عن فقدان الشعور بالأمان داخل المستشفيات والعيادات
Arab
1 week ago
share

هل تشعر النساء بالأمان داخل العيادات الطبية والمصحّات الخاصّة؟ وهل ينتابهن الإحساس بالارتياح في كلّ مرّة يقصدن فيها المستشفيات ودور الرعاية وغيرها من الأمكنة التي يُفترض أنّها تهتم بالمرضى وتقدّم لهم الخدمات الصحية والرعاية النفسية؟ وهل تخضع المعاملة داخل هذه الفضاءات للجندرة؟

قلّما تجيب النساء والشابّات عن هذه الأسئلة ''المحرجة" لاعتبارات شخصية واجتماعية تجعل الإفصاح عن الإساءات الجنسية داخل المستشفيات والعيادات... غير ممكن، بل فعلاً مُداناً في مجتمع يعتبر أنّ حفظ كرامة الطبيب ومنزلته الاجتماعية أهمّ من الإصغاء إلى روايات المُعتدى عليهن، ولذا فإنّه لا حلّ لهنّ سوى "الفضفضة النسائية" وتبادل التجارب، إذ لا عزاء للنساء.

تحتلّ تجارب التعرّض للإساءات الجنسية داخل الفضاءات الطبيّة أهميّة في نظر النساء والشابّات لارتباطها بالذاتي والحميمي والمشاعر، إذ ثمّة إحساس بالإهانة وفقدان الثقة وشعور بالهشاشة والقهر والمرارة والغضب... فكم من امرأة اكتشفت تجاوز طبيب أمراض النساء والتوليد أخلاقيات المهنة وانتهاكه للحدود؟ وكم من امرأة حامل تعاني من آلام المخاض قد استبيح جسدها لمساً وتحديقاً من بعض "الأطباء تحت التمرين"؟ وكم من شابّة غادرت غرفة العمليات، تحرّش بها الممرّض في المصعد "فلا عين رأت ولا أذن سمعت''، إلى غير ذلك من الحالات التي تُثبت أنّ من العاملين في مجال الرعاية الصحية من يستغلون مواقعهم لفرض سلطتهم وإرادتهم على النساء وتأكيد امتلاكهم للأجساد الأنثوية، ولو لحين من الزمن.

ما جدوى الكتابة عندما نفتقر إلى الحجج والبراهين التي تثبت الانتهاكات؟

وعندما يستغلّ الطبيب/ الممرّض/ الموّظف... الوضع الصحّي للمرأة (نصف مخدّرة، في وضع بداية الطلق، نوبات من الصياح من فرط الشعور بالوجع...) لإرضاء نزواته وهواماته فيتطفل على أجزاء من الجسد أو يلمس النهدين أو يهتف بعبارات ذات إيحاء جنسي... فإنّه يقيم الدليل على أنّ علاقات القوّة والهيمنة والاستغلال تخترق جميع الفضاءات، بما في ذلك فضاءات الرعاية والعناية التي تتحوّل في كثير من الحالات، إلى أمكنة مولّدة لأشكال متعدّدة من العنف المادي واللفظي والمعنوي والرمزيّ. 

قد تتمكنّ فئة من الشابّات والنساء من ردّ الفعل: ضرباً وركلاً وصفعاً وصراخاً وتبليغاً للشرطة وفضحاً في وسائل التواصل، متجاوزات بذلك القيم والمعايير الاجتماعية السائدة التي تصم الضحية بدل معاقبة الجاني. ولكن قد يصاب أغلبهن بالصدمة فيعجزن عن ردّ الفعل، وبذلك تتضاعف معاناتهن لأنّهن لم يستطعن الدفاع عن حرمة أجسادهن والتصدّي للانتهاكات وفضح المعتدي واكتفين بالبكاء وكتم الصرخة. فيكون مسار التعافي عسيراً ويغدو الذهاب إلى المستشفيات والعيادات قراراً صعباً. وبين ''ادخلوها بسلام" ومعاينة الانتهاكات وتحمّل الأذى مسافة فاصلة وذكريات أليمة ووجع لا يحتمل يرافق النساء مدى الحياة. 

تظلّ أصوات أغلب النساء مقموعة في ظلّ مجتمعات ''التضامن الذكوري'' حيث تعمل بنى الهيمنة على إسكات من تتجرّأ على فضح المستور

لا يكترث المجتمع بتجارب النساء، ولا يعير اهتماماً لروايتهن، لأنّه معنيّ بالدرجة الأولى بالحفاظ على امتيازات الرجال، والحفاظ على "سمعة" أصحاب المراكز الاجتماعية المرموقة، وحين تضبط المعايير وفق الجندر والطبقة والسنّ والغنى والعرق يغدو تصديق روايات النساء وأخذها على مأخذ الجدّ أمراً معقّداً، فما الحلّ؟

"بالكتابة نتحرّر ونتعافى" ولكن ماذا إذا لم تتمكّن النساء من توثيق هذه التجارب والإخبار عنها؟ وما جدوى الكتابة عندما نفتقر إلى الحجج والبراهين التي تُثبت الانتهاكات، فما يجري في ''الخلوة'' بين المريض والطبيب/ الممرض لا تسجّله الكاميرا؟ 

"بالإدلاء بالشهادات تكون المقاومة"، رسالة وجّهتها حركة "Me too" للنساء حتى يبلغن عن التحرّش والإساءات والانتهاكات. ولكن ما العمل حين تعجز النساء عن رواية ما حدث... حين تخونهن الكلمات فلا يستطعن التوصيف والتحليل؟

تظلّ أصوات أغلب النساء مقموعة في ظلّ مجتمعات ''التضامن الذكوري'' حيث تعمل بنى الهيمنة على إسكات من تتجرّأ على فضح المستور، ولذا تبقى هذه التجارب النسائية حبيسة الذاكرة صامدة أمام محاولات التجاوز والنسيان.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows