريبة من برنس، فإنّ أبرز تحدٍ سيكون عليه معالجته هو الحد من نزيف خسارة العائدات. وحذرت صحيفة ذا غارديان البريطانية، في 13 إبريل الحالي، من المزيد من نهب الكونغو الديمقراطية، ورأت أن الإخضاع اليوم يجري بطريقة أكثر مكراً، إذ إنّ دولة سيادية يجري حشرُها في لحظة ضعف. وهذه وجهة نظر قد لا تنطبق مع ما دعا إليه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي، في 25 مارس الماضي، إذ بحسب مديرة برنامج المعادن الاستراتيجية في المركز غرايسلين باسكاران، فإن هناك فرصة قوية جداً لبناء تعاون في مجال المعادن بين واشنطن وكينشاسا، وهو أمر قد لا ترى "ذا غارديان" أنّه سيكون عادلاً بكل الأحوال.

وعقب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت الولايات المتحدة والكونغو الديمقراطية مفاوضات، على صفقة أمنية اقتصادية، لم تتبلور كامل بنودها بعد، وتؤمّن بموجبها واشنطن الدعم للجيش والسلطة في كينشاسا، في مواجهة الجماعات المسلّحة المتمرّدة، خصوصاً في الشرق، مقابل الحصول على المعادن الأرضية التي يزخر بهذا البلد، وعلى رأسها الكوبالت والكولتان والنحاس والفضة والليثيوم. وفي الكونغو الديمقراطية، نحو 50 معدناً تصنع منها الدولة والمليشيات ثرواتها، وتنهب منها الدول الكبرى، الاستعمارية وخلال الحرب الباردة وما بعدها، منذ عقود، وهو ما يرغب ترامب في الحصول على الكعكة الكبرى منه في مواجهة الصين.

هكذا تستقر حرب الهيمنة على المعادن الثمينة في العالم، للفوز بالهيمنة والتفوق التكنولوجي، في الكونغو الديمقراطية هذه المرة، الغارقة منذ أشهر، في حرب بين الجيش من جهة، وحركة 23 مارس المتمردة، في الشرق، والمدعومة من رواندا، من جهة أخرى. وهذه المعادن، أساسية في الصناعات العسكرية للدول الكبرى، ومنها لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، كما أنها أساسية في صناعة بطاريات الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية وتقنيات الشرائح المتقدمة، أو ما يطلق عليها أشباه الموصلات، وتحتوي جمهورية الكونغو الديمقراطية على كميات ضخمة من الكوبالت، ومنها يجري إنتاج 50% على الأقل من خام الكوبالت الموجود في أسواق العالم.

الكونغو الديمقراطية في قبضة الطامعين

ويتزاحم الغرب والصين، أخيراً، على ثروات هذا البلد، التي شكّلت نقمة على شعبه، إذ باتت اليوم مليشيا 23 مارس ورواندا تستحوذ على ضرائب استخراج معادن الشرق، والتي تُهرَّبُ أو تُباعُ إلى الخارج وأحياناً بأسعار زهيدة مع انتعاش أعمال التهريب، وتسرق أموالها إلى رواندا، فيما لا يستفيد منها المواطنون الغارقون في الفقر. أما الصين فباتت تسيطر على حوالى 80% من عمليات التعدين في الكونغو، وفق أرقام تقارير إعلامية غربية، علماً أنها لم تطرح على الإطلاق مسألة المساهمة في تأمين الأمن أو الدعم العسكري.

ومع اشتداد المعارك في الشرق، منذ بداية العام الحالي، فشل الرئيس فيليكس تشيسكيدي الموجود في السلطة منذ عام 2019، من الحصول على دعم دولي أو أفريقي، لإنهاء التمرد، الذي تغذيه مصالح عدة، في وقت لم تأبه الدول الغربية أو الصين سوى لحماية شركات التعدين الخاصة بها، لتعلن كينشاسا عن انفتاحها على "تنويع الشراكات والاستثمارات"، لا سيّما مع عودة ترامب للسلطة في واشنطن. وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال في 19 مارس/آذار الماضي، أن رئيس الكونغو الديمقراطية بعث في 8 فبراير/شباط الماضي، رسالة إلى ترامب، عرض فيها فرصاً للتنقيب عن المعادن عبر صندوق الثروة السيادي الذي كان الرئيس الأميركي العائد إلى السلطة قد أعلن عن إطلاقه. وبحسب الصحيفة، فإن تشيسكيدي وصف عهد ترامب بأنه "سيطلق مرحلة العصر الذهبي للولايات المتحدة"، وأن الشراكة يجب أن تتضمن صفقة أمنية لإلحاق الهزيمة بحركة 23 مارس المتمردة.

شركات أميركية عدة جرى تداول أسمائها لتكون جزءاً من هذه الشراكة

وأدّى ذلك إلى حصول زيارات أميركية إلى كينشاسا، من بينها زيارة النائب الأميركي روني جاكسون للعاصمة الكونغولية في مارس الماضي، لمناقشة الوضع الأمني، وفرص الاستثمارات الأميركية، ووصفته الرئاسة في جمهورية الكونغو الديمقراطية على أنه مبعوث خاص لترامب، بعدما أبدى البيت الأبيض اهتماماً بـ"مناقشة فرص استثمارية" في هذا البلد. وفي 11 إبريل/نيسان الحالي، أُعلن عن زيارة لمبعوث ترامب، مسعد بولس، للبلد الواقع في وسط أفريقيا، ما وضع حجر الأساس لصفقة معادن في الكونغو الديمقراطية. وبحسب الإعلام الأميركي، حينها، فإنّ أي صفقة بين واشنطن وكينشاسا، ستعتمد على رغبة الولايات المتحدة في التفاوض لإبرام وقف لإطلاق النار أو صفقة سلام في شرق الكونغو الديمقراطية. وإثر زيارة بولس، قامت الكونغو الديمقراطية بترحيل ثلاثة مواطنين أميركيين معتقلين على خلفية محاولة انقلاب فاشلة (في صيف 2024)، إلى الولايات المتحدة، وذلك بعدما كان الرئيس فيليكس تشيسكيدي التقى أيضاً المبعوث الأميركي لملف المحتجزين آدم بولر في العاصمة القطرية الدوحة، في مارس.

وليس معروفاً ما إذا كان تشيسكيدي يسعى إلى حماية أميركية على غرار الدعم الذي كان حصل عليه الرئيس الديكتاتور، جوزيف ديزيريه موبوتو (1966- 1997)، الذي ترسخ حينها بسبب الحرب الباردة. إذ وفق مقولة التاريخ يعيد نفسه، ولو بأسماء مختلفة، فإن التنافس الحاد اليوم بين الولايات المتحدة والصين، تدخل فيه حرب المعادن بوصفها عنصراً أساسياً في هذه المعركة، وهي لا تقتصر على الكونغو الديمقراطية، على غرار أيضاً ما يحصل بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وكذلك رغبة ترامب في السيطرة على جزيرة غرينلاند، إذ يبدو الصراع على معادن العالم جزءاً ثابتاً من استراتيجية الإدارة الأميركية المحافظة الجديدة في معركتها مع الصين.

(العربي الجديد، رويترز)

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows