Arab
في خطوة تعكس عودة واضحة لثقل اليسار داخل حزب العمال، أقرّت بريطانيا حزمة غير مسبوقة من حقوق العمال، يُنتظر أن تُحدث تحولاً عميقاً في سوق العمل والاقتصاد، وسط جدل حاد بين النقابات ودوائر الأعمال حول كلفتها وتأثيرها على النمو. وفي التفاصيل، أقرت حكومة حزب العمال البريطانية قانوناً واسع النطاق لحقوق العمال، في خطوة وُصفت بأنها إنجاز تشريعي مفصلي يعزز حماية الموظفين ويحقق أحد أبرز أهداف الجناح اليساري في الحزب. ووافق مجلس اللوردات، اليوم الثلاثاء، على مشروع "قانون حقوق العمل" بعد شد وجذب طويلين مع مجلس العموم، ممهداً الطريق لدخوله حيز التنفيذ.
ويتضمن القانون حقوقاً جديدة تضمن ساعات عمل مستقرة وتوسيع الإجازات الوالدية وتعزيز الحماية من الفصل التعسفي، في ما اعتبرته الحكومة تحديثاً ضرورياً لقوانين العمل البريطانية. وقال وزير الأعمال بيتر كايل إن التشريع "سينقل قوانين التوظيف المتقادمة في بريطانيا إلى القرن الحادي والعشرين، ويوفر الكرامة والاحترام لملايين العاملين"، وفقاً لما نقلت عنه شبكة بلومبيرغ اليوم.
ويأتي القانون تنفيذاً لتعهّد انتخابي أساسي لحزب العمال قبيل الانتخابات العامة العام الماضي، رغم إدخال تعديلات خففت بعض البنود استجابة لمخاوف قطاع الأعمال. وأظهر تقييم حكومي أن كلفة الإجراءات قد تصل إلى 4.5 مليارات جنيه إسترليني سنوياً على الشركات البريطانية. وكانت نائبة رئيس الوزراء السابقة أنجيلا راينر من أبرز الداعمين للتشريع، إذ قادت إدخاله والدفاع عنه داخل البرلمان. وتُعد راينر شخصية بارزة في الجناح اليساري للحزب، ويُنظَر إليها باعتبارها منافسة محتملة لرئيس الوزراء كير ستارمر في حال استمر تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي. ومنذ خروجها من الحكومة في سبتمبر/أيلول الماضي بسبب قضية ضريبية، اقتصر ظهورها البرلماني على دعم تقدم مشروع القانون. (الجنيه الإسترليني = 1.34 دولار).
ومن المقرر أن تدخل التغييرات حيز التنفيذ تدريجياً اعتباراً من عام 2027، وتشمل منح إجازة الأبوة وإجازة الوالدية غير المدفوعة منذ اليوم الأول للعمل، وإلغاء فترة الانتظار البالغة ثلاثة أيام للحصول على إجازة مرضية مدفوعة، وتقليص المدة المطلوبة للمطالبة بالفصل التعسفي من عامين إلى ستة أشهر فقط. ورغم المخاوف من تأثير الكلفة على الأعمال، توقعت الحكومة أن يكون الأثر الاقتصادي "إيجابياً لكنه محدود". وفي المقابل، أحجمت هيئة مراقبة الميزانية البريطانية عن إصدار تقدير نهائي بسبب صعوبة التطبيق، فيما تباينت التوقعات الأخرى بشكل حاد، إذ قدّر اتحاد النقابات زيادة الإنتاج بنحو 10.3 مليارات جنيه سنوياً، بينما حذرت لجنة نمو مستقلة يمينية من خسارة محتملة تصل إلى 7.6 مليارات جنيه.
وكانت أكبر خمس جماعات ضغط تجارية في البلاد قد وجهت رسالة مشتركة في إبريل/نيسان الماضي تحذر من أن الإصلاحات ستضر بالنمو وفرص العمل، غير أن وزراء العمال شددوا على أن القانون "مؤيد للأعمال ومؤيد للعمال" في آن، ويشكل جزءاً من معالجة أزمة الإنتاجية التي دفعت السلطات إلى خفض توقعات النمو في الآونة الأخيرة. كما يعزز القانون نفوذ النقابات العمالية، عبر خفض العتبة القانونية لإعلان الإضرابات، وهو ما وصفته راينر بـ"الإنجاز التاريخي لحكومة العمال". ويأتي ذلك في وقت يعاني فيه الحزب من تراجع في الاستطلاعات، متأخراً عن حزب "إصلاح المملكة المتحدة" بزعامة نايجل فاراج منذ إبريل.
وتُعد راينر حلقة الوصل الأساسية مع القاعدة اليسارية للحزب، وقد شكل مسارها الشخصي، باعتبارها امرأة نشأت في بيئة فقيرة ودخلت السياسة عبر الحركة العمالية، رمزاً لوعود حزب العمال التقليدية لناخبيه الأساسيين، في لحظة تشهد فيها بريطانيا إعادة رسم واضحة لعلاقة الدولة بسوق العمل.
