
كثّف المغرب، خلال الأيام القليلة الماضية، تحركاته الدبلوماسية في اتجاه عواصم غربية، في خطوة تروم إحداث نقلة نوعية في مسار نزاع الصحراء الغربية من خلال محاولة ترسيخ الاعتراف الدولي بسيادة الرباط على المنطقة، والحشد لتوسيع نطاق الدول الداعمة لمبادرة "الحكم الذاتي" في الصحراء. جاءت التحركات المغربية في ظل مؤشرات إلى دخول النزاع الذي عمّر لما يقارب نصف قرن مرحلة حاسمة، بعد تأكيد المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، خلال الجلسة المغلقة التي عقدها مجلس الأمن، الاثنين الماضي في نيويورك، أن المرحلة المقبلة، وتحديداً الأشهر الثلاثة المقبلة، قد تمثل فرصة حقيقيّة لتحقيق تهدئة إقليمية، تمهّد لوضع خريطة طريق جديدة باتجاه الحل.
وقاد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في ظرف عشرة أيام، جولةً دبلوماسيةً مكوكيةً شملت الولايات المتحدة وفرنسا والمجر وإستونيا ومولدافيا وكرواتيا وإسبانيا وسلوفينيا، كان عنوانها الرئيسي حشد المزيد من التأييد لمبادرة "الحكم الذاتي" في الصحراء الغربية التي كانت قد تقدّمت بها الرباط في عام 2007 لحل النزاع. بدأت الدبلوماسية المغربية تحركاتها ذات الدلالات من حيث توقيتها ومضمونها السياسي، في الثامن من إبريل/ نيسان الحالي، من واشنطن، حيث تلقّت الرباط دعماً بعد تأكيد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أنّ بلاده "لا تزال تعتقد أن الحكم الذاتي الحقيقي في ظل السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن". وشدد روبيو على حث الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأطراف على "الانخراط في مناقشات دون تأخير باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين" (البوليساريو والمغرب).
كذلك أكد وزير الخارجية الفرنسي، جون نويل بارو، خلال لقائه بوريطة في باريس، الثلاثاء الماضي، دعم فرنسا "الواضح والثابت لمخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية"، باعتباره "الإطار الوحيد الذي يجب من خلاله إيجاد تسوية لهذه القضية". وأكد بارو أن بلاده تعتزم الاضطلاع بدورها الكامل في إطار "التوافق الدولي" الداعم للمبادرة المغربية "والذي ما فتئ يتسع"، وفق بيان الخارجية الفرنسية. ومروراً ببودابست وتالين وبلغراد وليوبليانا، أظهرت مخرجات تحركات الرجل الأول في الخارجية المغربية دعماً واضحاً لمبادرة "الحكم الذاتي" في الصحراء الغربية كسبيل لتحقيق حل سياسي دائم. وكان لافتاً تجديد إسبانيا، كقوة استعمارية سابقة في الإقليم، وعضو فاعل في "مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية" المعنية بملف النزاع داخل أروقة مجلس الأمن، الخميس الماضي، دعمها الصريح لمبادرة "الحكم الذاتي" في الصحراء الغربية، وقد وصفتها بـ"الخطة الأكثر جدية وواقعية ومصداقية"، بحسب بيان وزارة الخارجية المغربية عقب محادثات بوريطة بمدريد، مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس.
مبادرة "الحكم الذاتي" في الصحراء الغربية
في القاموس الدبلوماسي المغربي، يحمل نزاع الصحراء الغربية اسم "ملف الوحدة الترابية المغربية". وفي عام 2007، قدمت الرباط ما تعتبره "سقفاً أعلى لا يمكن تجاوزه"، هو الحكم الذاتي الموسع باعتباره "فرصة حقيقية من شأنها أن تساعد على انطلاق مفاوضات، بهدف التوصل إلى حل نهائي لهذا الخلاف. على أساس إجراءات توافقية، تنسجم مع الأهداف والمبادئ التي ينصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة". تنصّ المبادرة المغربية، التي قوبلت برفض جبهة "البوليساريو" والجزائر، على نقل جزء من اختصاصات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى "جهة الحكم الذاتي للصحراء". وبموجب هذا النقل يدبّر سكان المنطقة "شؤونهم بأنفسهم بشكل ديمقراطي"، بينما تحتفظ الرباط باختصاصاتها المركزية "في ميادين السيادة، لا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية"، وكذلك ممارسة الملك لاختصاصاته الدينية والدستورية.
تمارس جهة الحكم الذاتي في الصحراء وفق المبادرة نفسها، اختصاصاتها التنفيذية من خلال "رئيس حكومة ينتخبه البرلمان، ويُنصّبه الملك". في حين يتكوّن البرلمان من أعضاء "منتخبين من مختلف القبائل الصحراوية". كذلك تنصّ المبادرة على أن سكان الجهة (الصحراء الغربية) يتمتعون بكل الضمانات التي يكفلها دستور المغرب في مجال حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها دولياً. في مقابل كل ذلك، فإن المغرب يلتزم بمراجعة دستوره وإدراج نظام الحكم الذاتي ضمن فصوله، وإصدار عفو شامل عن كل من صدرت في حقهم أحكام لها علاقة بموضوع الصراع.
ترى الخارجية المغربية، على لسان بوريطة خلال ندوة في مدريد الخميس الماضي، أن إعلان 22 دولة أوروبية دعمها الصريح لهذه المبادرة "لا يهدف إلى الإبقاء على الوضع الراهن أو منح المغرب راحة دبلوماسية، بل يعكس إرادة حقيقية لإيجاد حل نهائي ومستدام". وأشار بوريطة إلى أن هذا التحول لا يقتصر فقط على أوروبا بل يشمل أيضاً الولايات المتحدة ودول الخليج ودولاً أفريقية عديدة، ما يشكل "دينامية للحل وليست مجرد اصطفافات دبلوماسية". وبينما تزامنت التحركات المغربية مع لحظة دبلوماسية مهمة تمثلت في الإحاطة التي قدمها دي ميستورا بمجلس الأمن حول الصحراء، تُطرح أسئلة عدة حول الأهداف التي تسعى الرباط إلى تحقيقها من خلال تحركاتها الأخيرة، وإن كانت المرحلة المقبلة قد تشهد تحولات كبيرة تقود نحو تسوية نهائية للنزاع.
مؤشرات إيجابية
رأى مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" (غير حكومي)، عبد الفتاح الفاتيحي، أن "تحركات بوريطة ستسرع حسم ملف الصحراء المغربية، كما أنها تؤكد جاهزية المملكة لوضع حد للنزاع المفتعل بشأن الوحدة الترابية للمملكة". وتوقع، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تزيد تلك التحركات من الضغوط الدولية على باقي الأطراف للجلوس إلى طاولة الموائد المستديرة، لحل هذه القضية التي عمرت طويلاً بسبب تعنت البوليساريو وحاضنتها الجزائر". وبرأي الفاتيحي فإن جولة بوريطة في عدد من العواصم "ستثمر مزيداً من حشد التأييد للموقف المغربي، لا سيما التأكيد على جدية مقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل النهائي للنزاع المفتعل حول مغربية الصحراء".
عبد الفتاح الفاتيحي: واشنطن وباريس تشكلان ضغطاً قوياً ومؤثراً لدفع الأمم المتحدة إلى التجاوب مع رؤيتهما
وتندرج الزيارات المكوكية لبوريطة، وفق الفاتيحي، في سياق "استثمار الزخم المتزامن مع تأكيد الموقف الأميركي والفرنسي لدعمهما سيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية". وأضاف أنه "بات اليوم، في حكم المؤكد أن الأمم المتحدة قد اقتنعت بالانطلاق من مخطط الحكم الذاتي المغربي كمشروع لبداية مفاوضات تخص تفاصيله يكون متوافقاً بشأنها كحل سياسي للنزاع حول الصحراء". واعتبر أن "تجديد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء" ودعوة واشنطن الأطراف إلى الدخول في مفاوضات دون تأخير على أساس مبادرة "الحكم الذاتي" في الصحراء الغربية أظهرت "حزماً أميركياً لضرورة إنهاء النزاع". ولفت إلى أن واشنطن وباريس تشكلان ضغطاً قوياً ومؤثراً لدفع الأمم المتحدة إلى التجاوب مع رؤيتهما بخصوص تصور الحل، لجعله واقعاً ينهي كلفة بعثة "المينورسو" (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية) في المنطقة.
بوبكر أونغير: هناك إشارات إيجابية عنوانها البارز إصرار الإدارة الأميركية على حل النزاع
من جهته، رأى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك "أجواء إيجابية لحلحلة الملف في اتجاه حل واقعي تفاوضي ينهي صراعاً مفتعلاً موروثاً عن الفترة الاستعمارية الأوروبية في إطار تقسيم النفوذ بين الدول الأوروبية". وأوضح أن "هناك إشارات إيجابية عنوانها البارز هو حزم وإصرار الإدارة الأميركية على حل هذا النزاع ووضع حد لواقع اللااستقرار الذي تمثله جبهة البوليساريو في محيط إقليمي تريده واشنطن وشركاؤها مجالاً خصباً للتعاون والشراكة الدوليين". كما تريد هذا المحيط "منطقة مستعدة لاستقبال الاستثمارات الأميركية الكبيرة التي تسعى إلى تسريعها لقطع الطريق على التوغل الصيني الذي يزيد يوماً بعد آخر في المنطقة".
ولفت إلى "وجود زخم إيجابي من خلال اصطفاف القوى الدولية الفاعلة إلى جانب الأمم المتحدة من أجل إقرار حل سريع لملف طال أمده وعرقل جهود الاتحاد الأفريقي والاتحاد المغاربي في لعب أدوار مهمة في السلم والأمن الدوليين". ورأى أن الإحاطة التي قدمها دي ميستورا، أخيراً، أمام مجلس الأمن، تشير إلى أن "الحل النهائي لقضية الصحراء أصبح مطلباً دولياً وإقليمياً". وباعتقاده فـ "كل القوى الدولية الفاعلة في المجلس ستضغط على الأطراف من أجل تسريع الحل التوافقي الواقعي الذي ترتضيه موازين القوى التي هي الآن بدون شك لصالح الموقف المغربي المعضد بالدعم الأميركي والأوروبي".

Related News
