الإسكندرية... سبل استعادة الهوية الثقافية المتوسطية
Arab
2 hours ago
share

رغم ما يحمله الحدث من رمزية، مرّ خبر اختيار مدينة الإسكندرية عاصمة للثقافة والحوار في منطقة المتوسط لعام 2025، إلى جانب العاصمة الألبانية تيرانا، مرور الكرام في وسائل الإعلام المصرية، فلم يُفتح أي نقاش حول دلالاته أو إمكاناته. اللافت أن هذه المبادرة، التي أطلقها الاتحاد من أجل المتوسط بالتعاون مع مؤسسة آنا ليند، لا تتعلق بمجرد احتفالات موسمية، بل تنطوي على رؤية أوسع لإبراز الهوية الثقافية للمدن المتوسطية، وتعزيز الحوار بين شعوبها.

أن تكون الإسكندرية أول مدينة جنوب المتوسط تُمنح هذا اللقب ليس بالأمر العابر، لا سيما أن المدينة عرفت، عبر قرون، طابعاً فريداً من التعدد والانفتاح ثقافياً واجتماعياً، غير أن هذه الهوية لم تبق على حالها، وشهدت تحولات كبرى منذ منتصف القرن العشرين، انتهت بها إلى طابع يغلب عليه الانكفاء المحلي، وتراجع الدور الثقافي المديني المتنوّع.

يمكن أن يُشكّل اختيار المدينة فرصة لإعادة التفكير في موقع المدينة على الخريطة الثقافية للمنطقة، فالبرنامج المُعلن يركز على استضافة مهرجانات فنية، وندوات ثقافية، ومعارض تُبرز علاقة المدينة بالبحر الأبيض، فضلاً عن دعوة فنانين ومثقفين من دول الجوار لتبادل الأفكار والخبرات، كما تسعى المبادرة إلى إشراك المجتمع المحلي في هذه الأنشطة، بحيث لا يظل النشاط الثقافي مقتصراً على المؤسسات الرسمية، بل يتصل بالحياة اليومية للناس.

آلاف المباني معرضة لخطر الانهيار منها مكتبة الإسكندرية والمنارة

بدأت هذه الاحتفالات في فبراير/ شباط الماضي بأسبوع هيباتيا الفني، والذي ركز على تجارب فنانات سكندريات مثل: علية عبد الهادي، ومنى غريب، ونورهان المهدي، وهويدا السباعي، ودينا ريحان، وسماح داوود، ودنيا الجوهري، وسارة عبد المقصود، وشمل أيضاً معارض بصرية تعكس تنوع التأثيرات المتوسطية على الفن المصري، وورش عمل وحفلات موسيقية وعروض أزياء تزاوج بين التراث والحداثة.

وفي سبتمبر/ أيلول المقبل، تنظّم ندوة دولية حول تأثير ارتفاع منسوب البحر على مواقع التراث العالمي، حيث تُناقش المخاطر التي تواجه الإرث الثقافي للسواحل المتوسطية، بما فيها الإسكندرية، التي تشير دراسة نشرتها الجامعة التقنية في ميونخ في مارس/ آذار الماضي، إلى انهيار نحو مئتين وثمانين مبنى في السنوات الأخيرة، وهناك حوالي سبعة آلاف مبنى آخر معرّض لخطر الانهيار في المستقبل القريب، منها مكتبة الإسكندرية والمنارة التي بنيت في القرن الثالث قبل الميلاد. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، يُعقد لقاء حول التعليم وسوق العمل في منطقة المتوسط.

لا تبدو هذه الفعاليات مجرد أنشطة موسمية، بل تحمل رؤية أعمق لإعادة ربط الإسكندرية بمحيطها الثقافي والحضاري، لكن التحدي الأكبر يكمن في أن تتجاوز الطابع الاحتفالي لتصل إلى إعادة بناء البنية الثقافية المستدامة للمدينة، وهو ما يرتبط بمدى قدرة الأطراف المعنية، من سلطات محلية ومؤسسات ثقافية ومجتمع مدني، على وضع خطة طويلة المدى تشمل تقديم دعم حقيقي لمؤسسات الثقافة المستقلة، وتوفير فضاءات عامة للفعل الثقافي، وربط المدينة بشبكات أوسع تتجاوز حدود الدولة القُطرية.

تستدعي الاحتفالية التذكير بالإسكندرية التي حافظت منذ لحظة تأسيسها على طابع كوزموبوليتاني، قبل أن تبدأ هويتها المتعددة تتآكل تدريجياً بدءاً من الخمسينيات، حيث ساهمت السياسات القومية التي اتبعتها الدولة بعد ثورة يوليو عام 1952، في إحداث تغيرات جذرية في النسيج السكاني والاجتماعي للمدينة، ففقدت تنوعها الاجتماعي والعرقي والثقافي التي شكّل  اليونانيون والطليان والأرمن والألبان والقبارصة والكريتيون غالبية سكّانها حتى الأربعينيات، وتقلصت المساحات التي كانت تعكس هذا التنوع، بل انسحبت هذه التحولات على المشهد الحضري والبصري للإسكندرية، فتغيرت معالم وسط المدينة، وتدهورت واجهات المباني التراثية، في حين ظهرت عمارات حديثة بلا هوية واضحة، وحتى الواجهة البحرية التي كانت ذات يوم مسرحاً للحياة العامة والاختلاط الاجتماعي، باتت تغلق تدريجياً أمام الناس مع ظهور الكبائن الخاصة (الشاليهات السياحية) والمشاريع الاستثمارية التي تستهدف فئات المجتمع العليا دون غيرها.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows