ليلى عسلاوي.. امرأة جدلية قادمة من سنوات الجمر
Arab
17 hours ago
share

في العقد الثامن من عمرها، وجدت القاضية والوزيرة السابقة ليلى عسلاوي نفسها في قلب معركة مواقف، بين داعم لتعيينها رئيسة للمحكمة الدستورية، بناء على مواقفها السابقة في التسعينيات ضد الإسلاميين، ومعترض على تعيينها لكونها وجهاً من وجوه تيار الاستئصال ووجهاً من وجوه أزمة سنوات الجمر في التسعينيات.

تنحدر ليلى حمادي عسلاوي من منطقة الأغواط، وسط الجزائر. بعد عام واحد على استقلال الجزائر، 1963، حصلت على شهادة البكالوريا وتوجهت بعدها إلى دراسة الحقوق والقانون في الجامعة. بدأت مسارها المهني والوظيفي في القضاء منذ عام 1968. ويذكر الإعلامي والكاتب احميدة العياشي الذي يهتم بتاريخ الحركة البربرية والتيار الإسلامي أنها تولت بصفتها قاضيةً محاكمة نشطاء الحركة البربرية؛ الذين جرى اعتقالهم من قبل السلطة في أعقاب الربيع الأمازيغي في إبريل/نيسان 1980، كما تولت محاكمة نشطاء الجماعة الإسلامية المسلحة عام 1986، والتي تعرف باسم مجموعة مصطفى بويعلي، وتضعها هذه المحاكمات ذات الصبغة السياسية ضمن قائمة "قضاة الدولة" المقربين من السلطة، وظلت عسلاوي في قطاع القضاء إلى غاية اقتراحها وزيرة في الحكومة.

في يونيو/ حزيران 1991، وفي خضم أزمة سياسية وتوتر لافت في الشارع بين السلطة والإسلاميين بعد أحداث يونيو الدامية، جرى تعيين ليلى عسلاوي وزيرة للشبيبة والرياضة في حكومة سيد أحمد غزالي، الذي خلف مولود حمروش في رئاسة الحكومة، حتى يوليو/ تموز 1992. ولا يزال سؤال كبير يحيط بعدم سفرها مع الرئيس محمد بوضياف إلى مدينة عنابة في 26 يونيو من نفس العام، حيث اغتيل هناك، على الرغم من أن الأخير كان بصدد تدشين معرض لتشغيل الشباب يدخل في نطاق قطاعها الوزاري.

في 1991، وفي خضم أزمة سياسية وتوتر لافت في الشارع بين السلطة والإسلاميين، ، جرى تعيين ليلى عسلاوي وزيرة للشبيبة والرياضة

في إبريل/ نيسان 1994، تعود عسلاوي إلى الحكومة وزيرة للتضامن، وناطقة رسمية باسم حكومة مقداد سيفي حتى 19 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه. في هذا التاريخ، استقالت الوزيرة ليلى عسلاوي من الحكومة احتجاجا على بدء السلطة والرئيس ليامين زروال، حينها، حوارا مع قيادات الإسلاميين، الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة، كانت الوزيرة والقاضية السابقة عسلاوي قد فقدت زوجها طبيب الأسنان محمد رضا عسلاوي في اغتيال على يد الجماعات المسلحة داخل عيادته في العاصمة الجزائرية، عزز ذلك موقفها المتشدد من الإسلاميين على الصعيد السياسي والفكري، وهذا الذي سيظهر بوضوح في سلسلة كتابات نشرتها في وقت لاحق.

لم تكن الجزائر قد عرفت هذا السلوك السياسي بعد، لكنه وضع عسلاوي في سياق من الأحداث السياسية والوطنية في الجزائر، إذ برزت عسلاوي ضمن تيار سياسي يدفع إلى سياسات الحل الأمني والاستئصال، ورفض أي محاولات تقارب أو حضور سياسي للإسلاميين ومظاهر ذلك، وبحكم الأوضاع وتوترات تلك الظرفية العصيبة أمنيا، كانت مواقفها تعد شجاعة سياسية.

بعد إقرار دستور عام 1996 واستحداث مجلس الأمة، عينها الرئيس ليامين زروال ضمن الثلث الرئاسي في المجلس بين عامي 1997 و2001، كان الرئيس بوتفليقة قد استلم السلطة عام 1999، واقترح قانون الوئام المدني الذي سمح للآلاف من عناصر الجيش الإسلامي للإنقاذ بالنزول من الجبال وعودتهم إلى الحياة الطبيعية، بالنسبة إلى ليلى عسلاوي، مثّل ذلك انكسارا لمسار مقاومة الإرهاب، ولذلك عبرت عن مواقف رافضة بشدة أية تفاهمات مع الإسلاميين.

في هذه الفترة، انتقلت ليلى عسلاوي إلى تحويل مواقفها السياسية إلى كتابات، تعرف عسلاوي في مجتمع النخب كاتبة أيضا، حيث عبرت عن وجهة نظرها ومواقفها السياسية وخلفيتها الأيديولوجية والفكرية. تضع نفسها ضمن تيار حداثي يتبنى مشكلات المرأة في العلاقة بالدين حصرا، من دون أن يتطور هذا الموقف إلى مبادرة عملية أو نقدية للسلطة.

في عام 2006، نشرت كتابًا بعنوان "المذنبون"، وأصدرت عام 2012 رواية "بدون حجاب، بدون ندم" التي حصلت بموجبها على جائزة جمعية الكتّاب باللغة الفرنسية في مارس 2013، غير أن هذا الحضور الثقافي كان ضئيلا، حيث بقيت عسلاوي خارج مجال الاشتغال السياسي، كما أنها انكفأت عن التعبير.

في يونيو 2020، عينها الرئيس عبد المجيد تبون مرة أخرى عضوا في مجلس الأمة، لم يدم ذلك سوى 17 شهرا، حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، حيث عينها تبون عضوا في المحكمة الدستورية، التي استُحدثت وفقا لدستور نوفمبر 2020، حتى 19 يونيو 2025، حيث استقال رئيس المحكمة عمر بلحاج، وباتت عسلاوي بحكم السن رئيسة بالنيابة للمحكمة الدستورية، قبل أن يقرر الرئيس تبون تثبيتها رئيسة للمحكمة الدستورية في الثامن من يوليو الجاري.

يعتبر الكاتب احميدة العياشي تعين ليلى عسلاوي بمسارها الملتبس "جزءًا من أزمة تجديد النخب لدى السلطة الجزائرية، ويكشف عن عجز مؤسسي مزمن في إنتاج كوادر جديدة قادرة على قيادة المؤسسات الدستورية، ومؤشر على فراغ أو تهميش أجيال من القضاة الأصغر سنًا، الأكثر التصاقًا بالواقع القانوني والاجتماعي".

وأضاف العياشي: "كما أن اختيار شخصية من الحرس القديم يعكس انغلاق الدائرة الحاكمة على شبكتها التقليدية المألوفة ضمانًا للولاء والاستمرارية بدل التجديد. ومثل هذا التعيين يوحي برؤية ماضوية تصطدم بمتطلبات الحاضر، وتكشف خوفًا من الإصلاح الذي قد يأتي به جيل جديد أكثر استقلالًا".

لا يرتاح المحافظون للمسار والخلفيات الأيديولوجية لليلى عسلاوي

لا يرتاح المحافظون للمسار والخلفيات الأيديولوجية لليلى عسلاوي، فبالنسبة لهم، هي وجه من وجوه أزمة سنوات الجمر، بينما يدافع أنصار التيار التقدمي بشدة عن عسلاوي نظير مواقفها التقدمية، على الرغم من أن عسلاوي ظلت في كامل مسارها أقرب إلى تجليات السلطة، وتنقلت من القضاء إلى الوزارة إلى مجلس الأمة على مرحلتين ثم المحكمة الدستورية، أكثر منها إلى خيارات التقدم والحداثة والحريات، بحيث لم يُعرف لعسلاوي موقف بشأن مسألة الحريات والديمقراطية، عدا انتقاد وحيد وجهته إلى قائد أركان الجيش السابق أحمد قايد صالح عام 2019، لكيفية تعاطيه المتشدد مع نشطاء الحراك الشعبي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows