المغيّبون السوريون... قضية إنسانية لا سياسية
Arab
1 hour ago
share

لم تظهر سيرة المفقودين والمغيبين قسراً بعد سقوط نظام بشّار الأسد، إنما هذه القضية السورية بدأت مع وصول البعث إلى الحكم. لكن لأول مرة في تاريخ سورية تشكل الهيئة الوطنية للمفقودين، وفريقها الاستشاري الذي بدأ العمل من العاصمة  دمشق، حيث أجرت عدداً من اللقاءات مع أهالي المفقودين ودعت منظماتٍ عديدة ذات الشأن إلى اللقاء والاستفادة من البيانات المتوفرة لدى جميع هذه المنظمات، نحو إطلاق مشروع أكبر بالاستعانة بالمنظمات الدولية لتتقدم في إنصاف أهالي المغيبين والمفقودين.
وعممت اللجنة بالتعاون مع ممثلي عدد من الوزارات، وروابط الضحايا والمجتمع المدني، أرقام هواتف من أجل التواصل مع اللجنة سواء في ما يخص الأطفال المفقودين والكبار المغيبين القسريين والمفقودين.

استمرّت المحكمة في أحكامها القرقوشية بعد استلام الديكتاتور الصغير، وأعادت الحكم على المناضل رياض الترك، والراحل أكسم نعيسة، وعضوي مجلس الشعب رياض سيف ومأمون الحمصي وغيرهم

يعود موضوع المغيبين قسراً إلى حملات الاعتقالات التي كان يقوم بها نظام الأسد الأب حيث غاب المناضل رياض الترك أكثر من 18 عاماً في فرع التحقيق العسكري 248، واستمر التغييب القسري في ظل توحش الأجهزة الأمنية في عمليات التعذيب التي كانت تقوم بها، إذ استخدمت هذه الأجهزة الرصاص من أجل اعتقال العديد من عناصر الأحزاب السياسية، ففي حملة اعتقالات 1986، أصيب الكاتب والصحافي الفلسطيني جمال ربيع في طلق ناري في فخذه، وأصيب أيضاً كريم عكاري، وفي حملة اعتقالات 1987، أصيب علي رحمون في مدينة اللاذقية.
 وكان قد اختفى في ظروف التحقيق في فرع فلسطين مضر الجندي، ولم يظهر بعد، ولم تعترف الأجهزة الأمنية بوفاته تحت التعذيب، رغم أن عديدين من رفاقه قد شاهدوه في بداية التحقيق معه من أجل التثبت من شخصيته بسبب وجود هوية مزورة معه.
هذه الأجواء عاشها كثيرون من الذين اعتقلوا في الحملات التي شنّتها الأجهزة الأمنية لتصفية حزب العمل الشيوعي، في حلب، حمص، اللاذقية، ودمشق، لكن هذه الأجواء غادرت سورية والعمل السياسي مؤقتاً ما يقارب عقداً في ظل الدكتاتور الابن حيث أصبح هناك بعض القوانين الناظمة في بداية القرن الحادي والعشرين، فالاعتقالات استمرّت بدون قرار قضائي، لكن المعتقلين أصبحوا يُحالون إلى القضاء المدني ومحكمة أمن الدولة العليا، وتصدر المحاكم بحقهم أحكاماً مثلما حصل في بداية عقد التسعينيات إذ أحال النظام كل السجناء السياسيين إلى محكمة أمن الدولة سيئة الصيت والسمعة برئاسة القاضي فايز النوري، الذي كان يصدر الأحكام برعاية الأجهزة الأمنية حسب الجهة الأمنية التي اعتقلت السجين المقدم للمحكمة.
واستمرت هذه المحكمة في أحكامها القرقوشية بعد استلام الديكتاتور الصغير، وأعادت الحكم على المناضل رياض الترك، والراحل أكسم نعيسة، وعضوي مجلس الشعب رياض سيف ومأمون الحمصي، وأنور البني، والراحل ميشيل كيلو، ومحمود عيسى والعديد من الشخصيات السورية المعارضة.
ومع اندلاع الثورة السورية في 2011، عادت السلطة لعادتها القديمة في إخفاء الثوار والمناضلين والمناضلات في صفوف الثورة والحراك الميداني، وأحزاب المعارضة الكلاسيكية وتجمعاتها، ولعل أبرزهم مغيبي هيئة التنسيق الوطنية عند عودتهم من زيارة للصين، إذ أنقسم الوفد على سيارتين في الأول (المنسق العام لهيئة التنسيق حسن عبد العظيم، والمحامي محمود مرعي)، والسيارة الثانية فيها (عبد العزيز الخيّر، والمهندس إياس عياش)، والشاب ماهر الطحان. 
ومنذ اختفاء الثلاثة وسيارتهم نفت خارجية نظام بشّار الأسد وجودهم لدى الأجهزة، علماً أن الخيّر كان قد أمضى في سجون النظام المنهار أكثر من 16 عاماً. وعند الإفراج عنه في عام 2005، عاد للعمل السياسي في صفوف المعارضة الديمقراطية السورية منها "التجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع اليسار الماركسي، حزب العمل الشيوعي". ويضاف إليهم الناشط الحقوقي والمحامي خليل معتوق، والسياسي فائق المير، والسياسي الفلسطيني علي الشهابي، والقاضي رجاء الناصر، ورغم كل الحملات والمطالبات التي قامت بها هيئة التنسيق الوطنية عبر مطالبة مبعوثي الأمم المتحدة إلى سورية كوفي عنان وستيفاني دي مستورا، إلى غير بيدرسون، خلال جولات المفاوضات مع جنيف ومطالبة الدول الراعية الضغط على النظام من أجل إطلاق سراحهم. ومن خلال اللقاءات المباشرة التي جرت في مكتب المبعوث الأممي في دمشق أو في لقاءاتهم في مكتب الهيئة في دمشق، أو من خلال مطالبات ووقفات هيئة التفاوض في جنيف بمقر الأمم المتحدة وإلى جانبها عدد من منظمات حقوق الإنسان السوري.
ولعبت المناضلة فدوى محمود (أم ماهر الطحان، وزوجة عبد العزيز الخير) دوراً كبيراً في المطالبة عن كشف مصيرهم إلى جانب عدد كبير من الأهالي والمعتقلين سابقاً في أقبية النظام السوري المنهار، حتى أنها مع مجموعة من الأهالي الذين شكلوا رابطة أهالي الضحايا والمغيبين قسراً، بالإضافة إلى أنها مع الأهالي والمنظمات الحقوقية شكلوا "ميثاق الحقيقة والعدالة" التي لجأت إلى الهيئة العامة للأمم المتحدة بمساندة من الدول الداعمة لتشكيل آلية مستقلة للكشف عن مصير المغيبين والمختفين قسراً، وهم في هذه المرحلة يعملون من دمشق مع وجود مكتب خاص بهم.
وقدمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً جاء فيه أن هناك 96 ألفاً من المغيبين قسراً قبل سقوط النظام، وبعد السقوط قالت الشبكة إن هناك 250 ألف معتقل صفوا في سجون النظام البائد.

قضية المفقودين والمغيبين قسراً حيوية وحساسة وذات مواصفات إنسانية وحقوقية خاصة تمس المغيبين والمفقودين ذاتهم من الزاوية الإنسانية الأخلاقية

ومن بين الشخصيات الفنية - السياسية التي غيبها النظام المنهار المخرج المسرحي زكي كورديللو ونجله مهيار، وشقيق زوجته عادل البرازي، وصديقه إسماعيل حمودة، إذ كان قد اعتقلهم في 11 آب من العام 2012، والمغيب كورديللو فنان خريج المعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1984، وكان مهيار يدرس في المعهد في قسم التقنيات أيضاً. والمسرحي كورديلو عمل في مديرية المسارح والموسيقى في المسرح القومي لسنوات طويلة، قدم خلالها أكثر من 20 عملاً مسرحياً، قبل أن يقرّر الانتقال إلى مهنة الإخراج المسرحي للأعمال المخصصة للأطفال، ويعد كورديللو الوريث الشرعي لمسرح خيال الظل في سورية، وذلك بعد وفاة آخر المخايلين عبد الرزاق الذهبي. وعرفه الجمهور العربي في المسلسلات الدرامية التي اشتهرت مثل "شجرة النارنج" و"دموع الأصايل" و"الحور العين"و "شام شريف".
وهناك مغيبون آخرون عند الفصائل المسلحة وأشهرهم عند جيش الإسلام الذي غيبهم في دوما: الأربعة (رزان زيتونة، وسميرة خليل، ووائل حمادة، وناظم حماد)، والمحامية رزان زيتونة كانت قد شاركت في ربيع دمشق مطلع الألفية الجديدة في حراك المنتديات، وشاركت في الدفاع عن معتقلين إبّان ربيع دمشق، وكتبت أكثر من دراسة قانونية وحقوقية عن حقوق الإنسان في سورية. وكانت معها في مقر توثيق الانتهاكات في دوما المناضلة سميرة خليل التي أمضت ما يقارب أربع سنوات في سجون الديكتاتور الأب من مدينة حمص إلى فرع فلسطين في دمشق إلى سجن النساء في دوما، وصدر لها "يوميات حصار دوما" الذي جمعه وحرره ياسين الحاج صالح، الذي كتب فيه أحداث ووقائع الحصار ومجزرة الكيميائي (أغسطس/ آب 2013 في الغوطة)، وما جرى مع الناس في تلك المناطق البعيدة عن العالم كلياً وكأنها خارج المدار الكوني.
إن قضية المفقودين والمغيبين قسراً حيوية وحساسة وذات مواصفات إنسانية وحقوقية خاصة تمس المغيبين والمفقودين ذاتهم من الزاوية الإنسانية الأخلاقية التي تجعل من احترام إنسانية الإنسان جزءاً يومياً من الحياة العامة والخاصة، فمن حق المغيبين والمفقودين قبوراً خاصة بكل شخصية منهم وانتشالهم من المقابر الجماعية التي وضعهم بها النظام البائد.
وهو ذاته حق إنساني خاص بذوي المفقودين والمغيبين لكي يعرفوا مصير أبنائهم وأحبائهم، ويضعوهم في مدافن رسمية خاصة بكل واحد منهم. ومن حق المجتمع السوري أن يرى منفذي هذه الجرائم في محاكم محلية أو دولية خاص بالشأن السوري، ويطلع على اعترافاتهم.
ستبقى قضية المفقودين والمغيبين قسراً حية وغير قابلة للتأجيل، ما دام أهالي الضحايا لم يصلوا إلى حل إنساني عادل وواضح يعطيهم حرية الادعاء والمحاكمة والمصالحة والمسامحة بعد سماع أقوال الفاعلين الحقيقيين.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows