
قبيل إعلانه العزم على اعتزال التجوال الفني، والتفرّغ لكتابة وتسجيل الأغاني، تَوّج المغني البريطاني الشهير إلتون جون (78 عاماً)، المرحلة الجديدة بإصداره هذا الشهر ألبوماً من عشرة تراكات، بمشاركة المغنية الأميركية براندي كارليل (Brandi Carlile) البالغة من العمر 43 عاماً، تحت عنوان Who Believes in Angels.
ارتفع الإصدار إلى مستوى المناسبة بكل المقاييس، إذ أتى نضراً أصيلاً ومبتكراً، سواءً لجهة المعاني أو المعالجة الموسيقية، ما دفع النقاد إلى مقارنته بأنجح ألبومات إلتون جون مثل Goodbye Yellow Brick Road الصادر في سنة 1975.
يَغمر التراك الأول The Rose Of Laura Nyro الأذن ببديع انتقالاته النغمية وثراء توزيعه الموسيقي، إلى درجة تصل حدّ التخمة، أما لورا نيرو (1947 - 1997) التي حمل عنوانه اسمها، فمغنية أميركية وكاتبة أغان، سطعت في عقد الستينيات الماضي، لم تعمّر طويلاً ولم تنل حقها من التألق عالمياً، على الرغم من تركها بصماتٍ غائرة على مسيرة العديد من نجوم السبعينيات، أمثال بوب ديلن وكيت بوش وإلتون جون نفسه.
لهذا السبب، ربما أحب هو وكارليل، تخليد ذكراها بأغنية تليق بإرثها وتفتتح لهما ألبومهما، يستلهمان منها الابتكار في طرق الانتقال بين السلالم والقفز بين المقامات، فيصفان معاً مشهداً شعرياً، يتناهى أسطورةً، يصل المدينة الأميركية نيويورك، مسقط رأس نيرو، بالعاصمة البريطانية لندن، بينما النصّ يبدو متصلاً إلى حين ورود لفظ Aha مرة ثانية إيذاناً ببدء الكوبليه في Eli's coming التي ستخضع لدى تكرارها عند الختام، إلى توسيعٍ يقضي بتسارع الإيقاع وتصاعد الحناجر باطّراد حتى النهاية.
ورد اسم التراك الرابع، Never Too Late، عنواناً لوثائقيّ بطول مئة دقيقة أنتجته "ديزني بلاس"، تتبّع إلتون جون خلال جولته الفنيّة قبيل اعتزاله، وفي الوقت نفسه سلّط ضوءاً بيوغرافيّاً، ولو خافتاً من دون الغوص في عديد التفاصيل والحيثيات، على حياته الشخصية ومجمل مساره المهني الذي انتهى به إلى أن يكون من أشهر نجوم الـPop في كل الأزمنة. ولئن جرى استخدام الأغنية حاملاً موسيقياً للفيلم، فقد صُمّمت لتكون نموذجاً تمثيليّاً لأسلوب جون، كما عهده معجبوه على مدى عقود، من خلال طريقته أدائه على البيانو، مصاحباً حنجرته بعزفه.
تنضم إليه كارليل خلال المقطع الثاني في تقابل صوتي مُحكم مبني على فواصل نغمية سائغة (Intervals)، وكما يوحي العنوان، يتحدث النص بنبرة تفاؤلية، كيف أن الوقت لن يفوت أبداً، وأن هناك على الدوام فُسحةً رحبة لبداية نضرة. هنا، لا يغيب عن الأذن إسقاط المضمون العام على المرحلة العمرية التي يمر بها النجم المخضرم، وقد شارف على عقده التاسع من العمر، كما يجدر ألّا يغيب أيضاً وقع كلامه على أسماع محبّيه، الذين من المفترض أن تقدّم العمر بمعظمهم. لذا، اكتنفت الأغنية لجهة المغنى والمعنى، مسحة من المواساة، تهب كلَّ من يرغب بسماع أن الأوان لم يفت بعد، جرعةً من الأمل ووعداً بفرصة أخرى.
يستحضر التراك الخامس الذي عُنِون باسم الألبوم "من يؤمن بالملائكة" عدة مشارب موسيقية متداخلة وفق انسجام حذق. تُذكّر التسلسلات الهارمونية المتجهة نحو الأسفل على طول لوح مفاتيح البيانو بأساليب المعالجة التي ميّزت الموسيقى الأوروبية في حقبة الباروك زمن القرن السابع عشر، ومن ثم استعادها روّاد موسيقى الروك البريطانية منتصف السبعينيات، فميّزتها عن نظيرتها الأميركية. تستهل كارليل الغناء بصوتها منفردةً، تُعيد ذات المسار النغمي قبل حرفه عبر انتقال سلّمي عند إحداثية نطقها بيتاً مأثوراً: "مرّات، يمكن الإمساك بالصادق مُتلبّساً بكذبة".
بُعيد جسر نصّي صغير، تعيد فيه لمرّتين: "نعم، لقد كنت هناك"، أي سبق لي وأن خضت تجربة مماثلة، تبدأ الأغنية بالتصعيد في شاعريّتها ملحميّاً، عبر وسائل المعالجة الهارمونية في منحى يُشبه إلى حدّ كبير أوّل تراكات الألبوم، إذ ستنقلب "هارد روك" حيوياً صاخباً، بحضور كل من الغيتار الكهربائي وطبول الدرامز، يصل ذروته قبل أن ينحلّ في الإعادة (Refrain) "من يؤمن بالملائكة".
لا يبدو أنّ الملائكة في الأغنية قد حملت وجهاً واحداً، يقف عند التساؤل حول الإيمان بها، أكان من منطقٍ عدميّ سينيكيّ هازئ، أم روحاني جاد مُستند إلى اعتقاد أو عقيدة، بل تجاوزه إلى تضمين رموزٍ أكثر باطنيّة (Esoteric) حين يُشار إلى ظاهرة تراجع كوكب عطارد (Mercury Retrograde)، أي تباعد الجرم عن الأرض، وذلك حدثٌ فلكيٌّ ربطه بعض الباطنيين المعاصرين بالقيامة ونهاية الزمان، أو موت الأنا بوصفها قطبَاً لدورةٍ أزلية.
وإذا ما نُظِر من زاوية موسيقية إلى دلالة كوكب عطارد (Mercury) علاوة على ورود لفظة "ملكة" (Queen) في المقطع الأول، مع الأخذ "بإذن" الاعتبار أنماط المعالجة الموسيقية والانحلالات الهارمونية المستخدمة، بمن تُذكّر وإلى أين تقود مصادر إلهامها، فلعله من الممكن التكهن بأن أغنية Who Believes In Angels قد كُتبت ولُحّنت بمثابة تكريمٍ مُبطّنٍ لأرث أسطورة البوب البريطاني الراحل فريدي ميركوري (Freddie Mercury) نجم فرقة Queen، لا سيّما وأن كلاً من إلتون جون وكارليل، ومن قبلهما ميركوري، من مشاهير المثلية والعابرين (LGBT).

Related News
