أُريد أن أسافر إلى الجنوب
Arab
10 hours ago
share

كابوس

لدي كابوس متكرّر. ليس كل يوم ولكن باستمرار. أرى أطفالي حُفاةً في مدينة مستقبلية، مدينة من كائنات قاسية وآلية، وبرك دماء وزجاج مكسور يمرّون عليها بأقدامهم البيضاء الناعمة. أنظرُ إلى أعينهم الحزينة، وإيماءاتهم الصامتة تحت السماء البرتقالية. وأنا في الخارج، على شاشة أخرى، أحدث صخباً في عالم الأحياء. هذا الحلم يتكرّر كثيراً، ليس كل يوم ولكن باستمرار. ثم أستيقظ، وأشعل الأنوار وأتنفس. لأنهم هنا، نائمون في أسرتهم، واثقون من أنهم محميون بشيء أكبر وأكثر قوة. يقال إنّ كل الآباء لديهم أحلام كهذه. إنه ثمن زرع البذرة، إنه شيء لك ولكنك لا تمتلكه. هذا ما تقوله أُمي. أحلام غريبة تصبح يوماً بعد يوم حقيقية ودقيقة. لأن العالم يتّجه نحو مستقبل مرعب ترى فيه أطفالك يخرجون حفاةً في شوارع من الدم والزجاج المكسور والكائنات القاسية والآلية. ولا يمكنك فعل أي شيء لأنك محاصر في بُعدٍ آخر.


■ ■ ■

صيف

كانت عطلتي الأخيرة. لقد كُلّفت حصرياً بالمبيعات في منطقة ليفانتي. كنت أذهب إلى مواعيد العملاء وأنت تنتظرينني في السيارة. كنّا نشكّل فريقاً. كنتِ تشغّلين الراديو وتلبسين نظاراتي وقبعتي الفيراري وتديرين عجلة القيادة. أتذكّر كل لحظة عشناها معاً: الرغبة في العودة إلى الفندق، وضع أنف المهرج والبحث عن ابتسامتك.

أمي كانت تحتاج إلى استراحة لإعادة ترتيب حياتها. تعرّفت إلى طبيب في المستشفى وكانت تتدرب كيف تخبرك أن لديك أباً جديداً ومنزلاً كبيراً وجميلاً وأخوات جديدات. كانت تقول إن علينا إنهاء هذه المهزلة، علينا التفكير في ابنتنا. أمي تحبّك كثيراً وأنطونيو شخص طيب. بالنسبة لي، أريدك أن تعرفي أنك كنت الحب الوحيد في حياتي. وأنني عشت هذه السنوات فقط على أمل العودة إلى ذلك الفندق مرّة أخرى، وأن أجدك نائمة وأداعب شعرك.


■ ■ ■

المطر

المطر فوق البائع الذي يعقد ربطة عنقه قبل الصعود إلى المنزل. المطر فوق الظّلة الخضراء للورشة حيث تغازل بعض الفتيات الميكانيكي الذي وضع في شبابه وشم آس قلوب على ذراعه. المطر فوق الشعر المصبوب للسيدة العجوز التي بالكاد تصل إلى حافلة فارغة. المطر فوق عربة التسوق والخضروات والطماطم وقطع سمك النازلي المجمد. المطر فوق زجاج وحدة العناية المركزة. المطر فوق نظارات والدي، الذي يهاتفني وهو قلق بشأن وضعي المهني. المطر فوق البائع الذي يقود سيارته ببطء، الذي لا يفكّر إلا في الاختفاء، على الأقل لفترة، تغيير المدينة، استئجار شقة صغيرة، شراء هاتف محمول، والبدء من جديد.


■ ■ ■

محاولة عيش

يلتهم في صمت بقايا اليوم السابق. بطاطس باردة لم يأكلها الطفل وخبز والقليل من الماء، هذا يكفي. لم تبع أي شيء، أليس كذلك؟ يرتدّ صدى الكلمات في الأجهزة الإلكترونية المنزلية. قبل سنوات، كان ليرتجف من الذعر لمجرد سماع هذه الكلمات، لكنّ الوقت يغطي الأشياء بطبقة سميكة من الاعتيادية.


■ ■ ■

مسحوق الغسيل 

لماذا ستجفُّ الملابس ببطء شديد 
لماذا تبقى بقع الفاكهة وشفتاك
إذا كان مسحوق الغسيل "ديكسان" يزيل البقع بغسلة واحدة وإلى الأبد

لماذا خشونة الملابس وجفاف ملمسها
إذا كنت أفكّر في يديْك وفي طريقتك في النظر إليّ وأن تقولي لي
إنه بسبب الحب يجب غسل الملاءات من جديد

أسئلة حزينة مثل كل إعلانات مساحيق الغسيل
وأنا لا أجد منعّماً أفضل من يديْك
في تلك الحانات والمتاجر العارية من الليل.


■ ■ ■

فورد 

مثل دب يستيقظ من سُباته
سيارتنا الفورد تسير وهي تذيب ثلج الزجاج الأمامي
أضع الحقائب في المقعد الخلفي وأراجع خريطة الطرق

الآن تصلين نصف نائمةٍ
دون أن تتزيّني، دون أن تلبسي أحسن ثيابك مكسورة بسبب الليلة الماضية
ليلة من أسئلة الخوف والملابس التي تدخل
وتخرج من خزائن الملابس، ليلة تشبه ثلاجة غير موصولة بالكهرباء
لكن اليوم مختلف وتجلسين إلى جانبي كما في السابق حين كنّا نسافر بلا عجلة
عبر غابات وحقول ذرة في تلك الليالي
من المصابيح الأمامية المضاءة بحثاً عن المحيط

سيارة الفورد تصعد التل ببطء
أريد أن أسافر إلى الجنوب، إلى جنوب كل المشاريع.


* ترجمة عن الإسبانية: إبراهيم اليعيشي
 


بطاقة

Pablo García Casado شاعر إسباني من مواليد مدينة قرطبة عام 1972. نشر عدة دواوين، منها "الضواحي" (1997)، و"خريطة أميركا" (2001)، و"مال" (2007)، و"خارج الميدان" (2013)، و"غارثيا" (2015).
 

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows